د. عبدالله الأشعل*

يراقب زعماء مصر فى قبورهم حمى الإندفاع العربي نحو إسرائيل والتخلي عن الفلسطينيين بمشاعر متضاربة، فتصورت حواراً بينهم حول إسرائيل.

يقول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر غاضباً “هذا الإندفاع سببه تمكن واشنطن من مصر، وإخراجها من لعبة موازين القوى الإقليمية، وإعادة توجيهها من معاداة إسرائيل إلى تسهيل تمدد المشروع الصهيوني”، ويستطرد بالقول “إن السادات الذي أحسنت إليه إنتقم مني ومما أمثله فإندفع نحو إسرائيل زاعماً أنه بطل الحرب، وأنا الذي تداركت موقف الجيش وأعدت بناءه وعينت له القيادات الجادة وكنت أنوي الإنتقام منها وتحرير فلسطين بعد إعترافي بأنني كنت السبب فيما حدث لمصر على يد إسرائيل، فلقد فهمت خطورتها لكنني لم أكن على مستوى مواجهة هذا التحدي الوجودي، وأعترف بأنني رفعت شعارات حقيقية لكن لم يقابلها في الواقع أوراق القوة المطلوبة.” ويضيف الرئيس عبد الناصر “إن قوة مصر في التنسيق العربي، ومصر هي مركز وركيزة المنطقة؛ لذلك، إن هرولة عرب في الخليج صوب إسرائيل يعد أكبر خطر يهدد أمن مصر أولاً، فالوحدة العربية على أي مستوى هي حماية لمصر، وأن الشعارات القومية ووحدة الأمة العربية لم تكن دغدغة لمشاعر الشعوب العربية.”

ينفث الرئيس أنور السادات سحابات الدخان من غليونه، وقد ملأه بما كان يستخدمه في الدنيا، ليقول “أنا سعيد بأنني نثرت بذرة الإنفتاح مع إسرائيل لأنها قوية ومرتبطة بواشنطن عاصمة العالم الحر ومركز القرار الدولي”، ويضيف “إن التقارب منها له مزايا مصرية كثيرة أهمها إسترداد سيناء، التي أضاعها عبد الناصر، وإستعادة ثقة الجيش بنفسه بعد أن تعرض لأزمة خطيرة العام 1967. لقد أصلحت ما أفسده عبد الناصر بشكل أفضل منه فقدمت الكثير لمصر، بينما أفقدها هو هيبتها. وصلت إسرائيل إلى مشارف القاهرة، ولم يمنعها من دخولها سوى واشنطن التي وجدت بأن الإستيلاء عليها غير مجدٍ، وليس كما برر فيلسوف الناصرية، محمد حسنين هيكل.”

ويتابع السادات ليقول “أنا أول من زار إسرائيل. لقد تأخر العرب عدة عقود لكي يتبعوني، فأنا القدوة. وإن تأخر الخلف أربعين عاماً، لكني إستشرفت المستقبل، وحقنت دماء أبنائي فجعلت أكتوبر آخر الحروب معها. لكني كنت غافلاً عن الأبعاد الإستراتيجية للتورط مع الصهيونية، لكنني كنت غاضباً من العرب والفلسطينيين اللذين إتهمونني بالخيانة، رغم إعتقادي أنني مهدت الطريق لإبراز القضية الفلسطينية، وساهمت في إضعاف الإتحاد السوفيتي؛ فمع إنحياز عبد الناصر إلى موسكو وإنشائه للقطاع العام ومطاردته للجماعات الإسلامية، عملت العكس. لقد أخذت مصر إلى أحضان واشنطن، وصفيت القطاع العام، وتقربت من الجماعات الإسلامية لكنهم غدروا بي حيث إغتيل الشيخ الذهبي وزير الأوقاف، وإغتالوني في النهاية وندمت على إطلاق سراحهم من السجون ولكني لم أكن أطلقهم كرمى لوجه الله والوطن. أيضاً، حزنت لحظة وفاتي لأني علمت أن واشنطن إستخدمتهم لإنهاء مهمتي حتى تبدأ مع مبارك مرحلة جديدة. فقد قدمت كل ما أملك لإسرائيل، وتذكرت أن واشنطن تتخلص ممن لم يعد لديهم ما يقدمونه، لكنهم سارعوا في إغتيالي حين إنتهت مهمتي وفق جدولهم الزمني، خاصة وأنهم شعروا بأنني ذهبت بعيداً مع إسرائيل وتعاونت معها على ضرب المفاعل النووي العراقي – تموز بالتنسيق مع دولة عربية مجاورة.”

