د. نواف إبراهيم*
جمع الغرب الأمريكي كل إمكاناته ضد منطقة الشرق الأوسط، من أجل السيطرة على قدراته والسيطرة على خطوط التجارة والنقل فيه، وخاصة خطوط نقل النفط والغاز، التي تمر عبر سوريا لإستبعاد روسيا إقتصادياً. فشل هذا المشروع بشكل بائس، لكن التكلفة كانت مرتفعة جداً، خاصة في الجمهورية العربية السورية، التي لا تزال منذ بداية هذه الحرب تواجه هجمات وإرهاب دولي وإقليمي.
التحالف الروسي – الصيني في وجه الغرب الأمريكي وهيمنته ومركزية سوريا في المواجهة
هناك من يحاول محاصرة روسيا والصين، الدولتان العظميان اللتان وقفتا في وجه الهيمنة الأمريكية والغربية على العالم، من كل جهة ولم يتم حتى اللحظة إتخاذ قرارات وإجراءات حاسمة بهذا الصدد عدا التعامل بالطرق الدبلوماسية والسياسية التي تعود عليها الجميع من قبل الطرف الروسي كونه يحترم كل القوانين والشرائع الدولية التي تضبط العلاقات الدولية وليس بالحرب والقتل والتدمير كما يفعل الطرف الآخر. لكن وبنفس الوقت، إن إستمرت روسيا بسياسة الصبر والمسايرة فستخسر الكثير لأن التاريخ يؤكد عدم مصداقية دول الغرب والولايات المتحدة في التعامل الشفاف في هذه القضايا بل تتحين الوقت وتمارس المكر والخداع.
ما زالت روسيا تأمل منهم مواقف براغماتية، كما يدعون. ومن هنا، باتت القيادة الروسية تعي بأنه يجب عليها أن تعتبر سوريا طاقة النجاة الحقيقية في المنطقة والعالم قبيل إعلان ولادة العالم الجديد متعدد الأقطاب الذي لم تستطع الولايات المتحدة حتى اللحظة إيجاد طريقة لمنعه أو حتى الإعتراف به، ما يمنع هذا العالم من الذهاب إلى المواجهات الكبرى والمدمرة وأنه على أن تتعامل على هذا الأساس وأن توفر جميع أشكال الدعم والإمكانات لسوريا وأن لا تنسى أن الرئيس السوري، بشار الأسد، رقم صعب جداً ولا يمكن لروسيا بدونه تحديداً في الظروف الحالية وفي ظل تمسك شعبي كبير فيه وبعد أن نجح في أصعب الإختبارات كرئيس دولة مستقلة لا تقبل أن تكون رهينة لأي كان، ويبدو أنه على روسيا تحت أي ظرف أن تحقق أي شيء إيجابي جديد في سوريا ولبنان والمنطقة ككل بدءاً من سوريا كونها كتلة وازنة لا يمكن التراخي مع وضعها وتركه للتوافقات والإتفاقات التي لن تجدي نفعاً مع الغرب والولايات المتحدة، وإن كان على لبنان فجزء كبير من الحل هو بالإتفاق مع سوريا والتجربة الماضية تثبت صحة ذلك. فبدون راعي إقليمي، سيكون أخذ لبنان إلى محطة الإستقرار صعباً للغاية لأسباب كثيرة داخلية وإقليمية ودولية لم تعد خافية على أحد.
إن محاربة الجماعات الإرهابية ليست مهمة دمشق فحسب، بل مهمة المجتمع الدولي بأسره. لذلك، إن موقف عدد من الدول التي لا تريد إدانة من يدعم ويساعد الحركة الإرهابية في منطقتنا هو موقف مفاجئ. كما نعلم، إن تركيا، بمبادرة من الرئيس رجب طيب أردوغان، تساعد حتى الآن بنشاط عدد من الجماعات المتطرفة في إدلب، ويوجد حالياً فيها نحو 1.5 مليون ساكن وهناك من 50 إلى 100 ألف مسلح وإرهابي، بينهم 30 ألفاً من جماعة “هيئة تحرير الشام” الإرهابية المرتبطة إرتباطاً وثيقاً بتنظيم “القاعدة”. حتى الآن، تأتي شحنات مختلفة للإرهابيين من تركيا بشكل منتظم، بدءاً من شحنات الأسلحة الحديثة وإنتهاءً بالأدوية.
