إبراهيم ناصر*
المكانة التي بدأت تشغلها منطقة القرن الأفريقي في النظام العالمي الجديد البادئ في التشكل، جعلتها ساحة تنافس بين العديد من القوى الإقليمية والدولية، وفي إطار التدافع الجاري على المنطقة، تبذل جميع القوى أقصى جهودها لتقوية مكانتها في المنطقة، ويلاحظ إتباعها طرق مختلفة من أجل الوصول لأهدافها هناك. على سبيل المثال بينما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا تسعيان إلى توسيع تواجدهما العسكري في المنطقة، تحاول ألمانيا، هي الأخرى، التنفذ إلى المنطقة من خلال زيادة حجم إستثماراتها فيها. وفي هذا التحليل سنحاول قراءة النفوذ الألماني الناعم في منطقة القرن الأفريقي.
يلاحظ بأن الإستثمارات الألمانية متوزعة على جميع الدول الإفريقية، إذ يعتقد في الآونة الأخيرة بأنها تطورت على نحو يثير الاهتمام. وبحسب بيانات منشورة على موقع “جيرمن أفريكا” الإلكتروني، بلغت المبادلات التجارية بين ألمانيا وإفريقيا، في العام 2013، نحو 60 مليار دولار، وأما في العام 2015 توسعت لتحقق زيادة مطردة، بجانب 1000 شركة ألمانية تنشط في العديد من دول القارة الأفريقية.
وإنطلاقاً مما تقدم يمكن القول بأن لبرلين إستراتيجية واضحة المعالم تجاه دول القارة السمراء، وتعتبر الإستثمارات أداة في هذه الإستراتيجية، وفي إطارها أيضاً تعقد الإدارة الألمانية قمم ثنائية بين برلين ودول القارة الأفريقية، يشارك فيها أغلب زعماء دول القارة، ويناقش فيها كيفية زيادة حجم التبادل التجاري.
وبجانب توسيع إستراتيجية الإستثمارات التي تتبعها برلين، تقوم بتقديم دعم إنمائي وإنساني لدول القارة، حيث وضعت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الشراكة مع دول أفريقيا على رأس أولويات اجتماع قمة العشرين المنعقدة في مدينة هامبورغ “Hamburg”، وأعلنت عن تخصيص 300 مليون دولار إضافي لمساعدة الدول الأفريقية الراغبة في الإصلاح، وذلك في إطار مشروع “مارشال” لتنمية أفريقيا بهدف تجفيف منابع الهجرة.
ومن خلال المساعدات الإنسانية والإنمائية والإستثمارات، تحاول ألمانيا تلميع صورتها في نظر شعوب القارة الأفريقية، وتروج لسياسات خاصة تحال من خلالها تعزيز مكانتها في علمية التنافس الدولي والإقليمي على القارة.
أما بالنسبة للمساعي الألمانية لتوسيع النفوذ بمنطقة القرن الأفريقي، يلاحظ بأن هناك توافد كبير للشركات الألمانية الكبرى. على سبيل المثال لا الحصر حسب “The New Time”، قال المتحدث بإسم شركة “فولكس فاجن” الألمانية، أنديل دلاميني، إن الشركة “تستكشف التوسع في إثيوبيا، وأن تجميع المكونات هو العمل الأولي الذي نتطلع إليه. كما أن تجميع المركبات قيد النظر على المدى الطويل”. وبذلك تكون “فولكس فاجن” قد تواجدت في دولتين شرق أفريقتين وهما كينيا وإثيوبيا، وهذا ما سيسهل لها تغطية سوق السيارات الشرق أفريقيا.
بجانب نشاط الشركات الألمانية المصنعة للسيارات في كينيا، يلاحظ بأن هناك تواجد إستثماري ألماني كبير، ينشط تحت مظلة جمعية رجال الأعمال الألمان بكينيا “German Business Association in Kenya”، والتي تقوم بتقديم بعملية إستشارات إقتصادية للمستثمرين الألمان في كينيا، فضلاً عن نشاطات ثقافية وتعليمية تقوم بها المؤسسة المعنية.
وإذا ما تساءلنا عن الأسباب التي ادت الى وقوع الإختيار الألماني على هذين الدولتين، يجوز لنا عد النقاط التالية:
- الإنفتاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي: ما تشهده إثيوبيا وكينيا من تغيرات سياسية والإجتماعية، تجعل منهما نموذجين يثيران إعجاب الدول الغربية، وخصوصاً في الحالة الإثيوبية اذ نلاحظ أن التغيرات التي يقوم بها رئيس الوزراء الشاب، آبي أحمد، تدعم من أغلب الدول الغربية، وأن عملية الإنفتاح التي تشهده البلاد محل تقدير بالنسبة لها وعلى رأسها ألمانيا.
- الإستقرار السياسي النسبي: تعد كينيا من أكثر دول شرق أفريقيا إستقرار”نسبياً”، بالرغم من بعض التشنجات والإحتقانات الداخلية التي تشهدها أثناء عمليات الإنتخابات. وأما بالنسبة لإثيوبيا، فيتوقع بأن سياسة آبي أحمد المنفتحة تجاه المعارضين ستؤدي الى نوع من الإستقرار السياسي في البلاد. وبالتالي، إن استقرارهما سياسياً ستؤدي الى نموء إقتصادي على المدى المنظور، وهذا ما حفز الشركات الألمانية إلى دخول السوقين الإثيوبية والكينية.
- أهمية البلدان الجيوسياسية: تحتل كل من كينيا إثيويبا موقعين جيو – استراتيجين يجعل منهما لاعبين أساسين في التحديات التي تواجه دول المنطقة، وخصوصاً في المسألة الصومالية، إذ تلعب الدولتان دوراً محورياً في إعادة الأمن والإستقرار لمقديشو، بجانب محاربة الحركات المسلحة المهددة للإستقرار البلد، ولأمن الإقليم بشكل عام.
من هنا، فإن الجهات الغربية، وعلى رأسها ألمانيا، تحاول إعادة الإستقرار لإقليم منطقة القرن الإفريقي، من خلال دعم جهود الدولتين، إذ تهدف برلين، من خلال دعمها لدور نيروبي وأديس أبابا، إلى الإستفادة من موقعهما من أجل التنفذ في منطقة القرن، وعملية الدعم تتمثل في ضخ الإستثمارات كما وضحنا في نموذج إثيوبيا.
بالمجمل وإستناداً إلى ما تقدم، يمكن أن نعتبر بأن المساعي الألمانية تأتي في إطار سياسة تهدف منها تقوية مكانتها في “مستقبل الاقتصاد العالمي”، وتثبت بأنها قوة اقتصادية عظمى تبحث عن موطئ لتنافس بقية القوى، سواء التقليدية الناشطة في القارة، مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، أو الناشئة كالصين والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية وتركيا.
*باحث بمركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات – “أنكاسام”
مصدر الصورة: دي دبليو