فراس الراعي*
في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إطلاق عملية عسكرية في شمال شرق سوريا، بعنوان “نبع السلام”، هدفها تطهير المنطقة من قوات سوريا الديمقراطية – قسد وتنظيم “داعش” الإرهابي وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إليها. لكن الجيش التركي علَّق العملية، في 17 من أكتوبر/تشرين الأول (2019)، بعدما توصلت كل من أنقرة وواشنطن إلى اتفاق يقضي بإنسحاب قوات “قسد”، أعقبه إتفاق مع روسيا، في مدينة “سوتشي” في 22 من الشهر ذاته.
كل الأصوات إلا صوتهم!
في بيان مشترك، عارض كل من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، العملية وحذروا من عواقبها، كما أعلنت النرويج، العضو في منظمة حلف شمال الأطلسي – الناتو، تعليق تصدير شحنات أسلحة جديدة إلى أنقرة، وكذلك استدعت إيطاليا السفير التركي في روما، وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، “قلقه البالغ”، وانتقد الكرد السوريون العملية العسكرية واعتبروها غزواً، حتى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نفسه ندد بقرار تركيا، في النهاية، معتبراً إياه “فكرة سيئة”، على الرغم من إعطائه “الضوء الأخضر” بإنسحاب قوات بلاده من شمال شرق سوريا.
لكن الصوت الوحيد الذي كان مفقوداً هو في كل هذه التصريحات الدولية هو صوت أكثر من 3.6 مليون لاجئ سوري في تركيا، لجأ معظمهم إليها نتيجة الحرب الدامية، التي بدأت في العام 2011. لم يسمع أحداً صوت هؤلاء بالرغم من أنهم معنيون بشكل مباشر بتصريحات تركيا، التي تعتزم من خلال تدخلها العسكري، بإقامة “منطقة آمنة” لإعادتهم إليها.
رأي السوريين
وبما أنني مقيم في إسطنبول أردت أن أعرف ما هو رأي السوريين بهذه العملية العسكرية؛ هل يساندونها كي يعودوا مجدداً إلى بلادهم أم أنهم يعارضونها خوفاً من إعادتهم إلى مناطق صراع جديدة قد تكون قريبة من قوات النظام أو “داعش”؟
من خلال جولتي، رصدت لكم هذه الأجوبة وأبرزها:
أولا، يقول أحد اللاجئين اللذين قابلتهم، وهو صحفي سوري فضل عدم الكشف عن إسمه، بأن “العديد من اللاجئين السوريين المتواجدين على الأراضي التركية يدعمون هذه العملية، لأن قوات “قسد” تنسق، بشكل أو بآخر، مع النظام السوري بالرغم من أنها تدعي معارضتها له. فهي تقوم بنفس ممارسات النظام في المناطق التي تسيطر عليها ضد العرب هناك، وإذا ما عادت هذه المناطق إلى النظام ضمن تسوية ما، فهناك خوف كبير على سلامة السكان. لذلك، تجد معظم السوريين هنا يدعمون العملية لكنهم لا يريدون العودة.”
ثانياً، أما حسام، وهو شاب يعمل موظفاً في شركة للتسويق العقاري في إسطنبول، فكان له رأي آخر حيث قال “لقد وصلت بشكل قانوني إلى تركيا، في العام 2016، هرباً من التجنيد في جيش النظام، وأتمنى أن أعود إلى قريتي في سوريا، ولكن قوات “قسد” هي المسيطرة هناك اليوم. لكن الأمل قد يلوح في الأفق إذا ما حرر الجيش التركي تلك القرية حيث سأعود لأرى والداي اللذان لا يزالان يقيمان فيها.”
ثالثاً، تحدث أبو تيسير، صاحب محل مواد غذائية في منطقة الفاتح التي تكتظ بالسوريين والعرب، والقلق يتلبس وجهه قائلاً “هل هناك ضمانات من أجل عودة آمنة إلى المنطقة الآمنة؟ أي فرص عمل سيجدها الناس هناك؟ الأمر ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض. أنا لن أعود إلى المجهول، فحتى لو طردتنا تركيا سأحاول أن أهرب إلى أي مكان آخر غير الرجوع إلى سوريا.”
رابعاً، أما ريم، الطالبة الجامعية في إحدى الجامعات الخاصة بإسطنبول، فقد صمتت قليلاً وزفرت أنفاسها بضيق قبل أن تجيب فقالت “إن العلاقة بين اللاجئين السوريين والشعب التركي كانت جيدة في البداية، لكنها بدأت تتغير ببطء. لقد بات الأتراك يمتعضون منا لأبسط الأشياء، ويقولون إن السوريين يتسببون بإثارة المشاكل، كما أنهم السبب وراء إرتفاع الإيجارات، في وقت عززت المعارضة التركية هذه الأفكار لدى البعض. بكل الأحوال، أنا لن أُرحل إلى المنطقة الآمنة لأنني أملك تصريح إقامة، ولكنني أخاف على أصدقائي وأهلهم. ففي المنطقة الآمنة لا أتوقع أن نرى شكل لدولة أو لمؤسسات أو لتعليم جيد ولا حتى لحياة آمنة.”
مؤخراً، حذرت تقارير كل من منظمة العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش” من عمليات إخضاع السلطات التركية للاجئين السوريين بالقوة من أجل ترحيلهم قسراً. ومن واقع احتكاكي ومشاهداتي، يشعر اللاجئون السوريون أنهم يعاملون دائماً كضيوف في أحسن الأحوال، أو بإعتبارهم غرباء غير مرحب بهم في أسوئها.
تركيا وإتفاقية حقوق اللاجئين
تقر تركيا، وبصفتها دولة موقعة على إتفاقية اللاجئين لعام 1951 وبروتوكول العام 1967، بأن للاجئين الحق في التمتع بالحقوق الأساسية، مثل الالتزام بإصدار وثائق السفر والحق في العمل والتعليم، فضلاًعن الحماية من الإعادة القسرية إلى وطنهم الأم. بالإضافة إلى ذلك، أنشأت تركيا قانون اللجوء الخاص بها، وهو قانون الأجانب والحماية الدولية الذي ينص على المعاملة المحمية للإتفاقيات الدولية للاجئين في القانون التركي، العام 2014. وفي وقت لاحق من نفس العام، اعتمدت أنقرة لائحة الحماية المؤقتة التي وسعت نطاق حماية اللاجئين.
يترقب اللاجئون السوريون ما ستفضي إليه عملية “نبع السلام” بحالة من القلق والخوف؛ فهل ستكون العملية برداً وسلاماً عليهم أم أنها ستزيد من عذاباتهم ولن تكون إلا حلقة من حلقات سيناريو مسلسل كتب بدمائهم منذ ما يقارب على الـ 9 سنوات ولا يعرفون متى ستكون الحلقة الأخيرة؟!
*كاتب سوري
مصدر الصور: فرانس 24 – الإتحاد برس.
موضوع ذو صلة: “نبع السلام”: عملية تركية بأجندات إقليمية ودولية