محمد كريم جبار الخاقاني*
أفرزت الإنتخابات الإسرائيلية، التي جرت 9 أبريل/نيسان 2019، واقعاً جديداً في المجتمع الإسرائيلي عبر التصويت من جديد لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، كضامن لأمن إسرائيل ونموها الإقتصادي، إذ حق حينها لأكثر من 6.3 مليون ناخب الاشتراك في عملية اقتراع جديدة قادته من جديد إلى التربع على عرش السلطة التنفيذية الإسرائيلية للمرة الخامسة، ولفترة تزيد على عدد سنوات مؤسسها ديفيد بن غوريون الذي أمضى 13 سنة في منصبه كرئيس لوزراء الكيان الإسرائيلي.
تعتمد إسرائيل على نظام الإقتراع النسبي الذي يزيد من فرص صعود الأحزاب الصغيرة وإمكانية دخولها إلى الكنيست الإسرائيلي، حيث يبقى عدد المقاعد النيابية لكل قائمة من القوائم المشاركة في الإنتخابات مرهوناً بنسبة الأصوات التي ستجمعها تلك الأحزاب. فعدد مقاعد البرلمان 120 مقعداً مقسماً على هذا الأساس، إذ يجب على كل حزب أن يحصل على ما نسبته 3.25% من الأصوات التي تؤهله للدخول إلى الكنيست والحصول على أربعة مقاعد. هذا النوع من الأنظمة الإنتخابية يساعد الأحزاب الصغيرة على توحيد صفوفها والإشتراك مع الأحزاب الأخرى لتحقيق أهدافها. فقد تتنافست 41 قائمة انتخابية للحصول على أصوات الناخبين، حيث بلغت المشاركة في الإنتخابات السابقة، التي جرت في العام 2015، ما نسبته 72.3%
إن وجود الأحزاب الكبيرة في إسرائيل يؤدي إلى صعوبة تشكيل الحكومة بسبب الأغلبية المطلقة التي تتطلبها عملية تشكيل الحكومة والمقررة 61 مقعداً، وهذا ما دأبت عليه الأحزاب الفائزة في الإنتخابات بتشكيل التحالفات إذ بمجرد فرز الأصوات تبدأ عملية المفاوضات لتشكيل الإئتلاف الحاكم. ولكن ليس من الضرورة أن تكون عملية فرز الأصوات هي الفيصل في تشكيل الحكومة حتى وإن فاز حزب ما فيها، وبالتالي يكون الشخص المؤهل لشغل منصب رئيس الوزراء ليس هو زعيم الحزب الفائز، كما حدث في انتخابات العام 2009 حيث فاز حزب “كاديما” الوسطي حينها بأكبر عدد من المقاعد النيابية ولكنه لم يتمكن من تشكيل الإئتلاف وانيطت تلك المهمة الى رئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، الذي حصل حزبه “الليكود” على عدد مقاعد اقل من حزب “كاديما”.
حالياً، يواجه نتنياهو تهديدات حقيقية من منافسه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، بيني غانتس، إضافة الى تهم الفساد، بسبب تلقي الرشوة، والإحتيال وخيانة الأمانة بعدما أعلن ذلك النائب العام، افيغاي مندلبليت، وربما ستعقد تلك الجلسة في أي يوم من بعد إجراء الإنتخابات مباشرة. ومن جهته، سيكون نتنياهو غير ملزم بالتنحي عن منصبه بعد اتهامه إلا إذا تمت إدانته بشكل رسمي واستنفدت كل محاولات الإستئناف ضد لائحة الإتهامات الموجهة له.
من هنا، كانت الحملة التي قادها حزب “الليكود”، بقيادة نتنياهو، هي حملة شعبوية وتهدف إلى تصويره كقائد سياسي لا يمكن الإستغناء عنه في هذه المرحلة المهمة من تاريخ الكيان الإسرائيلي، والإستفادة القصوى من علاقاته الواسعة مع رؤساء العالم المؤثرين ولا سيما الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب. فلقد كان خطاب نتنياهو آنذاك موجها إلى الناخبين اليمينيين بأنه يخطط لضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية حين فوزه بالإنتخابات؛ وكما هي عادته، هاجم نتنياهو خصومه متهماً إياهم بالفساد وحياكة المؤامرات ضده وتكذيب الأخبار التي تشتت خيارات الناخب الإسرائيلي وافتعال الأزمات من أجل إزاحته من السلطة، التي ستعطيه الرقم القياسي بعدد سنوات بقاؤه على هرم السلطة الإسرائيلية منذ نشأتها في العام 1948. حيث وصف نتنياهو خصمه غانتس بأنه شخص يساري ضعيف على الرغم من خلفيته العسكرية وائتلافه مع أربعة من رؤوساء اركان سابقين في الجيش الإسرائيلي.
إضافة إلى ذلك، لا شك أن قرارات الرئيس الأمريكي ترامب الأخيرة المتمثلة، بالإعتراف الامريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل وسيادتها على هضبة الجولان السورية، قد أعطت الدافع الأكبر لإعادة انتخاب نتنياهو مرة اخرى كرئيس للسلطة التنفيذية في إسرائيل. ومن خلال تلك المؤشرات، نخرج بحصيلة عن تلك الإنتخابات ومن أبرزها:
1-مراهنة نتنياهو على القاعدة الشعبية لتعزيز حظوظه لتولي تشكيل الحكومة من جديد على الرغم من المنافسة المتوقعة من قبل خصمه غانتس وتحالفه مع وزير المالية السابق، يائير لابيد، الذي يملك 11 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي.
2-توجيه لائحة بتهم الفساد لنتنياهو من قبل الإدعاء العام قبل فترة اجراء الانتخابات لا يمنع من اعادة انتخابه في حال فوزه فيها إلا إذا تمت إدانته رسمياً بتلك التهم من المحكمة المختصة.
3-اعطت القرارات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي ترامب دافعاً معنوياً لنتنياهو في تصوير نفسه قائداً محنكاً لا غنى لإسرائيل عنه في المرحلة الراهنة.
4-حصل حزب الليكود بزعامة نتنياهو على عدد من المقاعد النيابية اقل من تلك التي يحصل عليها حزب غانتس، فمالت الكفة له لتشكيل الحكومة القادمة.
5-سيكون نتنياهو رئيس الوزراء الأكثر بقاءً في الحكم أكثر من مؤسس الكيان الإسرائيلي بن غوريون الذي بقي 13 سنة في منصبه كرئيس وزراء إسرائيل.
*باحث سياسي عراقي
مصدر الصور: سبوتنيك – الميادين.