أبرمت كوسوفو وإسرائيل اتفاقاً رسمياً لإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، 1 فبراير/شباط 2021، حيث جرت مراسم التوقيع خلال حفل رسمي افتراضي على الإنترنت، بمشاركة وزيرة خارجية كوسوفو، مليزا هاراديناغ ستوبلا، ونظيرها الإسرائيلي، غابي أشكنازي، بحضور المبعوث الأمريكي الخاص لغرب البلقان، ماثيو بالمر.
وخلال حفل التوقيع، تم إبرام 3 مذكرات رسمية؛ الأولى لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة وعلى أعلى المستويات بين البلدين، والثانية خاصة بالتشاور السياسي والتنسيق المشترك، فيما جاءت المذكرة الثالثة تتعلق بالتعاون الاقتصادي وتعزيز التبادل التجاري.
وزير الخارجية الإسرائيلي وصف هذه الخطوة بأن بلاده تصنع التاريخ من خلال هذا الاتفاق الذي يعد الأول من نوعه لإقامة علاقات دبلوماسية بين بلدين عبر تقنية الاتصال المرئي (زووم)، مؤكداً موافقته على طلب كوسوفو الرسمي بفتح سفارة لها في القدس، هذا من ناحيته.
وفي الناحية الأخرى، عبرت وزيرة خارجية كوسوفو عن ترحيبها بهذا الاتفاق الذي وصفته بـ “التاريخي”، مثمنة دور إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب للدفع نحو هذه الخطوة، منوهة أن هذا الاتفاق ما كان ليصبح ممكناً لولا الدور الأمريكي.
يذكر أن الرئيس ترامب كان قد أعلن، في سبتمبر/أيلول 2020، أن كوسوفو وإسرائيل اتفقتا على تطبيع العلاقات بينهما، وأن صربيا تعهدت بنقل سفارتها للقدس، لتصبح الدولة الخامسة التي نجحت إدارته في إدخالها حظيرة التطبيع بعد الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.
كوسوفو.. البحث عن الاعتراف الدولي
تسعى كوسوفو، تلك الدولة حديثة العهد التي تأسست العام 2008 (عقب استقلالها عن صربيا) إلى توسعة رقعة الاعتراف بها دولياً، ومن ثم فإن إقدامها على خطوة كتلك، رغم ما تحمله من ردود فعل سلبية على المستوى الداخلي بحكم أنها ذات أغبية مسلمة، ستفتح الباب نحو اعتراف العديد من الدول بها.
ومن ثم، ليس بمستغرب أن تعتبر بريشتينا اعتراف تل أبيب بها كان من “أعظم الإنجازات” التي حققتها، فيما غرد رئيس كوسوفو هاشم ثاتشي، قائلاً “أرحب بإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نيته الصادقة حيال الاعتراف بكوسوفو وإقامة علاقات دبلوماسية معها، وكوسوفو، من جانبها، ستوفي بوعدها بنقل بعثتها الدبلوماسية إلى القدس.”
السياسي الكوسوفي إرتان سيميتشي، علق على هذه الخطوة بقوله إن “مسؤولو كوسوفو الذين ذهبوا إلى واشنطن لعقد اتفاقيات ثنائية مع صربيا، في انتظار الحصول على اعتراف بهم منها، قنعوا بالاعتراف بإسرائيل وتوقيع اتفاقية تطبيع اقتصادي مع صربيا”، ومن ثم “فإن الفائز بحق من هذا الاتفاق هو إسرائيل”، وذلك بحسب تصريحاته لموقع TRT.
سيميتشي وصف القرار الكوسوفي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، رغم الانتهاكات الممارسة ضد الشعب الفلسطيني، بأنه “وضع محزن ومثير للتساؤل”، منتقداً النظام الحاكم، الرئيس والحكومة، على هذا التحرك الذي وصفه بأنه “ظالم وغير أخلاقي” ولا يتماشى مع مكانة القضية الفلسطينية لدى الشارع الكوسوفي.