تركيا ليست وحدها من دعم الإرهابيين والمتطرفين في الشرق الأوسط، بل هناك دعم لعدد من الجماعات الإرهابية من قبل الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، تواصل القوات الأمريكية إحتلال جزء من أراضي الدولة السورية على الرغم من وعد الرئيس دونالد ترامب بإخراج الجيش الأمريكي إلا أنهم ما زالوا يعملون ضد الحكومة الشرعية ويشاركون في زعزعة إستقرار المنطقة في شمال البلاد وشرقها، لا سيما في المناطق التي يعيش فيها الكرد. كما أصبح معروفاً، في واقع واشنطن، بدعم الإرهاب الدولي، هم أنفسهم مستعدون لأعمال إرهابية وإستفزازات. ومن الأمثلة على ذلك التصريح الأخير لوزير الدفاع الأسبق، جيمس ماتيس، الذي إعترف بأن الرئيس ترامب خطط لإغتيال الرئيس الأسد، لكنه تمكن من ثنيه عن هذه الجريمة. والمثير للدهشة أن الدول الغربية، التي كثيراً ما تعلن أهمية الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان والأعراف الدولية، لم تنتبه لهذا الإعتراف. لذا، على شعبنا وقيادة سوريا التعامل مع مثل هذا العدو اليوم.
اليوم، يبرز التحدي الأهم والمهم الأكثر إلحاحاً في قدرة دولتنا، بالإضافة إلى حماية السيادة والاستقلال، على إعادة بناء الإقتصاد وعودة الحياة الطبيعية إلى الأراضي السورية. فلقد فقد حياته خلال الحرب حوالي 500 ألف مواطن سوري. هذه مأساة كبيرة لكل السوريين. اليوم، نحتاج جميعاً إلى تنحية التناقضات أو المظالم المحتملة أو النقد والبدء في إعادة بناء وطننا، كما أنه من المهم لنا أن نعيد إلى سوريا كل من هرب من الحرب، ونخفف نسب البطالة، ونمنع التهديدات الإرهابية في الخارج.
التجربة اللبنانية تؤكد أهمية سوريا الإستراتيجية في حل قضايا المنطقة
بما أن القضية الفلسطينية باتت جزءاً من سوريا وتاريخها لا يمكن أن نعرج عليها بشكل مبسط لأنها تحتاج إلى شرح مفصل وعلى حدا، ومنه فإن التجارب، خلال وبعد الحرب الأهلية في لبنان و”إتفاق الطائف”، تدل على أن دور سوريا يمكن أن يحقق المراد من خلال قدرتها وخبرتها على إدارة ملف لبنان وبالتالي المنطقة، والذي حدث بدعم وموافقة الولايات المتحدة والسعودية آنذاك. بالتالي، تعي روسيا أنه يتوجب عليها أن تشد العزم وتوضح إستراتيجيتها وأن تضع بالتشارك مع سوريا خطة خارطة عمل دقيقة جداً للمرحلة القادمة وخاصة أن موسكو ما زالت تحظى بالإحترام والتقدير والثقة الكافية كشريك في محاربة الإرهاب وقوة دولية لها وزنها الثقيل في تحقيق الأمن والإستقرار الدوليين ومواجهة مخططات تدمير الدول ونهب مقدراتها والإعتداء على سيادتها على المستويين الشعبي والرسمي في سوريا والمنطقة ككل.
لكن، يبدو أن التوجه نحو روسيا واللجوء إليها بدأ يتآكل أمام تصاعد التواجد والحضور الإقليمي والغربي المعادي لروسيا وتوجدها المخفف أحياناً في هذه الملفات والمترافق مع حملات إعلامية كاذبة، بمحتواها الظاهر والباطن، من خلال إستغلال تدهور الأوضاع واللعب على أوتار الضيق والعوز الذي يعيشه الشعب السوري ليس بسبب روسيا وإنما بسبب القائمين على الحرب ضد سوريا وحلفائها لا بل ضد العالم كله، وبسبب أيضاً تفشي الفساد والعجز عند بعض المؤسسات على تدارك الأمور في عدة مفاصل تلامس حياة المواطن في ظروف حرب غير تقليدية لم تكن لا سوريا ولا أظن أن أي دولة في العالم كانت مستعدة لمثل هذا النمط من الحروب الغريبة والتي تغيرت مسبباتها وأدواتها وأساليبها بشكل لا يتصوره أحد قبل الوقوع فيه.
