مركز سيتا

ترتبط السعودية وروسيا الاتحادية بعلاقات تاريخية تعود إلى أكثر من 95 عاماً، تشمل الجوانب السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية والرياضية والدينية، عزز هذا التعاون إبرام اتفاقية بين الجانبين تهدف إلى تطوير مجالات التعاون العسكري المشترك بين البلدين.

زيارة رسمية

على خلفية المشاركة السعودية في المنتدى العسكري التقني الدولي “آرمي 2021” في مركز باتريوت للمؤتمرات والمعارض في مدينة كوبينكا في منطقة موسكو، التقى نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان عدداً من المسؤولين الروس لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، ولمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك لدعم أمن واستقرار المنطقة.

نتج عن اللقاء الثنائي إبرام اتفاقية تهدف إلى تطوير مجالات التعاون العسكري المشترك بين البلدين. ووقع الاتفاقية من الجانب السعودي الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع، ومن الجانب الروسي نائب وزير الدفاع ألكسندر فومينو، ومن بين المسؤولين الروس الذين التقاهم نائب وزير الدفاع السعودي، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، ورئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الدوما الروسي ليونيد سلوتسكي، ورئيس الهيئة الفيدرالية للتعاون العسكري التقني دميتري شوغايف، حيث تناولت اللقاءات بحث برامج التعاون الثنائي في المجالات الدفاعية وسبل تطويرها في إطار الشراكة بين البلدين.

اتفاقية مثمرة

جرت مراسم التوقيع على الاتفاقية بين الجانب السعودي والروسي بحضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الذي أشاد بزيارة نائب وزير الدفاع السعودي لمنتدى “الجيش 2021″، مشيراً إلى أنه بإمكانه الاطلاع على أحدث نماذج السلاح الروسي، بما فيها تلك التي أثبتت فاعليتها في سوريا، وأكد شويغو عزم روسيا على “التطوير المطرد للتعاون الثنائي في المجالين العسكري والعسكري التقني في شتى المسائل ذات الاهتمام المشترك”، مضيفاً “ننظر إلى حضوركم الشخصي للمنتدى بمثابة التأكيد على نهج السعودية الرامي إلى مواصلة تعزيز التعاون مع روسيا”.

علاقات مزدهرة

كان الاتحاد السوفيتي أول دولة غير عربية اعترفت بالمملكة العربية السعودية وأقام معها علاقات دبلوماسية، فبراير/شباط 1926، وازداد حجم التبادل التجاري بين موسكو والرياض في الفترة ما بين سنوات 2003 – 2008 حيث بلغت قيمة الصادرات الروسية 465.9 مليون دولار أمريكي.

ومنذ العام 2002، انطلق مجلس الأعمال الروسي – السعودي، أبريل/نيسان 2008، في الرياض برعاية غرفة التجارة والصناعة الروسية ومجلس الأعمال الروسي – العربي حيث أُقيم المعرض الروسي الأول “روسيا والمملكة العربية السعودية: آفاق مستقبلية جديدة للتعاون التجاري – الاقتصادي” وندوة أعمال. فيما تم اقامة المعرض الثاني العام 2010.

كما شهدت زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز، أكتوبر/تشرين الأول 2017، لموسكو إقامة منتدى الاستثمار السعودي – الروسي الأول. وضمن السياق نفسه، شهدت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمملكة، أكتوبر/تشرين الأول 2019، انعقاد الاجتماع الأول للجنة الاقتصادية السعودية – الروسية، والمنتدى السعودي – الروسي للرؤساء التنفيذيين الذي نتج عنه إبرام 17 مذكرة تفاهم و4 تراخيص لشركات روسية.

وخلال هذه الزيارات تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون في قطاعي الطاقة والتصنيع، وهناك تفاهمات مشتركة بين البلدين تتعلق باستقرار سوق النفط، إلى جانب توقيع ميثاق التعاون بين الدول المنتجة للبترول.

التعاون العسكري

ومن المعروف أن المملكة تُعتبر من أكبر البلاد المستوردة للسلاح على مستوى العالم خاصة من الولايات المتحدة. أما فيما يخص العلاقات الروسية – السعودية في هذا المجال، يمكن القول بأنها بدأت بالتطور، حيث شهدت زيارة العاهل السعودي لروسيا، العام 2017، بحثاً مع الرئيس بوتين بشأن التعاون العسكري بين البلدين.

