تعريب وتعليق: مركز سيتا
يشير الصحفي الروسي ألكسندر بونوف، في مقال له بصحيفة “موسكو تايمز” بنفس العنوان، إلى أنه “ليس من المستغرب أن تستجيب شريحة معينة من الجمهور الروسي، وبقوة، لموضوع تسميم وسجن السياسي المعارض أليكسي نافالني، حيث خرجت الإحتجاجات الشعبية إلى الشوارع لمدة أسبوعين متتاليين قبل أن يقوم فريقه بتغيير تكتيكاته.” لكن الكاتب يرى بأن معظم هذه المظاهرات لم تكن تدور حول قضية نافالني بالتحديد بل أن الخلفيات الإقتصادية والإجتماعية، لا سيما الركود الإقتصادي منذ العام 2014، وهي من دفع بالناس للنزول إلى الشوراع.
بالعودة للعام 2014، يمك القول بإن لهذا العام مدلول خاص حيث تم فيه، شهر مارس/آذار، ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا بعد الأحداث الكبيرة التي وقعت في أوكرانيا. في ذلك الوقت، فُرضت عقوبات إقتصادية أمريكية على موسكو وكانت إحدى تأثيراتها خفض إحتياطها النقدي الفيدرالي بشكل كبير، كما فُرض حظر على الدول التي تعمل مع شركات موسكو ما أدى إلى دخول البلاد في أزمة حادة لم تستطع التعافي من تداعياتها حتى اليوم.
وبالعودة إلى المقال، يتساءل بونوف ما إذا كان باستطاعة فريق نافالني الإستفادة من هذه النقمة الشعبية، أو قدرة الحكومة على التخفيف منها لتصبح أقل تهديداً خصوصاً وأن إستراتجية النظام كانت “الرد بوحشية نموذجية” على تلك التظاهرات، على حد تعبيره، كما حدث في العام 2019. فمن جهتها، لا ترى الحكومة الروسية في نافالني “محارباً صليبياً ضد الفساد”، بل هو زعيم ثورة ترعاها دول أجنبية.
في هذا المجال، ربط الكثير من المراقبين عودة نافالني إلى روسيا، على الرغم من معرفته المسبقة بالإعتقال، وبين دخول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض، خصوصاً وأن “الثورات الملوّنة” التي شهدها العالم كان أغلبها في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما ونائبه بايدن.
فيما يعني المظاهرات تحديداً، يقول بونوف إن السلطة تريد أن توصل رسالة للمتظاهرين مفاهدنا أن النزول إلى الشارع “له ثمن”، وهذا الثمن بازدياد. فالسلطات تسأل المتظاهر وتجيبه: “هل تريد ثورة كرامة على الطريقة الأوكرانية؟ إذن، عليك أولاً أن تكون مستعداً لتجربة بعض من الذل”. هذا السبب، برأي بونوف، يقف خلف إصدار القضاة أحكاماً قاسية على المشاركين، ولو حتى عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وحبسهم في “مخيمات قذرة” أُعدت أصلاً للمهاجرين غير الشرعيين، لمدة أسبوعين أو ثلاثة أسابيع على الكثر.
إن فكرة “الكرامة”، كدافع للإحتجاج السياسي، هي نوعاً ما معقدة في حالة نافالني خصوصاً وأن هذه الفكرة موجودة في ذهن الروس كمقاومة للغرب لا الدخول من بابه إلى البلاد. كما وزاد الأمر تعقيداً تصويره من قِبل الحكومة على أنه مجرد “أداة” تنفيذية، على عكس الرئيس فلاديمير بوتين الذي يرى الشعب أنه تجسيد فعلي لفكرة “مقاومة الغرب”.
من هنا، يرى بونوف أن الكرملين يعتمد على “رد الفعل هذا وتعزيز التوقعات العامة بأن أية حركة إحتجاجية ستستنفد نفسها، تماماً مثل العديد من الحركات السابقة، وأن النظام سيبقى قائماً. حتى الأشخاص غير السعداء سينتهجون سلوكاً عقلانياً ويبتعدون تماماً عن السياسة.” هذا الأمر قد يعد صحيحاً خصوصاً وأن نسبة المؤيدين لنافالني لم تتجاوزر الـ 20%، فخطأ الأخير كان “تقديراته المبالغ فيها” لجهة النسبة التي سيدعمه حيث عاش في “فقاعة معلومات تماماً كما هو حال الرئيس بوتين”، على حد قول الكاتب.
