رسائل التهديد من النازيين الجدد عادة ما تحمل توقيعاً من جاني يعرف نفسه كضابط تابع لوحدات الأمن النازية المعروفة بإسم “إس.إس”. اسم جهاز عسكري يعود إلى حقبة مظلمة من تاريخ ألمانيا. جهاز مسؤول عن الملايين من جرائم القتل بحق اليهود الأوروبيين وغيرهم بإستعمال كل أساليب البطش والإرهاب. واليوم، في العام 2020 تلقت الفنانة الكوميدية الألمانية، إيديل بايدر، تهديداً بالقتل يحمل توقيع “إس.إس” من قبل ما بات يعرف بـ “النازيين الجدد”. بايدر فنانة كوميدية ناجحة، تعالج من خلال أعمالها الفنية موضوع العنصرية اليومية ضد المهاجرين. تضحك الملايين من الألمان وتكافح بهذا العنصرية والتمييز.
القضية ليست مقلقة فحسب، بل تثير الكثير من الجدل على المستوى السياسي أيضاً لأن تتبع أثر خيوط الجاني توصل مباشرة إلى الشرطة الألمانية. إذ تحتوي رسالة التهديد التي تلقتها الفنانة الكوميدية الألمانية من أصل تركي، إيديل بايدال، على معلومات شخصية تم جمعها من جهاز كمبيوتر تابع للشرطة في ولاية هيسن.
ما علاقة رسالة التهديد النازية بالشرطة؟
علمت بايدر عن خبر التجسس عنها من الصحف كما تقول “ما أجده غريباً حقاً هو أنه لم يتواصل معي أي شرطي ويطلعني على الأمر. لا أحد قال بأن الوضع تحت السيطرة. لا تقلقي، سنحميك.” وأضافت في مقابلة لها مع صحيفة “تاغس تسايتونغ” الألمانية “أشعر بالوحدة، يبدو أن الشرطة لا تهتم بمسألة تهديدي”. بيدار ليست الحالة الأولى، فقد تلقى العديد من السياسيين رسائل تهديد مشابهة عبر البريد الإلكتروني منذ العام 2018، وقد أظهرت تحقيقات الإدعاء العام أنه تم التجسس عليهم أيضاً من خلال الوصول إلى بياناتهم الشخصية من أجهزة كمبيوتر تابعة لشرطة ولاية هيسن الألمانية.
وبسبب الإشتباه بوجود روابط لليمين المتطرف مع جهاز الأمن الذي كان يقوده، قدم قائد شرطة ولاية هيسن الألمانية، أودو مونش، إستقالته، في 14 تموز/يوليو 2020، فيما يتعرض وزير الداخلية، بيتر بيوث، لضغوط كبيرة بسبب هذه الفضيحة. وفي مؤتمر صحافي دعا بيوث إلى إجراء تحقيق خاص، وأكد أن “تغلغل اليمين المتطرف في صفوف الشرطة أمرا ممكناً.. أتوقع أن تبذل شرطة هيسن كل ما في وسعها لدحض هذا الشك”. هذه القضية أثارت جدلاً واسعاً في ألمانيا وطرحت تساؤلات من قبيل: هل هناك عنصرية كامنة أو هيكلية في جهاز الشرطة؟ وهل تغلغلت شبكات يمينية متطرفة إلى مؤسسات الدولة؟
بالنسبة لنقابة الشرطة الإتحادية في ألمانيا، فالجواب واضح على حد تعبير نائب رئيس نقابة الشرطة، يورغ راديك “ليس لدينا عنصرية كامنة لدى الشرطة الألمانية”، وأوضح أنه إن كانت هناك حوادث عنصرية أو يمينية متطرفة فهذه حالات معزولة، تخضع للتحقيق وفق القانون. يحظى موقف راديك واتحاده بشأن انتشار اليمين المتطرف في صفوف الشرطة، بدعم سياسي واسع النطاق ولكن الضغط على الأجهزة الأمنية يزداد في ألمانيا أيضاً مع احتجاجات “حياة السود مهمة” في أمريكا.
