د. عبدالله الأشعل*

هذه السلسلة، تهدف إلى إستعادة التاريخ الذي كتبه الكتبة في القضايا العربية وتجاوزته أحداث كثيرة، فهي محاولة لإلقاء الضوء على بعض ما غمُض من هذه الأحداث لعلها تثير أوسع مناقشة ممكنة. لكني أريد لمن يريد الدخول في هذه المناقشة، أن يتحرى الحقيقة ولا يستهدف سوى مصلحة مصر والعالم العربي.

أعلم يقيناً أن لكل رئيس عربي أتباع وحواريون ومنتفعون، وأن له بالمقابل أعداء تصدى لهم وتحداهم وظلمهم، وكل الرؤساء الذين تشملهم هذه السلسلة مصابون بعقدة السلطة والإنفراد بها، وتسخيرها لصالحهم الشخصي؛ لذلك، إن هذه السلسلة وما قد تثير من مناقشات يجب ألا يدخل فيها ذوو الإتجاهات السياسية أو الدينية الذين يكتبون التاريخ وينظرون إلى الأحداث من منظورهم هم وليس من منظور المصلحة الوطنية، حتى لو إستفاد بعض الأفراد من تصرفات بعض الرؤساء وسياساتهم.

هذه مقدمة لا غنى منها، فالذي يكتب فى هذا المجال لا بد أن يفترق عن المؤرخ لأن هذه المقالات تقوم على بعض الخيال والمعلومات الظنية، وجزء يسير مما أفصح عنه هؤلاء الزعماء عن أنفسهم. إن متابعتي لهذه النقطة، تقطع بأن كل رئيس كتب لكي يبرر تصرفاته، لكنه مات بسره. مثال ذلك الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، الذي كتب “يا ولدي هذا عمك جمال”، حيث يظهر الكتاب أنه شديد الإعجاب بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ولكن الأستاذ محمد حسنين هيكل له إجتهاد آخر، بل إنه يتهم الرئيس السادات بقتل عبد الناصر. بالفعل، صدقت إبنته الدكتورة هدى عبد الناصر، وكررت كلام هيكل، حيث تم رفع الموضوع إلى القضاء، لكنني لا أظن أن حكم القضاء في هذه النقطة هو حاسم أو يمكن الإعتماد عليه.

هذه السلسلة، تشمل عدداً من الحلقات التي نأمل أن يضمها كتاب، بعد إستيفائها، حتى تكون مصدراً من مصادر إعادة النظر في بعض القضايا العربية الحاسمة التي أدت في الواقع إلى نصرة المشروع الصهيوني على الأمة العربية، ولو مؤقتاً.

إن الأنصار والمغرمون بكل زعيم عربي، ممن سيرد ذكرهم، لا بد أن يخرجوا بعقولهم من هذا الركن الضيق الذي حرمهم من رؤية زعيمهم بمنظور المصلحة الوطنية، لأن المعيار عندي هو: هل أفاد الزعيم بلده والأمة أم أضرها؟ لكن النتيجة، لا يستطيع أن يجادل فيها أحد، فهؤلاء تجمع بينهم صفات مشتركة.