لا يخفي بونوف براعة نافالني وفريقه في جذب انتباه وسائل الإعلام، خصوصاً مقاطع الفيديو التي تتمحور حول مسألة الفساد، لكن ذلك لا يعني أن يصب حتماً في خانة دعمه حيث يشير الكاتب إلى وجود عدة أسباب أبرزها وجود نوع من “الخمول المجتمعي” يتمثل في أن معظم المواطنين الروس لا يرون إنهياراً على شك الوقوع، وأن الاحتجاجات الشعبية لن تتمكن من تسهيل أو تسريع إنهاء “حقبة بوتين”.
وفي ناحية مهمة جداً، يذكر الكاتب بأن المعارض الروسي “ناجح” جداً في “إلهام” الشباب، لكنه عاجز عن إستقطاب الفئات العمرية المتوسطة والمتقدمة، أي الفئتين اللتين تملكان النسبة الأكبر من الأصوات الإنتخابية.
في هذا الشأن، أن الكاتب على حق خصوصاً أن الرئيس بوتين يحرص دائماً على إستقطاب فئة الشباب الروسي تلك من خلال أمور عدة أبرزها إظهاره المستمر لقوته البدنية، كتصوير فيديوهات تبين قيامه بنشاطات رياضية قاسية أو ركوبه الخيل نصف عارٍ أو الغطس في مياه متجلدة غيرها من الأمور التي تبيّن أنه لا يزال يتمتع بقوة الشباب؛ بالتالي، إقناع هذه الفئة بالذات بأنه لا يزال قادراً على إدارة شؤون البلاد بشكل فعّال.
من الأسباب الأخرى التي يذكرها كاتب المقال هي “الجراح” التي خلفتها سياسة “البيريسترويكا” وزمن التسعينيات وبعدما، حيث يتذكر العديد من هؤلاء الناس كيف أن الحملة قادها بعض الروس، المناهضون للشيوعية والليبراليون من أجل العدالة الاجتماعية والحرية ضد السوفيتية، أفقدتهم وظائفهم. بالإضافة إلى ذلك، يذكر بونوف مسألة حيوية جداً وهي توجيه الحكومة معظم مساعداتها، فيما يخص فيروس “كورونا”، إلى “ناخبيها الأساسيين” وليس أولئك الذين خرجوا نصرة لنافالني. فموضوع “إحتضان الأهل” ما زال أمراً محبباً ومرغوباً لدى ناخبي الرئيس بوتين.
في هذه النقطة بالذات، إن ما أورده بونوف يعبر تعبيراً حقيقياً عما يجري في روسيا والعالم ككل لجهة تلقيح الفئة العمرية المتقدمة في السن، لكن الهدف من تلقيحهم ليس فقط لأنهم يشكلون قاعدة إنتخابية للرئيس بوتين، أو لغيره، بل هو مضطر للقيام بذلك كون هذه الفئة العمرية، سواء كانت تؤيده إنتخابياً أم لا، هي الأكثر عرضة للموت ما يعني أن زيادة عدد ضحايا الفيروس سيكون له تأثير كبير عليه، بما في ذلك مستقبله السياسي، وعلى الوطن ككل.
بالعودة إلى مقال بونوف، فعلى الرغم من كل ما ذكره سابقاً، فإن ذلك لا يعني عدم وجود خوف لدى الكرملين من ظاهرة نافالني، على حد قول الكاتب، إذ عليه العمل على بأقصى ما يكون لـ “ثني مؤيديه المحتملين”، لا سيما وأن الكرملين يدرك مدى قوة “الأغلبية الناخبة الصامتة”، بدول مثل روسيا، والتي “لا يمكن توقّع سلوكها” في وقت إقتربت فيه إنتخابات مجلس الدوما – النواب، سبتمبر/أيلول 2021، خصوصاً إذا ما ترافق ذلك مع توحيد أتباع نافالني لصفوفهم بشكل جيد.
في ختام المقال، يرى بونوف أن فريق نافالني يحاول إقناع الروس والغرب، على حدٍ سواء، بأنه “الخصم الشرعي الوحيد” للرئيس بوتين، وأن نجاحه هو أفضل ضمان لإرساء الديمقراطية في روسيا مستقبلاً. لكنه ومن السابق لأوانه القول إن كان المجتمع المدني الروسي كله “مستعداً لتقديم الدعم لهذا الإقتراح”.
المصدر: موسكو تايمز
مصدر الصور: إندبندنت فارسية – الشرق.
موضوع ذا صلة: إلى أين ستصل أكبر الإحتجاجات في روسيا؟
ألكسندر بونوف هو خبير روسي في السياسة الدولية وصحفي ودبلوماسي سابق. منذ العام 2015، كان مساعداً أول في مركز “كارنيغي” بموسكو، وهو رئيس تحرير موقع المركز باللغة الروسية