والآن، جاء دور الرئيس حسني مبارك ليقول “إنني سعيد بهرولة الخليج نحو إسرائيل وسعدت بوصف إسرائيل لي بأنني كنزهم الإستراتيجي، وأعترف أنني وصفت المقاومة ضد إسرائيل بالإرهاب في قمة شرم الشيخ، العام 2003، بجوار الرئيس جورج بوش الإبن آرييل شارون، وأيدت الأخير في المطالبة بتحويل إسرائيل إلى دولة يهودية خالصة. لقد قدمت لإسرائيل ما يجب أن تعتز به من دون التطرق إلى التفاصيل والبوح بها، لكني أعترف فقط بأنني وضعت مع تسيبي ليفني كل التفاصيل الخاصة بالقضاء على حركة حماس؛ لذلك، خرجت من لقائي مع أحمد أبو الغيط، وزير خارجيتي المخلص، ليعلنان تغيير قواعد اللعبة مع حماس، ولتبدأ عملية الرصاص المصبوب بعد ذلك بثلاثة أيام. ولكن إسرائيل فشلت في القضاء على الحركة، رغم مساعدتي لها لوجستيا. بعدها، حاولت عزل حماس وخنق غزة بإنشاء الحائط الفولاذي، ووضعت اللبنة الأولى في هذا المسار، وسكت عن قتل إسرائيل لجنود مصر في رفح دون إستفزاز، بل أفرجت أيضاً عن الجاسوس عزام عزام، ودبرت للإنتقام من الجندي الشرقاوى سليمان خاطر الذي قتل عدداً من الإسرائيليين الذين إستفزوه بإهانة العلم المصري وكان حماسه زائداً وبلا معنى، فليس العلم سوى قطعة قماش، ليكون جزاؤه السجن والقتل بحجة الإنتحار، حيث منعتُ السلطات من التحقيق.”

ويتابع الرئيس مبارك قائلاً “لكل ذلك، كرموني بمنحم لي لقب الكنز الإستراتيجي. فضلاً عن ذلك، إعتذرت لهم عن دوري في حرب أكتوبر، لكني عوضت ذلك بما قام به أشرف مروان. وعندما تم اغتيالهم له، أوقفت الجدل الشعبي حول دوره الخطير ضد مصر إلى أن كشفه اليهود أنفسهم في كتاب الموساد الذي يحمل إسم الملاك، العام 2016 وكشف عملائهم. وفي العام 2010 وضعت يدي على قلبي عندما نشر عاموس يادلين، مدير المخابرات الحربية الإسرائيلية، عن نجاحات الموساد في مصر، وخشيت أن ينشر أسماء المتعاونين مع الجهاز. وأخيراً، أتفق مع الرئيس السادات بسروري من محاربة الفلسطينيين، ووقوفي مع إسرائيل وتمكينها من مصر والمنطقة العربية.”

ما سبق، ليس سوى صفحات من حوار متصوَّر وخيالي تماماً قائم على ما نعرفه عن مواقف هؤلاء الرؤساء الثلاثة. لكن هذه الطريقة، تختلف عن منهج رجعه إبو العلاء لأستاذنا العقاد. سوف تتبع هذا المقال مقالات أخرى حول حوارات بين الموتى، ثم حوارات بين الموتى والأحياء، لعلها تلقي أضواء على ما غمض من أحداث في تاريخ مصر.

*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.

مصدر الصورة: صحيفة الينويوركر.

موضوع ذا صلة: مخاطر إسرائيل على مصر بعد إختراقها للعرب