عفاف محمد

كان “هدفاً مثالياً لغروره ونرجسيته وحبه للإطراء”. هذا ما يصف به الجاسوس السوفييتي السابق، يوري شفيتس، الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وحكاية تجنيده من قبل المخابرات السوفيتية التي تنشر مختصرها صحيفة “الغارديان” في تقرير حديث عنه، وكيف أقنعه العملاء السوفييت بالدخول لعالم السياسة منذ بدايات مسيرته في مجال الأعمال والعقارات.

حملات تجنيد مكثفة

يبدأ تقرير “الغارديان” بادعاء جاسوس سوفييتي سابق أن الرئيس ترامب زُرِع بمثابة عميل روسي منذ 40 عاماً، إذ أثبت استعداديته لترديد البروباغندا المعادية للغرب وملائمته النفسية والسلوكية لهذا النوع من التجنيد، حتى أن ضباط الاستخبارات السوفييتية اعتبروه “هدفاً مثالياً وكانوا معجبين بشخصيته بشدة”، وفقاً لما ينقله التقرير.

تعود هذه الادعاءات للجاسوس السوفييتي السابق، يوري شفيتس، الذي أرسله الاتحاد السوفيتي إلى واشنطن في الثمانينيات، وهو يقارن الرئيس ترامب الآن بشبكة التجسس السوفييتية التي كانت في بريطانيا، المعروفة باسم “كامبردج فايف”، والتي كانت تنقل الأسرار إلى موسكو خلال الحرب العالمية الثانية وأوائل الحرب الباردة.

بات شفيتس الآن المصدر الرئيسي لكتاب “Kompromat” لمؤلفه الصحفي والكاتب الأمريكي كريج أونجر، وهو أيضاً مؤلف كتب شهيرة أخرى منها “بيت ترامب.. بيت بوتين”. ومن ضمن ما يستكشفه أونجر في كتابه الأخير علاقة الرئيس الأمريكي السابق مع الممول ورجل الأعمال الملياردير ذي السمعة السيئة جيفري إبستين، الذي أُدين بالإتجار الجنسي بقصر ووجد منتحراً في زنزانته في فترة انتظار محاكمته في أغسطس/آب 2019.

يؤكد شفيتس على أهمية النموذج الذي يمثله الرئيس ترامب في سياق التدخل الاستخباراتي الروسي، ويشرح في اتصال هاتفي مع صحيفة الغارديان قائلاً “هذا مثال لأشخاصٍ جُنّدوا عندما كانوا مجرد طلاب ثم ارتقوا إلى مناصب مهمة؛ شيء من هذا القبيل حدث مع ترامب.”

يعود التقرير إلى السيرة الذاتية ليوري شفيتس، موضحاً أنه كان رائداً سابقاً في المخابرات السوفيتية وقد عمل مراسلاً في واشنطن لوكالة الأنباء الروسية “تاس”، خلال الثمانينيات. انتقل إلى الولايات المتحدة بشكل دائم العام 1993 وهناك حصل على الجنسية الأمريكية، وهو الآن يعمل محققاً في أمن الشركات وكان شريكاً للجاسوس الروسي ألكسندر ليتفينينكو، الذي اُغتيل في لندن العام 2006.

في الكتاب، يصف أونجر كيف بدأ اهتمام الروس بترامب لأول مرة العام 1977 عندما اقترن بزوجته الأولى عارضة الأزياء التشيكية، إيفانا زيلنيكوفا، ومن بعدها أصبح ترامب هدفاً لعملية تجسس أشرف عليه جهاز تشيكوسلوفاكيا الاستخباراتي بالتعاون مع الاستخبارات السوفيتية. بعد ثلاث سنوات، افتتح ترامب فندق “غراند حياة نيويورك”، والذي كان بمثابة أول مشروع تنمية عقارية كبير له.

ينقل التقرير عن الكتاب أن ترامب اشترى 200 جهاز تلفزيون لفندقه الجديد من مهاجر سوفيتي اسمه سيميون كيسلين، وهو أحد مالكي شركة إلكترونيات في شارع الجادة 5 في نيويورك. يقول شفيتس أن شركة كيسلين تلك كانت تحت سيطرة الاستخبارات السوفييتية، وأن كيسلين نفسه كان يعمل بمثابة عميل متخصص في الرصد وقد كان أول من نبه لترامب باعتباره رجل أعمال شاب صاعد وقابل لأن يكون مصدراً محتملاً، إلا أن كيسلين ينفي وجود أية علاقة بينه وبين الاستخبارات السوفيتية.

ترامب يُفاجئ العملاء

يتابع التقرير، نقلاً عن الكتاب، أن ترامب وزوجته إيفانا زارا موسكو وسان بطرسبرغ للمرة الأولى العام 1987، ويقول شفيتس أن العملاء السوفيتيين غذوا ترامب بالأحاديث وطرحوا عليه فكرة وجوب دخوله للميدان السياسي. ويستذكر الرائد السوفيتي السابق شفيتس بالقول “كان هجوماً سحرياً بالنسبة للاستخبارات السوفيتية، إذ جمعوا الكثير من المعلومات عن شخصيته ليعرفوه على مستوى شخصي. عمّ الشعور بشدة ضعفه من الجهة الفكرية والنفسية، وميله للتملق.”