الصفة الأولى التي تجمع كل هؤلاء الزعماء، أنهم كانوا حكاماً مستبدين، وأن بعضهم تجرأ وزعم أنه يبني الديمقراطية في بلده، وأصدر دستوراً متميزاً؛ وكلما علت القيم الديمقراطية في الدستور، كلما كذبها الواقع الذي عاشه هؤلاء الزعماء. أما الصفة الثانية، أن من خصائص الحاكم المستبد إحتقاره للشعوب، ولكنه يدعي أنه يعمل بأسمها. أما الصفة الثالثة، أنهم جميعاً زعموا أنهم الوطن وأن موتهم هو موت له. أما الصفة الرابعة، إن كلهم رفع شعارات براقة، ولكن الواقع جعل هذه من الشعارات “أضحوكه”. والصفة الخامسة، أنهم “عبدوا” السلطة من دون الله، وظنوا أنهم يحسنون صنعاً، فنكلوا بالمعارضين بشكل لا ترضاه الوطنية والأخلاق والدين، وعذبوههم عذاباً نكراً، بحيث صار المخالفون للزعيم هم أعداء الوطن الذين يجب عزلهم وقتلهم وسجنهم ونفيهم وتعقبهم، وكلهم فعل ذلك مع مخالفيه. أما الصفة السادسة المشتركة، هي أنهم حبسوا أنفسهم ضمن شعاراتهم وكانوا جميعاً محدودي الثقافة والإدراك، إلا أنهم كانوا يتصورون أن الله لم يخلق مثلهم، وقد صورهم الشاعر السوري الراحل، نزار قباني، أفضل تصوير في قصيدته الرئعة “يوميات سياف عربي” حيث يقول في مطلعها:
“أيها الناس لقد أصبحت سلطاناً عليكم.. فأكسروا أصنامكم بعد ضلال وأعبدوني”

ومضى نزار يعدد صفات السلطان العربي معتبراً أن الأخير كان يعتقد أنه يتمتع بكل الخصائص الجميلة، وأنفرد بهذه الخصائص دون سائر الشعب لدرجة أنه قال “فاجلسوا فوق رصيف الصبر حتى تبصروني”، وأنه لا يتجلى دائماً والتجلي لا سيما ةأن هذه الصفة تعتبر من خصائص الإله، وسوف نعالج “مرض” السلطة ضمن حلقات هذه السلسلة والذي إستفحل في المنطقة العربية ورعاه الغرب وإسرائيل.

بعد هذا التمهيد، ستشمل هذه الحلقات، وبعد حلقة نشرتها حول حوار إفتراضي بين عبد الناصر والسادات ومبارك بشأن إسرائيل، إلقاء أضواء إضافية على هذا الموضوع وغيره. موضوع سلسلة هذه الحلقات هي تصور مقابلات صحفية مع الزعماء الراحلين حول دورهم وفهمهم للقضايا العربية، مع إفتراض أنهم كانوا يكذبون في الدنيا، ولعلهم ضمن هذه الحوارات يعترفون بالحقيقة لأن الموت هو نهاية الحقائق.

ففي الحلقة الأولى، تصورنا حواراً مع الرؤساء عبد الناصر والسادات ومبارك، كحوار مفترض بين الأموات. أما الحلقة الثانية، فهي إفتراض أن الزعماء الثلاثة عادوا مرة أخرى لكي يقولوا رأيهم في القضايا المعاصرة، وهو منهج عباس العقاد في كتابه “رجعة أبي العلاء المعري”. وفي الحلقة الثالثة، حوار صحفي مع الرؤساء صدام حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي والملك حسين بحضورهم جميعاً لأن القضايا التي سنستنطقهم فيها كانوا أطرافا أساسيين فيها.

أما الحلقة الرابعة، فستكون حواراً صحفياً مع كل الرؤساء العرب (الملك عبد الله – هواري أبو مدين – الملك حسين – الملك الحسن الثاني – معمر القذافي – حسني مبارك – جعفر النميري – الحبيب بورقيبه) حول قضية فلسطين.

وفي الحلقة الخامسة، حوار صحفي مع كل زعيم على حدة من هؤلاء الموتى حول قضايا بلاده ومواقفه.

أما الحلقة السادسة، فهي رجعة الزعماء العرب (أنور السادات – حسني مبارك – الملك فيصل – الملك فهد – الملك عبدالله – الملك الحسن – الملك الحسين – هواري بوميدين – جعفر النميري – معمر القذافي – عبدالله السلال – صدام حسين) حول مجموعة القضايا التي تهم الأمة العربية، وأبرزها حرب اليمن و”كامب ديفيد” وعلاقة هؤلاء الزعماء بالقوى الأجنبية.

*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.

مصدر الصورة: موقع زمان.

موضوع ذا صلة: حوار إفتراضي بين عبد الناصر والسادات ومبارك حول إسرائيل