إعداد: مركز سيتا
وقع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مع نظيره اليوناني، نيكوس دندياس، في القاهرة اتفاقية حول تعيين المنطقة الإقتصادية الخالصة بين الدولتين في شرق البحر المتوسط، وهي منطقة تضم إحتياطات واعدة من النفط والغاز، وهذه الخطوة تعتبر مهمة جداً وتشبه ما قامت به أثينا مع روما في وقت سابق.
تكمن أهمية ترسيم الحدود البحرية بين الدول من إمكانية الإستفادة من الثروات الطبيعية في قاع البحار، إذ لا يحق للدول التنقيب أو استخراج تلك الثروات إلا بعد ترسيم حدودها البحرية مع الدول المجاورة.
حق مشروع
أكد وزير الخارجية اليوناني، خلال مؤتمر صحفي مشترك، أن الإتفاقيات بين مصر واليونان تقوم على احترام مبادئ وأساسيات القانون الدولي، مشيراً إلى وجود تواصل تام ومستمر بين البلدين على أعلى المستويات، لافتاً إلى أن الفترة المقبلة ستشهد ترجمة هذا التواصل في مختلف القضايا، حيث تم وصف الإتفاق بـ “العادل” لكونه يحافظ على مصالح البلدين، داعياً الدول الأخرى إلى أن تحذو حذو مصر واليونان للإلتزام بقواعد القانون الدولي.
من جانبه، الوزير شكري قال إن الاتفاق بين البلدين يتيح “المضي قدماً في تعظيم الإستفادة من الثروات المتاحة في المنطقة الإقتصادية الخالصة، خاصة احتياطات النفط والغاز الواعدة”، مضيفاً “إن الإتفاق يفتح آفاقاً جديدة لمزيد من التعاون الإقليمي بمجال الطاقة في ظل عضوية البلدين في منتدى غاز شرق المتوسط.”
في هذا الشأن، قال د. بشير عبد الفتاح، الخبير في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن الأسس القانونية لترسيم الحدود البحرية لا تستند لمبدأ واحد حيث يعد الجرف القاري أحد مبادئها ما يعني أن تستثمر كل دولة على 200 ميل بحري، لكنه نبه إلى أنه لا يمكن تطبيق ذلك المبدأ في حوض شرق المتوسط لأن عرض البحر لا يسمح لكل دولة الحصول على 200 ميل بحري، لافتاً إلى أن عرض المسطح المائي بين مصر وتركيا يصل إلى 322 ميل بحري فقط، ويتراوح بين 60 – 70 ميل بين تركيا واليونان.
وأشار د. عبد الفتاح إلى أن ما إستندت إليه تركيا في توقيع مذكرة تفاهم مع حكومة الوفاق الليبية، برئاسة فايز السراج، لا يتماشى مع قواعد قانون البحار حيث أن ترسيم الحدود يكون بين الدول المتجاورة أو المتقابلة، وهذه الحالة التي لا تنطبق على كل من تركيا وليبيا، بل أن المذكرة قسمت البحر لنصفين نصف تركي وآخر ليبي.
وبموجب الإتفاق، ستتمكن مصر من التنقيب عن النفط والغاز ضمن المناطق الإقتصادية الغربية الواقعة على الحدود البحرية مع تلك الخاصة باليونان، كما أنها تعطي للبلدين الحق في البحث والتنقيب في شرق المتوسط، إضافة إلى تعزيزيها للعلاقة الثنائية بين القاهرة وأثينا في مجالات عدة، أبرزها الإستفادة من ثروات شرق المتوسط من جانب ومواجهة الإرهاب من جانب آخر.
إمتعاض تركي
قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، من العاصمة الليبية – طرابلس أن الإتفاق البحري “باطل ولاغ”، مضيفاً، أن “المناطق المزعومة التي تم ترسيمها تقع في نطاق الجرف القاري التركي”، مؤكداً على أن بلاده “لن تسمح بأية أنشطة في هذه المناطق”، وكما ذكرت الخارجية التركية، في بيانٍ لها، أن هذه الإتفاقية “تنتهك الحقوق البحرية الليبية”.
في المقابل، رد المتحدث بإسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد حافظ، في تغريدة على “تويتر” قائلاً “إنه لمن المستغرب أن تصدر مثل تلك التصريحات والإدعاءات عن طرف، لم يطلع أصلاً على الإتفاق وتفاصيله”، حيث يرى الجانب المصري أن أنقرة تحاول استخدام الورقة الليبية من أجل الصراع على الغاز في شرق المتوسط، مقترحين عليها القيام بترسيم الحدود البحرية مع اليونان، لكن ذلك لن يتحقق لعدم وجود حدود بحرية مشتركة مع مصر، إلا إذا قامت أنقرة بـ “إبتلاع” جزيرة قبرص وهو ما يقوم الإتحاد الأوروبي بمواجهته بقوة.
