ستيفن صهيوني*

مع تصاعد الإشتباكات بين الجيش العربي السوري والتنظيمات الإرهابية المسلحة، هاجر أكثر من 8 مليون سوري إلى دول الجوار، كلبنان وتركيا والأردن، كما هاجرت أعداد كبيرة إلى دول الإتحاد الأوروبي.

الدنمارك

هناك أكثر 40 ألف سوري يعيشون في الدنمارك، وهي دولة يبلغ تعداد سكانها 5.8 مليون نسمة، وتقوم الحكومة الدنماركية بمراجعة تصاريح الإقامة لـ 900 لاجئ سوري، من دمشق، ممن لديهم وضع الحماية المؤقتة – TPS. الآن وبعد أن أصبحت دمشق في مأمن من الهجمات الإرهابية، لا يوجد هناك من سبب يمنعهم من العودة إلى ديارهم. في ديسمبر/كانون الأول 2019، أصبحت الدنمارك الدولة الأولى التي ترفض طلب اللجوء السوري على أساس أن سوريا باتت آمنة الآن. في الآونة الأخيرة، تدخل مجلس اللاجئين في خمس حالات لسوريين من دمشق، قائلاً إن المنطقة لا تستدعي الحماية.

في هذا الشأن، قال الوزير الدنماركي، ماتياس تيسفاي، إن اللاجئين الذين طلب منهم العودة سيتلقون أموال السفر، مضيفاً أنه “في العام الماضي، كان هناك ما يقرب من 100 ألف لاجئ عائدين إلى سوريا من المناطق المحيطة. أعتقد أنه من العدل أن يعود الأشخاص الذين يعيشون هنا في أوروبا إلى منازلهم إذا لم يحتاجوا إلى الحماية. كلما كان ذلك ممكناً، من الطبيعي أن يعود اللاجئون إلى وطنهم. أنا سعيد لأنه يمكننا توفير الحماية للناس عند الحاجة. لكنني سعيد أيضاً في كل مرة يعود فيها اللاجئ إلى وطنه”، مشدداً على أن السوريين الذين يعيشون في أوروبا يجب أن يفعلوا نفس الشيء.

وللمرة الأولى منذ العام 2011، كان عدد الوافدين الجدد إلى الدنمارك، العام 2019، أقل من الذين غادروا البلاد، حيث غادر 886 سورياً الدنمارك بينما وفد 563 شخصاً.

في هذا الشأن، إنتقد نشطاء حقوق الإنسان و”الخبراء السوريون” الإعلان لأنهم أشاروا إلى أنه لا توجد منطقة آمنة في سوريا للعودة إليها حالياً، كما قالت المتحدثة بإسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إليزابيث أرنسدورف هاسلوند “ما لم يتحسن الوضع في سوريا بشكل كبير من حيث ضمان حماية السكان، تدعو المفوضية الدول التي استقبلت اللاجئين السوريين، بما في ذلك الدنمارك، لمواصلة حمايتهم.” تؤكد الأمم المتحدة أنها لا ترى أي إحتمال لحل سلمي للصراع الطويل الأمد في سوريا، على الرغم من أن قرار الأمم المتحدة 2254، الذي يعتبر الأساس للمفاوضات الجارية التي شاركت فيها الحكومة السورية، إذ تساءل البعض عما إذا كانت الأمم المتحدة جزءاً من خطة الولايات المتحدة والناتو والإتحاد الأوروبي لإطالة أمد الصراع السوري.

في المقابل، تثبت الوقائع الميدانية، عبر وسائل الإعلام، أن سوريا تتمتع بسلام في معظم مناطق البلاد، فدمشق وحلب وحمص وحماة واللاذقية خالية من أية اعتداءات أو هجمات إرهابية إذ ليس هناك من يشجع أحداً على السفر إلى إدلب، التي لا تزال تخضع السيطرة من قبل إرهابي “القاعدة” وهو موضوع المفاوضات الجارية بين تركيا وروسيا.

في يونيو/حزيران 2015، سار الناخبون الدنماركيون إلى جانب اليمين، مع حزب مناهض للمهاجرين ومعادٍ للاتحاد الأوروبي. تعتبر حكومة الأقلية الاشتراكية الديمقراطية الحالية، التي وصلت إلى السلطة في العام 2019، سياسة هجرة مقيدة نسبياً. عندما يرغب السوريون في تجديد تصريح إقامتهم، قد يطلب من البعض التوقيع على وثيقة توافق على العودة الطوعية إلى سوريا.

هذا ويرى العديد من المراقبين بأن حزب الشعب الدنماركي الوطني المحافظ لا يستبعد التعاون مع الرئيس السوري، بشار الأسد، إذ يعتبر السوريين العائدين إلى وطنهم خطوة أولى مهمة نحو السلام؛ ومع ذلك، إن الحزب الإجتماعي الليبرالي يدعم وجهة نظر الأمم المتحدة بعدم عودة اللاجئين السوريين حيث سيعني ذلك التعاون مع الرئيس الأسد ضمناً، وهو ما تجنبته كوبنهاغن.

