د. عبدالملك المالكي*
معروف شغف الشعب الأميركي بالمسلسلات والأفلام التي تهتم بالأكشن “الإثارة”، الإثارة التي تتخذ من لب حياة المواطن الأميركي البسيط مشعلًا بل ومصدرًا لتلك الإثارة التي ما أن تتحول لعمل تلفزيوني أو سينمائي “إبداعي” حتى تغدو حديث الشارع الأميركي، بل وتؤثر تلك الأعمال أيما تأثير حين يكون الطلب على مشاهدتها ممتدًا لعقود من الزمن وأجيال من المشاهدين!
في السينما وفي الشارع الأميركي الشغوف جداً، نتذكر المسلسل الدرامي قانون ونظام Law & Order) الذي أنتجته هيئة الإذاعة الوطنية، عرض للمرة الأولى في 13 سبتمبر/أيلول 1990 على قناتها المملوكة لـ NBC العالمية.. دام هذا المسلسل الذي لقي ردود فعل منقطعة النظير في الشارع الأميركي لفترة 20 موسماً بالتمام والكمال، إذ تم توقف إنتاجه العام 2010، وعند ذلك كان أطول مسلسل “جرائم” في تاريخ التلفزيون الأميركي!
الأهم هنا؛ هو ما يرتبط بمساحة مقالنا الأسبوعي “بصريح العبارة”، وهو ترسيخ كلمة السر “القانون والنظام” بشخصية الملازمة أنيتا فان بورين – Anita Van Buren، “ممثلة القانون” في المسلسل الأشهر. أنيتا التي تضع المشتبه بهم من المجرمين تحت المراقبة.. حتى تتمكن في النهاية من الإيقاع بهم ومن ثم يترسخ مفهوم.. سيادة القانون!
الداهية دونالد ترامب إستخدم ذات العصا السحرية لهذا المسلسل الشهير، ليجعل من فحوى “رسالة مسلسل وجداني تاريخي” تقوم أحداثه بالكامل في العاصمة الوجدانية نيويورك، ويعتمد على نمط الجرائم التي تشهدها المدينة من وجهات نظر مختلفة، ليجعلها ترمب بدهاء “خلفية ذهنية في اللاوعي للناخب الأميركي”!! أحداث قيلت ورسخت عبر “ثلاثين عاماً”، منذ العام 1990، في اللاوعي الأميركي عبر أشهر مسلسل تلفزيوني مؤثر.. على أنها هي المصير المحتوم “لمن يطبق النظام ويحارب الجريمة “ولمن يريد توفير بيئة آمنة للناخب الأميركي”، إذ اعتمد “مفهوم القانون والنظام” شعاراً بارزاً لحملته الإنتخابية؛ وكأنما يقول لمن يدلي بصوته في الإنتخابات يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل “2020).. “إنتخب من يؤمن بسيادة القانون وأهمية النظام.. ليضمن العيش بسلام في أميركا عُظمى”.
ترامب الذي، ومنذ أربعة أعوام خلت، إعتاد على أن يخاطب شعبه والعالم عبر منصة “تويتر”. كان قد غرد تغريدة شهيرة فضلها ورتوت مضمونها وتفاعل معها قرابة المليون أميركي وتناقلها ضعف هذا العدد في العالم أجمع.. في وقت حساس جداً من عمر التنافس الإنتخابي الحالي.
كلمتان لا أكثر “Law and Order” غرد بهما عبر منصة “الرئيس”، كانت كفيلة بأن تضع إطاراً شديد الوضوح وعنواناً بارزاً لحملته الإنتخابية، وطرق معالجته للأحداث التي غمزت بعين “العنصرية” وكأنها حادثة لم تطرأ إلا في عهد ترامب، وحقيقة جذور العنصرية المقيتة في أميركا تعود لأربع مئة عام، وتحديداً منذ العام 1619 حين دخلت أول سفينة بريطانية ميناء ولاية فيرجينيا، وهي تحمل على متنها 20 رجلاً إفريقياً، كانوا أول العبيد في ذلك الزمان!
والأدهى كان توقيت “أبو إيفانكا” في إطلاق تغريدته الشهيرة يوم 4 يونيو/تموز 2020، لتكون مرجعاً للأميركيين في نهج “الجمهوريين” للتعامل مع إطفاء أحداث “جورج فلويد” المفتعلة قبيل شهر الإنتخابات نوفمبر المصيري.. والتي نجح من خلالها إلى حد بعيد الرئيس الأميركي “الداهية”، من خلال استطلاعات الرأي واستقرار الأمن، في قمع “أعدائه” قبل التخلص بحزم مع مثيري الشغب أياً كان مصدره!
خاتمة: القانون والنظام “جعلا أميركا العظمى دولة عظمى مرة أخرى”. هكذا أعلن الرئيس الداهية في يونيو/تموز في عز الأزمة المفتعلة، وهكذا نجح وسينجح في الإنتخابات التي خسرها الديموقراطيون مبكراً حين استغلوا حادثة عنصرية لكسب شارع عرف “أبو إيفانكا” كيف يركن لدغدغة مشاعره، واستغلال نتاج شغف الأكشن والدراما المغروسة في اللاوعي الأميركي منذ الأزل!!”
ضربة حرة. حارب عدوك بالسلاح الذي يخشاه، لا بالسلاح الذي تخشاه!
*كاتب وناقد – السعودية.
المصدر: جريدة الرياض.
مصدر الصورة: النهار اللبنانية.
موضوع ذا صلة: تداعيات إنسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الأسلحة النووية