إعداد: يارا انبيعة
بعد ثلاثة أشهر من انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وبمحاولة من إدارة ترامب تشديد الضغوط على طهران لتتخلى عن برامجها النووية والصاروخية، وبرغم كثرة المناشدات من حلفاء واشنطن بعدم التنفيذ، بدأ سريان العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران في 7أغسطس/ آب 2018.
فيما ورفضت إيران في اللحظة الأخيرة عرضا من إدارة ترامب بإجراء محادثات قائلة إنها لا يمكن أن تتفاوض بعد أن تراجعت واشنطن عن الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 وينص على تخفيف العقوبات مقابل فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني.
الضغوط لن تهدأ
قبل اتخاذ القرار بتنفيذ العقوبات خرج جون بولتون مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض بالقول: إن فرصة إيران الوحيدة للنجاة من العقوبات هي قبول عرض ترامب بالتفاوض على اتفاق أكثر صرامة، وأضاف يستطيعون قبول عرض الرئيس للتفاوض معهم والتخلي عن برامجهم للصواريخ الباليستية والأسلحة النووية بشكل كامل يمكن التحقق منه فعليا.
وأكمل، إذا كان آيات الله يريدون التحرر من الضغوط فعليهم القدوم والجلوس، الضغوط لن تهدأ مع استمرار المفاوضات، وفيما يخص فرض عقوبات أمريكية على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران قال: إنه أمر “محتمل”.
مستوى أعلى
متجاهلا مناشدات قوى عالمية أخرى شاركت في رعاية الاتفاق ومن بينها حلفاء واشنطن الأوروبيون بريطانيا وفرنسا وألمانيا بالإضافة إلى روسيا والصين، كتب ترامب على تويتر قائلا: هذه هي العقوبات الأشد على الإطلاق، ستصل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، إلى مستوى أعلى، كل من يجري معاملات مع إيران لن يجري معاملات مع الولايات المتحدة، أطلب السلام العالمي، لا أقل من ذلك!”
وتستهدف العقوبات التي دخلت حيز التنفيذ مشتريات إيران من الدولار الأمريكي وتجارة المعادن والفحم والبرمجيات الصناعية وقطاع السيارات.
انزع السكين
في كلمة ألقاها قبل ساعات من بدء فرض العقوبات، رفض الرئيس الإيراني حسن روحاني، إجراء أي مفاوضات طالما لم تعد واشنطن ملتزمة بالاتفاق النووي، وقال روحاني في كلمة بثها التلفزيون على الهواء “إذا طعنت شخصا بسكين ثم قلت إنك تريد إجراء محادثات فعليك أولا أن تنزع السكين”، وأضاف، نفضل دائما الدبلوماسية والمحادثات، لكن المحادثات تتطلب الصدق.
كما رفض روحاني اقتراح إجراء محادثات باعتباره يهدف إلى إثارة الفوضى في إيران وإرباك الناخبين الأمريكيين في الداخل قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني، وقال إن واشنطن أصبحت معزولة دوليا وستندم على فرض العقوبات ومخالفة آراء حلفائها والقوى العالمية.
يذكر أن الاتفاق النووي مرتبط على نحو وثيق بروحاني الرئيس المعتدل نسبيا الذي فاز باكتساح في الانتخابات مرتين على وعد بفتح اقتصاد البلاد على العالم الخارجي.
من جانبه، وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف اعترف بوطأة الأمر إذا طبقت العقوبات حرفيا قائلا إن إيران تمر بمرحلة صعبة بسبب العقوبات الأمريكية، أحادية الجانب، الشعب الإيراني هو المتضرر الأكبر من العقوبات الأمريكية.
انقاذ الاتفاق
حثت فيديريكا موغيريني، رئيس الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي في تصريحات للصحافيين، الشركات الأوروبية على القيام بواجبها لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني من خلال تعزيز التجارة مع البلاد، وقالت موغيريني خلال زيارة لنيوزيلندا إن الاتحاد الأوروبي يشجع الشركات الصغيرة والمتوسطة على زيادة الأعمال التجارية الخاصة مع وإيران كجزء من الاتفاق النووي الذي يمثل أولوية أمنية بالنسبة للكتلة.
وتابعت، أريد أن أوضح ذلك لأن التجارة والعلاقات الاقتصادية مع إيران جزء لا يتجزأ من الصفقة النووية.
تراجع في قيمة الريال الإيراني
تخشى الدول الأوروبية أن قرار واشنطن الانسحاب من الاتفاق يجعلها تجازف بتقويض روحاني وتعزيز قبضة معارضيه المحافظين الذين يقولون منذ وقت طويل إن الغرب لن يسمح لإيران بالازدهار.
وقالت بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي في بيان مشترك، نأسف بشدة على استئناف العقوبات الأمريكية، حيث ارتفعت صادرات إيران النفطية منذ تخفيف العقوبات قبل عامين.