الإستراتيجية الروسية وإيديولوجية الضرورة.. هل تخلى الغرب عن إستهداف روسيا؟
ما تقدم وما قد يتأخر خطير على روسيا في المستقبل، ويجب إستدراك ذلك قبل فوات الأوان وخاصة في ظل الحملات الإعلامية التجيشية التي يتم العمل عليها وتجديدها بقوة كبيرة بالإعتماد على بعض الوقائع المرتبطة وخلطها بمعاناة الشعب وقسوة الظروف لنسف روسيا من ذاكرة الشعب والحركات السياسية والشعبية والدينية وغيرها وتصبح مجرد لاعب لا يحظى بالمكان اللائق مع الشعور بأنه ضعيف أمام ما يظهره الطرف الآخر أنه القوي والمتحكم، ما يدفع هذه القوى للتشابك معه، ونقصد هنا الولايات المتحدة وحلفائها ولو بشكل تدريجي بطيء.
لكن ذلك وارد وهو خطير جداً، والصراحة أن الجميع يشعر أو يرى أن روسيا في حالة عدم إستقرار وعدم القدرة على إتخاذ قرارات حاسمة في هذه الإتجاهات بسبب عدم القدرة على إستقرائها للواقع الحالي وربطه بتاريخ الأحداث وما قبلها؛ بالتالي، عدم القدرة على الإستشعار عن بُعد بخصوص كيفية المواجهات اللاحقة بالشكل والمضمون. لكن في الحقيقة هذا غير دقيق، فروسيا أعيتها التجارب والحروب ولا بد أن يكون لها خطة إستراتيجية قادرة على حماية نفسها وحلفائها في الوقت اللازم رغم ما نراه أو ما يوصف أصلاً بالتراجع الروسي عن دعم الحلفاء في مواجهة الأعداء.
إسرائيل حجر العثرة في تحقيق الأمن والإستقرار ومحاربة الإرهاب
جزء من المعضلة هي إسرائيل التي لا تحترم روسيا وتواجدها وتعاطيها لا في لبنان ولا سوريا ولا المنطقة ككل وحتى ما بعد المنطقة جغرافياً وصولاً إلى بحر الصين عبوراً بالعراق واليمن وناغورنو كارباخ ودونباس وبريدنستروفيه. هذه المناطق التي يمكن أن تصبح أيضاً مناطق توتر جديدة إن لم تضع روسيا حداً حازماً لها اليوم، في ناغورنو كارباخ تحديداً، وهذه عوامل ضغط وإستنزاف جديدة لأنه إذا ما تم السكوت عن الوضع في الإقليم فستعود الأزمة في بريدنستروفيه وهنا تدخل رومانيا ومولدوفا كما تركيا فيه، وأيضاً تعود المشاكل في دونباس وتدخل أوكرانيا ومن خلفها بولونيا وجميع هذه الدول أعضاء في حلف الناتو، ولا ننسى هنا مشروع الدبكة المفخخ في بيلاروس لتقع روسيا في مطب كبير يعجزها عن التعاطي اللازم في الشرق الأوسط وهذا خطير جداً على موسكو وعلى قوة موقف وموقع الدولة الروسية. وقد يتسائل أحد ما، التساؤل التالي: هل يا ترى لا يعي ذلك المستشارين والخبراء في دائرة الرئيس فلاديمير بوتين؟ هل فعلاً لا يعون هذه الأمور ومدى خطورة الوضع؟
من تجربة عميقة بعض الشيء وطويلة مع الوضع الروسي شخصياً، أظنهم يعون ذلك تماماً ولكن ما لا يعيه الآخرون أن روسيا لا بد وأنها تحضر شيئاً على نار هادئة بعد خبرة طويلة في التعاطي مع كل هذه القوى والأحلاف على مدى طويل من العقود. وبما أنهم يتعاملون بأدوات وأساليب جديدة، فلا بد أن يتم الرد بطرق وأدوات جديدة وأغلب الظن من وحي الحدث. في الحقيقة، باتت روسيا تمتلك هذه الأدوات وفي مقدمتها قوة الدفاع والردع العسكرية بما أن هؤلاء لا يفهمون إلا لغة القوة، والتي لن تستخدمها الدولة الروسية إلا في حال الضرورة القصوى أو الخيار ما بعد الأخير.
