من تابع وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسبوعين الماضيين، ينتابه شعور بأن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، وكذلك خلفه المنتخب، جو بايدن، يتابعان بشغف تعليقات المغردين العرب بشكل عام والسعوديين تحديداً، ويعرفان هذا وذاك. والحقيقة غير ذلك، لا بل قد تكون هناك حالة قلق صنعتها المبالغة في الاصطفاف غير المبرر لبعض المحللين والمراقبين، والتعصب الأعمى لهذه النتيجة أو تلك وكأنها مباراة كرة قدم.
أما السؤال المهم فهو: ما الذي يعنيه فوز بايدن بالنسبة للشرق الأوسط والخليج العربي، وماذا لو فاز ترامب بأعوام أربعة أخرى؟
الإجابة كان ينبغي أن تسيطر على التحليلات والتعليقات خلال الأيام الماضية، لكن المنطق ضاع وسط الاصطفاف. وحقيقة الأمر أن هناك مبالغات وتهويلات وتصويراً لجو بايدن على أنه سيمسك بالرئاسة وما إن يدخل البيت الأبيض في يومه الأول، حتى يبدأ اجتماعات الطوارئ لمهاجمة السعودية ومصر ودول أخرى! والمتابع البسيط لا يبحث عن التفاصيل ولا القراءات المعمقة، بل يتابع من يثق بهم وينتظر منهم طرحاً (مع وضد)، لا إما، مع أو ضد فقط.
التعليقات المضخمة عن سياسات الرئيس المنتخب تجاه الشرق الأوسط، ما هي إلا سيناريو مكرر لما حصل حين تولى ترامب الرئاسة، إذ صوّر البعض وصوله إلى البيت الأبيض على أنه كابوس مرعب للسعودية على وجه الخصوص لكنه خالف كل التوقعات عندما اختار الرياض كأولى العواصم العالمية التي يزورها، وأصبح حليفاً وثيقاً لها – على رغم إساءاته الكلامية التي لم يسلم منها أحد في العالم ومارس الضغط الأقصى على إيران.
بايدن حتى الآن هو الرئيس، ولن يكون سيئاً. يعرف المنطقة العربية وتعرفه جيداً، وعمل نائباً للرئيس السابق باراك أوباما وتربطه علاقات جيدة بالكثير من المسؤولين في الخليج. ولديه أولويات قد تروق لنا، ومنها عداؤه للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن الحسنات المرتقبة أيضاً خلال السنوات الأربع المقبلة، صرامة نائبته كامالا هاريس تجاه إيران وانحيازها المعروف لإسرائيل على حساب الأولى، ولعل خطابها الشهير الذي ألقته قبل ثلاثة أعوام أمام جمعية العلاقات الأميركية – الإسرائيلية “آيباك”، دليل بسيط على ذلك، حيث ذهبت لما هو أبعد من التأكيد على قوة وثبات العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، لتهدد طهران وتصف سلوكها بالإرهابي. ولم يخل خطابها آنذاك من التطرق لتمويل النظام الإيراني لـ”حزب الله”.
سيكثر الحديث في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة، حتى على مدار السنوات الأربع حول حقوق الإنسان والمرأة والحريات، فهذا جزء أساس من تركيب خطاب الحزب الديمقراطي، ولا يمكن لأحد أن يتوقع عكس ذلك، بل إن أحد الأصدقاء يقول إنه لا ينبغي على العرب التذمر من ترديد بايدن أو هاريس لأية انتقادات، فاختفاء ذلك يشبه تماماً اختفاء المصلين المسلمين من الجوامع يوم الجمعة. وبعيداً من هذا المثال، فإن اليوم ليس مثله قبل 10 سنوات.
أوباما خلال توليه الرئاسة – لثماني سنوات – استخدم أوراق ضغط على الحكومات العربية، فدعم جماعة الإخوان المسلمين في فترة ما سمي بـ”الربيع العربي” وكان حديثه عن الحقوق والحريات يتكرر بشكل دائم، كما كانت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون أحد أبطال التصريحات النارية المتعلقة بحقوق المرأة في السعودية. واليوم، جماعة الإخوان جزء من الماضي ومصنفة “إرهابية”، والمرأة العربية بشكل عام والسعودية بشكل خاص حصدت وحصلت على حقوقها أكثر من أي وقت مضى.
وعلى الرغم من ذلك، نسي البعض أن بايدن كان الوحيد تقريباً في الإدارة العليا لفريق أوباما الذي كان ضد الإطاحة بحسني مبارك في أحداث وتظاهرات 25 يناير/ كانون الثاني 2011. كان الجميع في البيت الأبيض مع تنحي الرئيس المصري آنذاك، إلا بايدن لم يكن ميّالاً لتلك الخطوة، وكان يكرر أن مصر حليف قوي لواشنطن.
أوباما، من خلال تقربه من إيران ومنحها مساحة تحرّك واسعة النطاق في سوريا والعراق ولبنان واليمن، كان يحاول أن يعطل الدعم اللوجستي للقوات السعودية في اليمن. وكانت الانتقادات للعمليات العسكرية في أشدها، ومع ذلك تعتبر صفقات التسليح السعودية من أميركا في عهده هي الأعلى.
المتغيرات اليوم ستفرض على الرئيس المنتخب بايدن التعامل معها، وإيران ليست التهديد الأكبر، ولا الخوف من اقتراب الإدارة الأميركية الجديدة منها، وسط انحياز كامالا هاريس لإسرائيل، وتلاقي مصالح الأخيرة مع مصالح السعودية والإمارات والبحرين في الرغبة بكبح جماح سعار إيران التوسعي. بل في حال نية الرئيس الجديد لإقناع إيران بالعودة للاتفاق النووي، فإن دول الخليج ستتمكن من أن تكون جزءاً من التفاوض، لا أن تتفاجأ بالإعلان على رغم أن دولة خليجية كانت المستضيف السري للمفاوضات وهي سلطنة عمان.
لا يوجد رابح كلي ولا خاسر كلي، وتصريحات فترة الانتخابات ليست خريطة طريق ستنفذ تفاصيلها حرفياً. بايدن أمامه كوارث داخلية يريد التركيز عليها، القضاء على “كورونا” وفتح الاقتصاد وتعافيه، وخفض معدلات البطالة. لديه روسيا والصين وأزمة شرق المتوسط. لديه قائمة طويلة سيتعامل معها بحسب الأولوية لأميركا أولاً، ثم للحلفاء ثانياً. ومن تابع الاصطفاف الجنوني في مواقع التواصل قبل نتائج الانتخابات وبعدها، يظن أن العالم عبارة عن الولايات المتحدة والخليج.
هذه مشكلة أرنبة الأنف التي لا يرى بعضنا أبعد منها!
*كاتب وصحافي – السعودية.
المصدر: إندبندنت عربية.
مصدر الصور: إندبندنت عربية.
موضوع ذا صلة: أزمة الطبقة السياسية الأميركية