إن قاعد الإنقسام في الدنمارك حول هذا الموضوع سياسية لا إنسانية، إذ أن الولايات المتحدة والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي يستخدمون اللاجئين في أوروبا، وكذلك أولئك الذين يعيشون في مخيمات في تركيا والأردن ولبنان، كورقة مساومة في لعبة سياسية لمن يستسلم أولاً، حيث يبقى الهدف النهائي للغرب هو تغيير النظام.

ألمانيا

في الوقت الراهن، تعتبر ألمانيا ملاذاً للسوريين إلا أن الحكومة تقوم بمراجعات دورية. في العام 2015، سار نحو 790 ألف سوري عبر أوروبا للوصول إلى ألمانيا من أجل الحصول على “العروض المجانية”. غادر البعض تاركين وراءهم منزلاً دمرته الحرب وأحبة فقدوا، في حين غادر آخرون تاركين أصولهم القيمة في مواقع آمنة، مثل اللاذقية وبانياس وطرطوس، أماكن لم يتم قصفها أو إحتلالها الإرهابيون.

كان لدى بعض اللاجئين حياة جديدة عندما أخذوا القارب من تركيا، بينما دفع البعض الآخر 3 آلاف يورو للمهربين الأتراك، علماً أنه بإمكانهم إسترداد هذا المبلغ في الخدمات المجانية في ألمانيا بسرعة. لقد أصبحت مسألة اللجوء “غيرة” بين العديد من السوريين؛ عندما رأوا آخرين يعيشون حياة رفاهية في ألمانيا، شعروا أنه من حقهم العيش مثلهم.

لاحظ العديد من السياسيين الألمان إنخفاضاً كبيراً في النشاط العسكري على الأراضي السورية؛ بالتالي، بدأ الحديث عن عودة اللاجئين إلى ديارهم، ومن أبرزهم حزب “البديل عن ألمانيا”، المعادي للإسلام والهجرة، الذي يطالب بعودتهم بمجرد إنتهاء الحرب؛ فاليمينين الألماني والأوروبي، يريان بأن المجتمع المحلي بدأ “يتآكل”. يأتي ذلك في وقت لا تزال أوروبا فيه منقسمة بشدة على أُسس سياسية، حيث فشل الإتحاد الأوروبي في إقامة نظام عادل لتوزيع اللاجئين عبر الدول الأعضاء.

ولكن على الرغم من عدم وجود عمليات ترحيل قسري إلى سوريا حالياً، فقد عاد مئات اللاجئين الأفغان إلى ديارهم، منذ العام 2016، بمن فيهم أولئك الذين بدأوا حياة جديدة في ألمانيا ويبدو أنهم اندمجوا جيداً. في ديسمبر/كانون الأول 2019، كلفت وزارة الداخلية الحكومة الفيدرالية البدء بعملية يمكن ترحيل المجرمين والأشخاص الذين “يهددون السلامة العامة”. وفي أغسطس/آب 2019، هدد وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، العديد من اللاجئين السوريين الذين يأخذون إجازة صيفية في سوريا، بينما يستفيدون من نظام الرعاية الألماني، حيث قال “إذا كان هناك شخص ما، لاجئ سوري، يأخذ عطلات بإنتظام في سوريا، فلا يمكنه أن يدعي بصدق أنه مضطهد في سوريا”، مضيفاً “سوف نضطر إلى تجريده من وضع اللاجئ، وسيتم المباشرة بالتحقيق في وضع اللاجئ عندما يعلم المسؤولون الألمان عن رحلات العطلات هذه”، مشيراً إلى أن بلاده تراقب الأوضاع الآمنة في سوريا فـ “عندما تسمح الظروف بذلك، سنبدأ عمليات ترحيل.”

السويد

في العام 2015 عندما دخل أكثر من مليون لاجئ ومهاجر إلى أوروبا، عبَر الآف اللاجئين عبر الدنمارك للوصول إلى السويد المجاورة، التي إستقبلت 163 ألف لاجئ في العام 2015 وحده، وهو أكبر عدد بالنسبة لدولة أوروبية والثالث في العالم، بعد كندا وأستراليا.

على مدى العقود الأخيرة، نمت الحركة اليمينية في السويد بشكل متزايد، خصوصاً مع تدفق اللاجئين المسلمين من البلدان التي مزقتها الحرب، على السياسة والمجتمع بشكل كبير. على سبيل المثال، هناك “الديمقراطيون السويديون” – Sverigedemokraterna، الذي يعد حزباً شعبوياً يمينياً هو ثالث أكبر حزب في البرلمان السويدي، الذي يطالب بوقف الهجرة التي يغلب عليها الطابع الإسلامي، ما أثر على نظام الرفاهية والثقافة الليبرالية العلمانية. فهم يعتبرون المسلمين “مشكلة”، قبل العام 2015 بوقت طويل، ويشعرون بالإحباط منهم خصوصاً وأنهم لم يندمجوا في النظام العلماني للبلاد.

*صحافي سوري – أمريكي

مصدر الصور: موقع أبواب – الجزيرة.

موضوع ذا صلة: هل عمليات الإعادة القسرية للاجئين العالقين في البحر قانونية؟