الشباب وضرورة حمايتهم من الضياع ودورهم في بناء المستقبل
لا بد هنا من الإنتباه إلى ضياع الأجيال الناشئة تحت وطأة العولمة في روسيا ذاتها وفي بلدان حلفائها؛ بالتالي، من الضروري جداً إعادة صياغة التربية الوطنية وجعلها مقررات أساسية في المدارس وحتى إنتهاء المراحل الجامعية مقرونة بالجغرافيا والتاريخ الصحيح حتى لا يتسنى للأعداء تزوير التاريخ “كما فعلوا بعد الحرب العالمية الثانية وقبلها الحرب العالمية الأولى”.
ما يجعل الفرصة سانحة أمام الأعداء لتدمير الأجيال الناشئة وتضليلها ما يعتبر أمراً خطيراً على مستقبل الأمم والأمن القومي لأي بلد كان روسيا أو غيرها. لا بد من إنشاء مراكز تطوير وتأهيل وتوعية ومراكز دراسات البحث السياسي والإجتماعي والإقتصادي والثقافي والعلمي ودعمها بلا حدود وتشكيل مجالس وفرق عمل متنوعة تدعم هذه الأعمال على الأرض وفق خطط مدروسة ومدعومة بكافة أنواع الدعم وعلى الجميع المساهمة ودعم روسيا في تغيير العالم نحو الأفضل من خلال الفكر المتقدم الذي يبحث عن السلام وإحترام الآخر لا بالقوة والسلاح والحروب، كما تفعل الولايات المتحدة وحلفائها.
محاولات التضييق على روسيا والعبث بالأمن الإقليمي من الخاصرة اللبنانية
بالعودة إلى الوضع اللبناني، إن التفكير بأي طرف إقليمي للعب دور في حل القضية اللبنانية، غير سوريا فيه مخاطرة. فدول الخليج لا يمكن أن تفلت من التبعية الأمريكية رغم ضرورة التنسيق معها بحكم الكثير من العوامل، لكن هذا لا يعني أنه يمكن إعطائها الكلمة الأولى في هذه الملفات، والحال نفسه عند الحديث عن مصر بحكم الكثير من العوامل والتجربة رغم دورها الكبير والفعال، إذ يلعب البعد الجغرافي دوراً مهماً في تقويض الدور المصري رغم أنها لعبت وتلعب دوراً هاماً في ملفات حساسة إقليمية ودولية بدءاً من القضية الفلسطينية ودول المنطقة الأخرى من أقصاها إلى أقصاها، والأمر نفسه على الأردن الذي يصعب عليه ذلك بفعل عوامل عديدة إقليمية ودولية تسعى لسحب الوصاية منه عن المقدسات الفلسطينية في ظل حركة التطبيع الواسعة التي تسعى فيها الولايات المتحدة لصالح الكيان الإسرائيلي.
كل شيء هنا واضح وقد يتوجب على روسيا والقيادة فيها أن تعي ذلك بشكل دقيق وعلى وجه السرعة، ويبدو أنها أمام خيار واحد حالياً بفعل المتغيرات والأحداث الجارية ألا وهو أن تحدد موقفها وموقعها بحزم لأنه في حال التأخير ستكون الخسائر أكبر وكارثية. ومن هنا، من المهم جداً الحفاظ على العنصر والعامل المسيحي في المنطقة بشكل متفق عليه لأن غياب هذا العامل والعنصر المتوازن في المنطقة ولبنان تحديداً سيكون كارثة حقيقية بالرغم من تبعية جزء لا يستهان منهم وركونه للسياسات الغربية، لكن هذا الأمر يمكن حله ولو إحتاج إلى وقت وتوفر ظروف وعوامل مناسبة يمكن تأمينها على مراحل للتخلص من الإلتزامات التاريخية، التي لم تعد تنفع في العصر الحالي، لأنه بغير ذلك قد تتحول المنطقة إلى كتلة “إسلاموية” لا علاقة لها بالإسلام الصحيح كما كان مخططاً له ضمن ما سمي بمشروع “الشرق الأوسط الكبير”.