من أبرز النتائج كانت توقيع الشركة السعودية للصناعات العسكرية مذكرة تفاهم وعقد الشروط العامة مع شركة “روزوبورن اكسبورت”، وهي شركة تقوم بتصدير الأسلحة والمنتجات العسكرية الروسية، وتعنى هذه المذكرة بشكل رئيس بتوطين صناعة واستدامة أسلحة نوعية ومتقدمة جدًا في المملكة، كما تشمل نقل تقنية صناعة أنظمة (Kornet-EM) – وهو نظام صاروخي متطور مضاد للدبابات – بالإضافة إلى نقل تقنية صناعة منظومة راجمة الصواريخ (TOS-1A ) وراجمة القنابل (AGS-30).

أيضاً، اشتملت المذكرة على وضع خطة لتوطين صناعة واستدامة أجزاء من نظام الدفاع الجوي المتقدم “إس – 400″، بينما يعنى عقد الشروط العامة بتوطين صناعة سلاح البنادق “الكلاشينكوف AK- 103” وذخائره في المملكة. أيضاً، اشتملت هذه الاتفاقيات على برامج لتعليم وتدريب الكوادر الوطنية في مجال الصناعات العسكرية بما يضمن استدامة وتطور هذا القطاع في السعودية.

هذا، وتعد روسيا الدولة الثانية عالمياً من بين الدول الخمس الأعلى في صادرات الأسلحة ما بين العامين 2016 – 2020، حيث تصدّرت الولايات المتحدة المرتبة الأولى تليها روسيا وفرنسا وألمانيا والصين. وقد بلغت الحصة العالمية من صادرات الأسلحة الروسية 20% ما بين العامين 2016 و2020، بحسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، احتلت السعودية المرتبة الأولى للدول الأعلى استيراداً للأسلحة في العالم، تليها الهند ومصر وأستراليا والصين، حيث بلغت نسبة واردات الأسلحة للسعودية من الحصة العالمية 11% في نفس الفترة.

وبحسب التقرير تقدم أمريكا 79% من واردات الأسلحة للسعودية، لتليها المملكة المتحدة بنسبة 9.3%، كما أن منطقة الشرق الأوسط شهدت النمو الأكبر في واردات الأسلحة. حيث ارتفع استيراد الأسلحة في دول الشرق الأوسط بنسبة 25% ما بين العامين 2016 و2020، مقارنة بالفترة بين العامين 2011 و2015.

موقف تحذيري

تعليقاً على توقيع روسيا والسعودية على اتفاق للتعاون العسكري بين البلدين، جدد متحدث بإسم الخارجية الأميركية “حث جميع شركاء وحلفاء الولايات المتحدة على تجنب المعاملات الجديدة الرئيسية مع قطاع الدفاع الروسي كما هو موضح في القسم 231 من قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات كاتسا”، حيث قال “علمنا بالتقارير التي تفيد بأن المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية وقّعتا اتفاقية تعاون عسكري”، موضحا “أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تواصلان إقامة شراكة أمنية وثيقة ودائمة”، مضيفاً “نبقى في حوار منتظم مع شركائنا السعوديين تعزيزاً لالتزامنا بالمساعدة في الدفاع عن المملكة العربية السعودية”.

من خلال هذه التصريح، رأي العديد من المراقبين بأنه يحمل “تهديداً مبطناً” للرياض خصوصاً أن واشنطن تعتبر الأخيرة أهم “زبون” لديها في هذا القطاع؛ فذهاب المملكة نحو روسيا في هذا القطاع – الذي تعده الولايات المتحدة “خطاً أحمر” – هو بمثابة خرق غير مباشر للإتفاقيات التعاون العسكري بين البلدين وهو ما قد يؤدي إلى عواقب مستقبلية.

أخيراً، إن الفتور الذي شهدته العلاقات الأمريكية – السعودية مؤخراً خاصة في مسألة ما يتعلق بموقف واشنطن حول مسألة ملف حقوق الإنسان، ربما نبّه ذلك الرياض، على أن التحالف مع واشنطن ليس متيناً بالقدر الذي يمكن التعويل عليه والاستفادة منه، فالجنوح باتجاه “الدب الروسي” ليس مجرد توقيع اتفاقيات بروتوكولية بين الجانبين، بل يمكن القول بأنه قد يشكّل بداية توطيد لتحالف مستقبلي في حال تكرر سيناريو أفغانستان، بطريقة أو أخرى، وبذلك تكون المملكة أولى دول الخليج التي عملت على حماية أمنها القومي من أي خطر قد يتهددها مستقبلاً مهما كان حجمه أو نوعه ومن أي جهة كانت.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: الحرة.

موضوع ذا صلة: صفقة “إس- 400” الهندية مع روسيا: الأسباب والتداعيات المحتملة