الحسين الزاوي

الإمارات تؤكد من خلال إطلاق “مسبار الأمل” أنها عازمة، حكومة وشعباً، على كسب الرهان العلمي والتكنولوجي، وأن تكون طموحاتها كبيرة وعظيمة عظمة شعبها.

استطاعت الإمارات العربية المتحدة أن تكسب رهاناً حضارياً وتكنولوجياً جديداً مع نجاحها في استكمال مشروعها الطموح المتعلق بإطلاق “مسبار الأمل” لإستكشاف كوكب المريخ، وذلك في سياق ظرف دولي دقيق وحساس، بسبب تداعيات الجائحة التي فرضت على كثير من الأطراف، ومن بينها وكالة الفضاء الأوروبية، تأجيل مشاريعها الفضائية والعلمية إلى عام 2022. ومن المنتظر أن يصل المسبار إلى مداره حول الكوكب الأحمر مع حلول فبراير/شباط 2021، تزامناً مع احتفال الشعب الإماراتي ومعه كل الشعوب العربية، بالذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

وينتظر أن تستغرق المدة الأولية للمسبار سنتين، ويتمثل هدفه الأساسي في مراقبة ومتابعة تطور مناخ كوكب المريخ على مدى عام كامل. ويتوفر “مسبار الأمل” على تجهيزات تكنولوجية متطورة وفائقة الدقة، سيتم استخدامها من طرف الفريق الفضائي الإماراتي من أجل الحصول على فهم أفضل للغلاف الجوي ولمناخ هذا الكوكب الذي ما زال غامضاً بالنسبة للعلماء، كما ستمكنه هذه التجهيزات من ملاحظة التحولات الجوية التي تحدث على مدار يوم واحد طوال كل فصول السنة، مع التركيز بشكل أساسي على العلاقة ما بين الطبقات السفلى والعليا، من أجل فهم التحولات التي شهدها المريخ خلال العقود الأخيرة، والتي يمكنها أن تقدم لنا دروساً بالغة الأهمية بالنسبة لمستقبل تحولات المناخ في كوكب الأرض؛ تحولات يقول العلماء إنه يمكنها أن تلعب دوراً حاسماً في مستقبل الحياة البشرية خلال السنوات المقبلة.

ويأتي إطلاق “مسبار الأمل” من المركز الفضائي في اليابان ليعزز المكانة الرائدة للإمارات في مجال البحث العلمي والتقني، وذلك بعد أقل من سنة على انطلاق رائد الفضاء الإماراتي، هزاع المنصوري، نحو محطة الفضاء الدولية. وتطمح الإمارات من خلال هذه الخطوة الجريئة إلى القيام ببناء محطة فضائية مأهولة على سطح المريخ خلال مئة سنة المقبلة مع حلول العام 2117، إضافة إلى مشاريع طموحة أخرى تسعى إلى ترسيخ مكانة دولة الإمارات في مجال الفضاء على المستويين العربي والدولي.

وقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، بهذه المناسبة أن حكومة الإمارات أطلقت إسم “الأمل” على مسبارها الفضائي لترسل من خلاله رسالة تفاؤل لملايين الشباب العرب، لتأكيد أن الحضارة العربية الضاربة بجذورها في عمق التاريخ، أسهمت بقسط وافر في تطوير المعرفة البشرية.

وفضلاً عن كل الدلالات العلمية والتقنية والحضارية لمسبار الأمل ومجموع مشاريع الإمارات الفضائية، فإن بناء هذا المسبار وإطلاقه في هذه الظروف الدولية العصيبة، يحملان دلالات سياسية قوية، أولاً على المستوى الإقليمي من خلال التأكيد للأصدقاء والخصوم على حد سواء أن الإمارات عازمة حكومة وشعباً على كسب الرهان العلمي والتكنولوجي، ومصممة على أن تكون طموحاتها كبيرة وعظيمة عظمة شعبها وأمتها، لفتح طرق وسبل جديدة، من أجل تحقيق اختراق نوعي في منظومات المعرفة العلمية، وثانياً على المستوى الدولي من خلال توجيه رسائل للقوى الكبرى، تؤكد من خلالها أن الإمارات تمتلك ما يكفيها من القدرة والشجاعة لقيادة الأمة العربية، من أجل لعب دور فاعل في صناعة مستقبل البشرية في مرحلة تاريخية فاصلة، تهدد فيها التحولات المناخية والأمراض والأوبئة مستقبل كوكبنا.

ومن الواضح أن السياسة الخارجية لدولة الإمارات التي هي انعكاس صادق وشفاف لسياستها الداخلية القائمة على تحقيق رخاء الإنسان، وعزة الوطن، تعمل بخطى واثقة ومدروسة لجعل القوة الناعمة للدولة تنافس القوة الناعمة لأقوى الدول.

كما يؤكد حدث إطلاق “مسبار الأمل” أن دولة الإمارات التي حرصت طوال خمسين عاماً على دعم إخوانها وأشقائها في أحلك الظروف وأصعب المحن التي مرت بها المنطقة، تعمل الآن بكل إخلاص وتفانٍ من خلال الإسهام في تطوير الأبحاث العلمية لتحقيق قفزة حضارية، من شأنها أن تدفع الأمة العربية إلى الانخراط مجدداً في مسار تطوير العلوم، والمساهمة في تحقيق التقدم الإنساني.

وبالتالي، فإنه في اللحظة التي تصر فيها بعض الأطراف على الدخول في صراعات وهمية تحمل مضامين سياسية ذات مستوى متدنٍ، فإن القيادة السياسية في الإمارات تعمل على صياغة معادلة جيو – سياسية جديدة قائمة على المنافسة العلمية والبناء الحضاري، وعياً منها بأن التحديات المتعلقة بصناعة المستقبل تظل مرتبطة بتكنولوجيا الإتصالات والمعلوماتية والذكاء الاصطناعي، إعتماداً على فلسفة تنموية فريدة ومبدعة، تبتعد كل البعد عن المهاترات السياسية الجوفاء.

المصدر: جريدة الخليج

مصدر الصورة: جريدة الإتحاد

موضوع ذا صلة: العلاقات الصينية – الإماراتية: شراكة إستراتيجية شاملة