لكن لم يشعر أغلب الإيرانيين بتحسن اقتصادي ملموس بعد تلويح الولايات المتحدة بإعادة فرض العقوبات إلى تراجع في قيمة الريال الإيراني مما زاد من تكلفة الواردات.
سعيد لايلاز وهو محلل اقتصادي وسياسي يقيم في طهران قال: العقوبات ستصعب بالتأكيد الحياة اليومية على الإيرانيين، وأضاف لكن إذا كانت الحكومة لديها خطة جادة فإن بإمكانها السيطرة على الموقف.
ويجري عدد قليل من الشركات الأمريكية أعمالا في إيران، الدولة المعادية للولايات المتحدة منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، لذلك فإن تأثير أي عقوبات يعتمد على قدرة واشنطن على منع الشركات الأوروبية والآسيوية من إقامة أعمال هناك.
ومن بين الشركات الأوروبية الكبيرة التي علقت خططا طموحة للاستثمار في إيران استجابة للعقوبات التي فرضها ترامب شركة توتال النفطية الفرنسية وشركتا رينو و(بي.إس.إيه) الفرنسيتان لصناعة السيارات.
وقالت شركة دايملر الألمانية لصناعة السيارات والشاحنات، أوقفنا أنشطتنا المحدودة بالفعل في إيران تماشيا مع العقوبات السارية.
التعرض للمقاضاة
كشفت شبكة سي إن إن الأمريكية عن مسؤول إداري كبير بوزارة الخارجية الأميركية “لم تذكر اسمه” قوله إن نحو 100 شركة دولية أعلنت نيتها مغادرة السوق الإيرانية، وتابع المصدر: وذلك استجابة للعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الأميركية على إيران والمتعاونين معها، وأضاف المسؤول الأميركي: نحن سعداء للغاية بأن نحو 100 شركة أعلنت عن نيتها مغادرة السوق الإيرانية، لا سيما في قطاعي الطاقة والتمويل.
ووفق الشبكة الأميركية، فإن من أهم الشركات التي أعلنت نيتها مغادرة السوق الإيرانية أو وقف توسعها، بيجو ورونو الفرنسيتان، وديالمر الألمانية لصناعة السيارات، وتوتال الفرنسية للمحروقات، وسيمنس الألمانية للتكنولوجيا.
فيما أُمرت الشركات الأوروبية بعدم الامتثال لمطالب البيت الأبيض بإيقاف التعاملات التجارية مع إيران. وستحتاج الشركات التي قررت الانسحاب الحصول على إذن من المفوضية الأوروبية، إذ ستواجه بدونه خطر التعرض للمقاضاة من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وأُعلِنَ كذلك عن آلية تسمح للأعمال التجارية التابعة للاتحاد الأوروبي المتضررة بسبب العقوبات أن تقاضي الإدارة الأميركية أمام المحاكم الوطنية للدول الأعضاء.
الأوروبيون مصرُّون على حماية مصالحهم
في بيان مشترك أصدره وزراء خارجية الدول الثماني وعشرين بالاتحاد الأوروبي، بما في ذلك جيريمي هانت عضو برلمان المملكة المتحدة، أمس الاثنين 6 أغسطس/آب إنَّ هناك إصراراً على حماية المصالح الاقتصادية للاتحاد والاتفاق النووي، الذي تواصل بروكسل بالإضافة للصين وروسيا دعمه وتأييده.
وقال البيان: رفع العقوبات المتصلة بالنشاط النووي لإيران جزء ضروري من الصفقة، هدفها التأثير بإيجابية ليس فقط على العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران، لكن على ما هو أكثر أهمية، أي حياة الشعب الإيراني.
وتابع البيان: نحن عازمون على حماية الشركات الاقتصادية الأوروبية المرتبطة بأعمالٍ تجارية مشروعة مع إيران، بموجب قانون الاتحاد الأوروبي وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، لهذا يدخل قانون المنع الجديد للاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ في 7 أغسطس/آب لحماية الشركات التابعة للاتحاد الأوروبي التي تجري عملياتٍ مشروعة مع إيران من أثر العقوبات الأميركية المتجاوزة للحدود.
لن نتفاعل ولن نتعاطف
أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أن حكومته “لا تتعاطف” مع العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، لكنه سيلتزم بها لحماية مصالحه، وقال العبادي خلال مؤتمر صحفي عقده عقب جلسة لمجلس الوزراء، من حيث المبدأ نحن ضد العقوبات في المنطقة، الحصار والعقوبات تدمر المجتمعات ولا تضعف الأنظمة، وأضاف نعتبرها خطأ جوهريا واستراتيجيا وغير صحيحة لكن سنلتزم بها لحماية مصالح شعبنا، لا نتفاعل معها ولا نتعاطف معها لكن نلتزم به.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصورة: موقع الخبر.