يارا انبيعة
سور الصين العظيم الذي يتغنى به الجميع ما هو إلا نعمة للعالم وليس للصين وحدها. هذا السور، جعل الصين حبيسته آلاف السنين ولو لم يكن موجوداً لخرجت منه واحتلت العالم كله قبل الآن بأعوام وقرون.
الصين اليوم بينها وبين الولايات المتحدة عدوة فرس فقط. الأمريكيون يعلمون ذلك جيداً من أرقام سنداتهم المؤتمنة على الأموال الصينية، وليست “هواوي” سوى رسالة بسيطة تلقتها بكين بلطف وقد تردها بقوة وحزم.
تحريض متعمد
تتهم الصين الولايات المتحدة بممارسة “إرهاب اقتصادي مكشوف” ضدها عبر فرض رسوم جمركية عقابية وعقوبات على شركاتها، في تصعيد جديد للهجة بكين في الحرب التجارية بين البلدين. ويخوض أكبر اقتصادين في العالم نزاعاً كبيراً بينما المحادثات التجارية متعثرة مع قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في وقت سابق هذا الشهر زيادة الرسوم الجمركية على سلع صينية وإدراجه مجموعة الإتصالات العملاقة “هواوي” على اللائحة السوداء.
وخلال مؤتمر صحافي تمهيداً لزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى روسيا، يونيو/حزيران 2019، قال نائب وزير الخارجية الصيني تشانغ هانهوي “نحن ضد الحرب التجارية، لكننا لا نخشاها”، مضيفاً “هذا التحريض المتعمد لأزمة تجارية هو إرهاب اقتصادي مكشوف وتعصب قومي اقتصادي وتنمر اقتصادي”، مشدداً على أن بلاده تعارض الإستخدام المنهجي للعقوبات والرسوم والحمائية، إذ حذر المسؤول الصيني من أنه لا يوجد رابح في حرب تجارية.
هذا وردت الصين بزيادة رسومها على العديد من البضائع الأميركية في قرار سيبدأ تطبيقه في 1 يونيو/حزيران 2019، بينما تحدثت وسائل إعلام رسمية عن قدرة الصين على وقف صادراتها من المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة، ما يحرمها من مواد رئيسية تدخل في صناعة الكثير من منتجات التكنولوجيا المتقدمة.
في تلك الأثناء صعدت، وسائل الإعلام الرسمية وعدد من المسؤولين الصينيين نبرة خطابهم في مسعى لإثارة الحماس الوطني، فيما يستعد الحزب الشيوعي لما قد يكون معركة طويلة مع الولايات المتحدة. وفي حدث لافت، أجرت مذيعة صينية نقاشاً نادراً مع مقدمة برامج امريكية بشأن الحرب التجارية بعد جدل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اتسم النقاش بين ليو شين، من “تشاينا غلوبال”، وتريش ريغان، من “فوكس بيزنس”، بالودية إذ قالت الأخيرة “أقدر وجودك هنا”، فيما دعتها المذيعة الصينية لزيارة الصين مؤكدة بالقول “سأرافقك في جولة في المكان”.
وفي افتتاحيتها، كتبت صحيفة الشعب الصينية ننصح الولايات المتحدة بعدم الإستخفاف بقدرة الصين على ضمان حقوقها ومصالحها في التطوير “وعدم القول بأننا لم نحذركم”، محذرة من أنه يمكن استخدام المعادن النادرة كإجراء مضاد حيث أن الصين تنتج أكثر من 95% من المعادن النادرة في العالم، فيما تعتمد الولايات المتحدة على الدولة الآسيوية العملاقة بما يزيد عن 80% من واردتها.
القدرة على الرد
حذرت الصحف الصينية في تعليقات قوية اللهجة من أن الصين مستعدة لإستخدام المعادن الأرضية النادرة للرد على الولايات المتحدة في حربهما التجارية، في خطوة من شأنها تصعيد التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم. وأثارت زيارة الرئيس الصيني شي لمصنع للمعادن النادرة، تكهنات بأن الصين ستستخدم مركزها المهيمن باعتبارها مصدراً للمعادن النادرة إلى الولايات المتحدة كورقة ضغط في الحرب التجارية.
والمعادن النادرة هي مجموعة من 17 عنصرا كيماوياً تستخدم في كل شيء من الإلكترونيات الإستهلاكية ذات التكنولوجيا الفائقة إلى المعدات العسكرية. وأدى احتمال ارتفاع قيمتها نتيجة الحرب التجارية إلى ارتفاعات حادة لأسعار أسهم منتجيها بما في ذلك الشركة التي زارها الرئيس شي، وعلى الرغم من أن الصين لم تعلن صراحة أنها ستقيد مبيعات المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة، أشارت وسائل إعلام صينية إلى أن ذلك سيحدث.
وفي تعليق تحت عنوان “الولايات المتحدة، لا تستهيني بقدرة الصين على الرد”، أشارت صحيفة الشعب إلى اعتماد الولايات المتحدة “الحرج” على المعادن النادرة الصينية، متسائلة “هل ستصبح المعادن الأرضية النادرة سلاحاً مضاداً ترد به الصين على الضغط الذي تفرضه الولايات المتحدة دون سبب على الإطلاق؟ الإجابة ليست صعبة”، مضيفة “بدون شك، يريد الجانب الأمريكي استخدام المنتجات المصنعة من المعادن الأرضية النادرة التي تصدرها الصين في كبح التنمية الصينية، والشعب الصيني لن يقبل هذا أبداً.. ننصح الجانب الأمريكي بألا يستهين بقدرة الجانب الصيني على حماية مصالحه وحقوقه في التنمية، لا تقولوا إننا لم نحذركم.”
المعاملة بالمثل
يقول نائب مدير معهد دراسات الشرق الأقصى التابع لأكاديمية العلوم الروسية، البروفيسور أندريه أوستروفسكي، إن “الصين لديها الآن اقتصاد قوي بحيث يمكنها أن تعلن أيضاً عقوبات ضد الولايات المتحدة”، وذكر بفرض الصينيون رسوماً جمركية إضافية بقيمة 150 مليار دولار، رداً على الرسوم الأمريكية البالغة 250 ملياراً، فلدى الصين سوق محلية ضخمة وهناك دائماً مكان لبيع منتجاتها، على عكس أمريكا.
ختاماً، يمكننا القول بأن فرض حظر على تصدير المعادن النادرة، سلاح قوي إذا ما استخدم في الحرب التجارية المتبادلة ما بين الصين والولايات المتحدة، لكن بكين ستستخدمه بشكل أساسي للدفاع، فمن الممكن أن تتكبد خسائر كبيرة جراء حظر الصادرات، إلا أن معاناة واشنطن ستكون أكبر. فلقد ساهمت الصين بنسبة 80% من واردات الولايات المتحدة من المعادن النادرة في الفترة بين العامين 2014 و2017، واستثنت واشنطن تلك المعادن النادرة من الرسوم الجمركية التي فرضتها في الآونة الأخيرة بجانب بعض المعادن الصينية الأخرى المهمة.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: iminco – روسيا اليوم.