شرطي يميني جمع 50 ألف رصاصة
قائمة الحوادث المقلقة، طويلة. في شمال ألمانيا، أنشأ ضابط شرطة مجموعة دردشة تضم أفراد من اليمين المتطرف وقاموا بوضع ما أسموه “قوائم الأعداء” تضم أسماء آلاف السياسيين والصحفيين والناشطين. كما عثرت الشرطة على بنادق وقنابل صوتية و50 ألف رصاصة. وبحسب الرجل، فإن المجموعة تضم العديد من ضباط الشرطة والجنود الآخرين. إضافة إلى ذلك، عثر على الصليب المعقوف، رمز النازية وشعارات معادية للإسلام في أكاديميات الشرطة في برلين وبراندنبورغ.
في جرائم مثيرة، وقعت خلال العقود الماضية، لوحظ بشكل متكرر قيام الشرطة بتحقيقات أحادية الجانب تم الإشتباه فيها بالضحايا المهاجرين أنفسهم بدلاً من التحقيق في جميع الاتجاهات. وأشهر مثال على ذلك سلسلة جرائم القتل العنصرية المعروفة بقضية NSU إذ قتلت خلية النازيين الجدد الإرهابية تسعة من رجال أعمال ذو أصول مهاجرة وضابط شرطة بين عامي 2000 و2007. ومع ذلك، فإن السلطات الأمنية المعنية بالقضية استهدفت في المقام الأول أسر الضحايا أنفسهم. ولم توقف الشرطة عمليات القتل هذه، إلا بانتحار اثنين من أفراد الخلية اليمينية المتطرفة، العام 2011.
إخفاق الشرطة ووكالات المخابرات أدى إلى تكوين العديد من لجان التحقيق البرلمانية. ومؤخراً، بدأ السياسيون المحافظون يتحدثون أيضاً عن إخفاق الدولة. من جانب الساسة والشرطة هناك وعد بتحسين العمل، لكن يبدوا أنه لم يتغير سوى القليل منذ ذلك الحين. فيما تنتقد حركات المجتمع المدني في ألمانيا منذ سنوات مسألة “أن التمييز العنصري اليومي ضد الجنسيات الأخرى لا يؤخذ على محمل الجد في ألمانيا. خاصة عندما نتحدث عن مؤسسات الدولة”، كما يرى طاهر ديلا، الناشط من “مبادرة السود في ألمانيا”، أنه “لا يزال هناك فهم ضيق للغاية للعنصرية في ألمانيا. إذ أن ما هو عنصري في نظرهم، هو فقط ما يعرف عن نفسه كذلك. المؤسسات لا تدرك أن العنصرية راسخة في المجتمع.”
غياب دراسات عن العنصرية
تفتقر ألمانيا إلى بيانات قام موثوقة عن مدى وجود عنصرية داخل أجهزة الشرطة الألمانية. من جهته رفض وزير الداخلية، هورست زيهوفر، السماح بإجراء دراسة من هذا النوع، رغم توصية المفوضية الأوروبية ومطالب داخلية عدة. وهو ما يصفه طاهر ديلا بـ “الخطأ” حيث “يمكن أن يؤدي عنف الشرطة العنصرية إلى الموت. وهذا ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا أيضاً مع مراعاة جميع الإختلافات بين البلدين. عدم إلقاء الضوء على مشاكل المؤسسات لا يؤدي إلى تحسينات.”
في مقال مع مجلة “شبيغل” الألمانية، انتقد الخبير الأمني، رافائيل بير، “التعامل الخاطئ” للسلطات الأمنية الألمانية مع هذه القضية الحساسة. كما تحدث عن “سياسة رفض خطيرة” من قبل الشرطة. وتتزامن هذه التطورات مع صدور التقرير السنوي لهيئة حماية الدستور، المخابرات الداخلية الألمانية، لعام 2019 الذي قدمه وزير الداخلية، هورست زيهوفر، في 9 يوليو/تموز2020، وتحدث فيه عن ارتفاع حاد في حوادث معاداة السامية والتطرف اليميني والعنصرية ووصف التطرف اليميني بأنه أكبر تهديد للأمن في ألمانيا.
المصدر: دي دبليو.
مصدر الصور: البيان – العين الإخبارية.
موضوع ذا صلة: عدد المتطرفين يتزايد في ألمانيا