وفي موقف لافت، أعلنت أثينا، قبل ساعات من توقيع الإتفاق، بأنها مستعدة لبدء مباحثات مع أنقرة حول المناطق البحرية المتنازع عليها بين البلدين لإستكشاف النفط والغاز في بحر إيجه، إذ قال المتحدث بإسم الحكومة اليونانية ستيليوس بيتساس “ننتظر لنرى ما إذا كانت تركيا تنوي القيام بذلك جدياً. إننا على استعداد اعتباراً من الشهر الحالي”.
يأتي ذلك في وقت علقت فيه تركيا عمليات إستكشاف النفط والغاز قبالة جزيرة يونانية بعد أن رفعت هذه الخطوة من حدة التوتر بين البلدين، حيث أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أنه “مستعد للبحث في كافة الخلافات مع اليونان دون شروط”.
أهمية إستراتيجية
يقول أستاذ تسوية النزاعات الدولية في الجامعة الأردنية، حسن المومني، إن الإتفاق بين مصر واليونان يأتي على خلفية تفاهمات بين البلدين في ضوء التنسيق المستمر، إذ أن هناك سعي تركي للتمدد وهذا الإتفاق يضع حداً لهذه المنازعات، مشيراً أن إلى ترسيم الحدود بين مصر واليونان يعد “ضربة كبيرة” لتركيا، ويمنعها من التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.
بينما يرى، أستاذ الدراسات الأمنية والإستراتيجية، كليانثيث كيرياكيديس، أن إتفاقية ترسيم الحدود البحرية يلغي اتفاق تركيا مع حكومة السراج كونه يغطي بعض المناطق التي شملتها الإتفاقية، مضيفاً أن اليونان تحترم القانون الدولي على عكس تركيا، التي تتصرف بعدائية تجاه البلدين، مشيراً إلى أن الإتفاقية تتوافق مع قواعد قانون البحار.
لماذا الآن؟
شكل الإتفاق صدمة لتركيا لأنها لم تتوقع أن يجري بهذه السرعة، إذ أن زيارة وزير الخارجية اليوناني كانت مفاجأة ولم يعد لها، رغم وجود عدة نقاط خلافية بين مصر واليونان حول حقوق بعض الجزر في ترسيم الحدود البحرية وخلاف حول البلوك 12 وهو نقطة تلاقي الحدود البحرية للدولتين، فقد كانت أنقرة تراهن على أن الاتفاق المصري – اليوناني، الذي يعد له منذ العام 2003، سيأخذ سنوات مما يمهد الطريق لتركيا لفرض أمر واقع.
وعلى الرغم من الإطمئنان التركي لهذا الأمر، إلا أنها هي من ساهمت بتسريعه من خلال إتفاقها مع حكومة الوفاق متجاهلة جرف جزيرة كريت وهو ما يتيح لأنقرة التنقيب في الشقين التركي والليبي. وأما الخلاف المصري – التركي يؤول إلى اعتراض تركيا على عميات التنقيب في المناطق المصرية، فأنقرة لا تريد الصدام مع مصر، كما أن الأخيرة بعيدة عن تركيا جغرافياً. وأما الخلاف التركي مع كل من اليونان وقبرص، فهو يعود بالأساس إلى قرب سواحل الدولتين منها بالإضافة إلى النزاع القائم على بعض الجزر في بحر إيجه، مما يصنع أزمة ترسم للحدود علاوة على الصراعات الجيو – سياسية والثقافية التاريخية بين تركيا وكل من قبرص واليونان.
أخيراً، إن سعي تركيا لتوسيع نفوذها في البحر المتوسط، من البوابة الليبية وتوقيعها مذكرتي التفاهم الأمنية والبحرية مع حكومة السراج، لاقت انتقادات شديدة من الإتحاد الأوروبي، وشجب متكرر من قبل باقي دول الحوض، معتبرين أنها لا تكفل أية حقوق لباقي دول حوض شرق المتوسط. وكان آخر تلك الإدانات، إعلان مشترك لكل من مصر واليونان وقبرص وفرنسا، وإنضمت إليه الإمارات، لرفض الإستفزازات التركية، بينما يشكل توقيع مصر واليونان للإتفاق أحدث الفصول في قصة ممتدة قرابة عشر سنوات من الصراع حول موارد الطاقة.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: الإقتصادية – العربية نت.
موضوع ذا صلة: “البحر المفتوح”: تدريبات عسكرية على السيطرة الإقليمية