يقول شفيتس إن هذه الثغرة التي دخل منها عملاء الـ كي.جي.بي لتجنيد ترامب لمصالحهم، و”هذا ما استغلوه، تظاهروا كما لو أنهم معجبون بشخصيته بشدة وأنهم آمنوا بأن هذا الرجل يجب أن يغدو رئيس الولايات المتحدة يوماً ما، وأن الناس من أمثاله هم من يقدرون على تغيير العالم”، ويضيف شفيتس أن العملاء اتخذوا هذه التدابير الفعالة وغذوا ترامب بهذه الأقاويل والأفكار مؤكداً أنه “كان إنجازاً كبيراً للاستخبارات السوفيتية وقتها”.

بعد فترة وجيزة من عودة ترامب إلى الولايات المتحدة، بدأ باستكشاف إمكانية ترشيح الحزب الجمهوري لمنصب الرئيس، حتى أنه عقد تجمعاً انتخابياً في بورتسموث، بولاية نيو هامبشاير. ويذكر التقرير كيف نشر ترامب، 1 سبتمبر/أيلول، إعلاناً بمساحة صفحة كاملة، ضمن صحف “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” و”بوسطن غلوب”، يقول فيه “لا شيء خاطئ في سياسة الدفاع الخارجية الأمريكية إلا ويمكن علاجه ببعض العزيمة”.

أتى الإعلان ببعض الآراء غير التقليدية بالنسبة لأمريكا أثناء الحرب الباردة، والتي كانت تحت قيادة الرئيس الراحل رونالد ريغان آنذاك. اتهم ترامب اليابان، حليفة واشنطن، بأنها تستغل الولايات المتحدة الأمريكية، وعبّر عن شكوكه بشأن مشاركة الوايات المتحدة في حلف الناتو. وجه ترامب أيضاً رسالة مفتوحة إلى الشعب الأمريكي تحدثت عن سبب لزوم توقف أمريكا عن دفع الأموال للدفاع عن دول قادرة على الدفاع عن نفسها بنفسها.

جلبت هذه الخطوة الدهشة والبهجة للعملاء الروسيين وفقاً لشفيتس الذي عاد بعد بضعة أيام من الحادثة إلى وطنه، وكان موجوداً في مقرات المديرية العامة الأولى للمخابرات السوفيتية، في ياسينيفو، عندما تلقى برقية للاحتفال بإعلان ترامب بوصفه “إجراء نشطاً” ناجحاً نفذه أحد مصادر الاستخبارات السوفيتية الجدد.

يشدد شفيتس على مدى إعجاب الاستخبارات السوفيتية واهتمامها بتلك الحادثة بالقول “لم يسبق لذلك مثيل. أنا على دراية جيدة بإجراءات الاستخبارات السوفيتية النشطة منذ بداية السبعينيات والثمانينيات، ولم أسمع من قبل بشيء مثله أو حتى يشبهه، إلى أن أصبح ترامب رئيساً لهذا البلد، لأنه كان سخيفاً فحسب. تعسر تصديق أن شخصاً ما سينشر مثل هذا الإعلان بإسمه وأنه سيستميل الأشخاص الجادين الحقيقين في الغرب، لكن ذلك حدث وأصبح هذا الرجل رئيساً.”

تحقيق شفيتس

يذكر التقرير بترحيب موسكو بفوز ترامب في الانتخابات الأمريكية، العام 2016، مضيفاً أن المحامي الخاص روبرت مولر لم يؤسس لمؤامرة بين أعضاء حملة ترامب والروس لكن مشروع موسكو، وهو مبادرة لمركز العمل الأمريكي التقدمي، وجد أن كلاً من حملة ترامب وفريقه الانتقالي بهما ما لا يقل عن 272 جهات تواصل معروفة وما لا يقل عن 28 اجتماعاً معروفاً مع عملاء مرتبطين بروسيا.

أجرى شفيتس بدوره تحقيقه الخاص في هذه المسألة، وينقل عنه التقرير القول “بالنسبة لي، كان تقرير مولر مخيباً للآمال إلى حد كبير لأن الناس توقعوا أنه سيكون تحقيقاً شاملاً في جميع العلاقات بين ترامب وموسكو، في حين أن ما حصلنا عليه في النهاية كان تحقيقاً مختصاً بالقضايات المتعلقة بالجرائم فحسب. لم يغطِ التقرير الجوانب الاستخباراتية المضادة للعلاقة التي جرت بين ترامب وموسكو”، مضيفاً “هذا ما قررنا تصحيحه بالأساس، ولذلك أجريت تحقيقي ثم اجتمعت مع كريج. نعتقد أن كتاب كريج سيبدأ من حيث توقف مولر.”

يعود التقرير إلى الكاتب أونجر، وهو مؤلف لسبعة كتب ومحرر سابق في مجلة “ڤانيتي فير” الأمريكية، والذي يصف ترامب بأنه كان أحد المصادر التابعة للاستخبارات السوفيتية، موضحاً أنها لم تكن خطة عظيمة أو بارعة لدعم هذا الرجل وتطويره حتى يصل إلى منصب الرئاسة الأمريكي بعد 40 عاماً، بل إن الأمر ببساطة أن الروس، عندما بدأ الأمر حوالي العام 1980، كانوا يسعون بجنون لمحاولة التجنيد على أقصاها وملاحقة العشرات والعشرات من الأشخاص، ومضيفاً “كان ترامب الهدف المثالي من نواحٍ كثيرة: غروره ونرجسيته جعلاه هدفاً طبيعياً للتجنيد”.

العنوان الأساسي: “جاسوس سوفييتي سابق: موسكو جنّدت ترامب منذ 40 سنة”

المصدر: ساسه بوست.

مصدر الصور: ذا إندبندنت – The Crimson.

موضوع ذا صلة: ترامب و”روسياجيت”