كل هذا وما جاء في إطاره من أحداث مدمرة تحدت عنوان “الربيع العربي” الذي لم نرَ فيه غير النار التي كادت أن تلتهم الجميع، إذا كاد أن يتحول الشرق الأوسط على مدى السنوات العشر الماضية إلى كيان مشتت متعدد المشارب والطوائف. وفي حال تنازع ديني وسياسي وإيديولوجي دائم كان سيدمر المنطقة ويحولها إلى كتلة نار وساحة حروب مستدامة لتصفية الحسابات والمصالح، والوحيد المستفيد من هذا الوضع هي إسرائيل والولايات المتحدة ودول الغرب الذين لا يريدون، وفق الظاهر والتجارب، أن تقوم قائمة لروسيا لا بل يريدون تدميرها وتفتيتها لمنع سقوط النظام الجيو- سياسي العالمي آحادي القطب، وولادة عالم جديدة متعددة الأقطاب ينزع من واشنطن وحلفائها كل عوامل وأسباب ومرتكزات الهيمنة المدمرة التي لا تحترم ولا تراعي مصالح الدول والشعوب ولا حتى القانون الدولي.
روسيا هي الأمل المعلق في تحقيق الأمن والإستقرار العالميين
روسيا هي الأمل الوحيد للعالم كله في تحقيق التحرر من نير الإستعمار والهيمنة على ثروات ومقدرات العالم، ويجب على الجميع أن يدعمها لأنها في الحقيقة هي بمقام “المسيح المخلص”، بلا مبالغة. فالوضع العالمي خطير جداً و”الجنون” الأمريكي والغربي يمكن أن يودي العالم إلى كارثة لا تقوم له قائمة من بعدها ولن نرى غير الحروب والقتل والدمار في كل مكان. من هنا، يبدو أن روسيا باتت تعي تماماً أهمية تجديد وتوسيع تحالفاتها في منطقة الشرق الأوسط والعالم وتثبيتها على أسس المصالح المتبادلة مع الدول والأحلاف والحركات النظيفة والقوى الناشئة التي تخالف سياسات الغرب وتنشد السلام والإستقرار في العالم.
إن الواقع الحالي يقول إنه يترتب على روسيا الإهتمام بالملفات الداخلية، السورية وحتى اللبنانية، إن أرادت لعب دور جدي والمساعدة في حل القضايا التي تتعلق بحياة المواطن بشكل مباشر وبالدرجة الأولى الوضع الإقتصادي من خلال إيجاد صيغ تعاون سريعة النتائج وتعتمد على ما يتوفر من إمكانات محلية حيوية وبشرية وطبيعية وما تقدمه فوق ذلك الجهات الروسية ذات الخبرة والمصلحة بما يخدم تدعيم البنية الداخلية الحاضنة للدولة ولحلفاء الدولة في مواجهة الإرهاب وداعميه، وغيرها من الملفات الأخرى التي تلعب دوراً محورياً في منع تفتيت الدولة من الداخل وفق ما نراه يجري منذ فترة ويشتد في التصعيد. فروسيا أمام مسؤولية تضع سياسة واضحة لا تقبل التشويش والتأويل بما يضمن لها مصالحها ومصالح حلفائها كشركاء حقيقيين في المصير.
هنا، علينا أن نستذكر الكثير من المواقف الروسية التي جاءت مؤخراً ملمحة إلى أنها سوف تغير سياستها في التعاطي مع كل هذه الملفات دام الغرب يعتبرها عدواً وهي ما زالت تسمية الشريك، إذا قال الرئيس بوتين مؤخراً في مؤتمر فالداي “لا تجبرونا على الصدام، ومن بوابة القضية السورية وضرورة مساعدة الشعب السوري في ظل جائحة كورونا والحصار الجائر المفروض عليه”، متسائلاً “ما علاقة (الرئيس) الأسد بذلك إن كان الشعب السوري كله هو من يعاني؟”. وما قام به الطيران الروسي من ضرب لعناصر “فيلق الشام” الإرهابي في ريف إدلب وما سبقه وتلاه من تصريحات روسية على أعلى مستوى، ما هو إلا دليل على أن روسيا بدأت تغير وبشكل واضح طرق تعاطيها مع العنجهية التركية وما يوازيها من تصلب وسفه غربي تترجمه المجموعات الإرهابية على الأرض في نقض كل الإتفاقات والهدن التي تم التوافق عليها سواء في سوتشي 2018 أو في أستانة أو إتفاق موسكو، مارس/آذار 2018، بين الرئيسين الروسي والتركي”.
روسيا بشراكة صادقة مع الحلفاء قائدة التحول العالمي الجديد بلا منازع
من الآن فصاعداً، يتضح من السياسة الروسية أنه لن يتم التراخي مع كل هذه الملفات أو تعدي الولايات المتحدة ودول الغرب على روسيا وحلفائها، وعلى رأسهم سوريا، ولن يسمح بأن تبقى أي من القوات الأجنبية، بما فيها التنظيمات الإرهابية المتواجدة على الأراضي السورية التي ستخرج جميعاً سواء بالتراضي وبالتوافق أو بالقوة، إذ لن يبقى أي منها على شبر من الأرض السورية محتلاً.
أيضاً، لن تكون السياسة الروسية كما يتم تظهيرها بالتخلي والتراخي تجاه سوريا، بل ستكون أفضل بكثير في كافة الإتجاهات وبالتدريج المتسارع نحو الأفضل؛ وبالمقابل، ستكون أسوء أكثر من المتوقع مع أعداء سوريا لجهة المواجهة والضغط على كافة المستويات وفي كافة المحافل.
لذا، إن التعاون الروسي الحالي مع الحلفاء بعيد عن أية قيود أو أي إلتزامات على أساس علاقات قوية يلفها الإحترام والهدف النبيل لتحقيق الأمن والإستقرار العالميين ومواجهة الإرهاب والتطرف والهيمنة الدولية وتدمير الدول والشعوب وإسقاط الحكومات وتتعاطى بشكل واضح وصريح ولا تتعارض مع الأفكار والإيديولوجيات والتقييمات عند الآخرين، بالتحالف الوثيق مع القوى الإقليمية والدولية المناهضة للسياسات الهيمنة الغربية والأمريكية، وفي مقدمتهم الصين وإيران ومعهم الأحلاف والكتل الدولية المتصاعدة، بما يخدم المواضيع المطروحة بعيداً عن كل ما يضيع النتائج ويجعلها في حالة غير واضحة وعديمة الفائدة والنفع في ترتيب إتخاذ القرار وفارغة الهدف والمحتوى على الرغم من أهميتها منفصلة.
بالمحصلة النهائية، يقع على موسكو حمل كبير جداً في ظل الواقع الدولي المتردي ووجود مشاكل كبيرة في طبيعة العلاقات الدولية. من هنا، يترتب على روسيا كدولة عظمى العمل على إعادة التوازن في العلاقات الدولية، والتنسيق لأجل إجبار الغرب التخلي عن السياسات العدوانية التي يمارسها ضد الشعوب والدول وعدم إحترام سيادتها ومصالحها والإفراط في إستخدام القوة بكافة أشكالها بما فيها القوة العسكرية لخلق مشاكل في العالم، أو على الأقل إيجاد توافق مشترك ترضى به الولايات المتحدة أو تجبر عليه بحكم الواقع الحالي لها، والذي يمكن الإستفادة منه بما أن الفرصة سانحة حالياً وربما لن تحتاج روسيا إلى مثل هذه الأساليب في التعاطي لكن لا بد من إيجاد حلول سريعة وناجعة لمنع تدهور الأوضاع إلى ما هو أسوء من ذلك لأن العالم وصل إلى مرحلة خطيرة من التخبط والإهتزاز وعدم التوازن الذي يحتاج إليه الجميع للعيش بسلام.
من هذا المنطلق، يبدو أن روسيا درست مؤشرات التجربة السورية والمنطقة ككل بدقة متناهية وتبني عليها بما يحفظ ويحمي أمنها القومي عن بُعد لأن الوضع الحالي غير مستدام ويجب وضع خطط مستقبلية لدرء عودة ما جرى إلى سوريا أو ما حول روسيا وحتى داخلها خاصة في ظل المحاولات المبذولة لذلك من قبل القوى المعادية.
لدى روسيا إدراك كامل ومتجرد لما يجري وكيفية ولزوم التعاطي مع الأحداث في الوقت الحالي ما يساعد أصحاب القرار لدى القيادات العليا فيها على إتخاذ الإجراءات المناسبة لأن مخرجات التعاطي الحالية مع كثير من الملفات والأفكار التي تقدمت بها تتطابق بشكل دقيق مع فكرة بزوغ إيديولوجية روسية متطورة، والأهم فعلاً أن تستطيع أن تحدث إنقلاباً في سياسة التعاطي مع هذه الملفات الحساسة بما يخدم روسيا ومصالحها ومصالح حلفائها القومية والسلم والإستقرار العالميين.
*كاتب وإعلامي سوري – روسيا.
مصدر الصور: تلفزيون سوريا – روسيا اليوم – الكرملين.
موضوع ذا صلة: الإرهاب في المواقف الإيرانية – التركية – الروسية ضمن سوريا