وكانت وزارة الخارجية التركية، قد دعت المسؤولين في كوسوفو إلى عدم فتح سفارة لبلادهم في القدس، لافتة إلى أن التفكير في هذه الخطوة انتهاك واضح للقانون الدولي، يدفع لخيبة أمل، كما جاء على لسان المتحدث بإسم الخارجية، حامي أقصوي، الذي أشار إلى أن هذا القرار لن يخدم القضية الفلسطينية، وسيلحق الضرر بـ “حل الدولتين”، وهو ما لفت إليه السياسي الكوسوفي الذي أشار إلى أن بلاده كان يتعين عليها مراعاة موقف الدول الصديقة مثل تركيا.
بعيداً عن المزاج الشعبي
تيار كبير داخل الشارع الكوسوفي يعتبر أن الاتفاق مع إسرائيل خطوة أحادية من السلطة الحالية ولا تعبر عن إرادة الشعب الرافضة لأي تقارب مع دولة الاحتلال، مستندين في ذلك إلى أن تولي حزب “رابطة كوسوفو الديمقراطية”، المنتمي إلى يمين الوسط، قيادة الحكومة دون إجراء انتخابات، لا يعكس إرادة الشعب الكوسوفي.
وقد تولى هذا الحزب مقاليد الحكومة بعد إسقاط الحكومة، التي كانت تقودها حركة “تقرير المصير” أواخر مايو/آيار 2020، بعدما صوت أغلب نواب البرلمان على إسقاط التحالف الحاكم، إثر خلاف سياسي يتعلق جزء منه بتفشي وباء “كورونا” وطريقة التعامل معه.
جاء إسقاط رئيس الوزراء اليساري، ألبين كورتي، بعد انحياز شركائه الرئيسيين في الائتلاف إلى أحزاب المعارضة في تصويتهم على حجب الثقة، بأغلبية 82 صوتاً مقابل 32 صوتاً، ليمهد الطريق أمام رابطة كوسوفو الديمقراطية التي ينتمي إليه رئيس البلاد، هاشم ثاتشي.
الكثير من الشكوك تحيط بشرعية الحكومة المعينة دون انتخابات وهو ما يفترض أن يحول دون اتخاذها قرارات مصيرية بهذا الحجم، الأمر الذي يثير الريبة في نواياها التي تتوافق مع أجندة تاتشي الرامية إلى مزيد من الاعتراف الدولي بالدولة الناشئة ولو على حساب المرتكزات الوطنية للبلاد.
ومن أبرز الاتهامات الموجهة للحكومة الحالية رضوخها التام للإدارة الأمريكية، لا سيما أنها كانت من أوائل الدول التي رحبت بالتصويت على حجب الثقة عن الحكومة مسبقاً، فيما مارست ضغوطاً مشددة على كورتي منذ أن أدت حكومته اليمين الدستورية، فبراير/شباط 2020.
شكوك بشأن الدستورية.. فهل يصمد؟
تمرير الاتفاق بصورة آحادية دون عرضه على البرلمان يشكك في دستوريته، وهو ما يمكن أن يتم الطعن عليه مستقبلاً، هذا بجانب ما يمكن أن يحدثه من انقسام في المزاج الشعبي الداخلي، وهو ما سيكون له تداعيات سلبية على الداخل الكوسوفي رغم المغريات التي من الممكن أن تمنح للنظام مكافأة على هذه الخطوة.
من المرجح أن تزاح الحكومة الحالية خلال المرحلة المقبلة، مع أول انتخابات يتم إجراؤها، خاصة في حال تصاعد الرفض لهذا الاتفاق، وهو ما يدعو للتساؤل: ما مصير الاتفاق في هذه الحالة إذا جاء برلمان ذو طبيعة يسارية كما كان في دورته الأخيرة؟، هذا من جانب.
من جانب آخر، فإن الضغوط الألبانية والتركية المتوقع أن تمارس ضد بريشتينا بسبب هذا القرار ستكون تحدياً جديداً أمام نظام ثاتشي وتحالفه السياسي داخلياً، لا سيما إن تزامت مع ضغوط شعبية موازية من التيار اليساري الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني والرافض لأي تقارب مع إسرائيل على حساب القضية.
ومع إزاحة الرئيس ترامب، الراعي الرسمي لمهرجان التطبيع خلال العام 2020، عن المشهد، ما يعني عدم التيقن بعد بشأن المحفزات والمغريات المقدمة للإقدام على هذه الخطوة، من الممكن أن يتم التصويت على دستورية الاتفاق من عدمه، ما يعني احتمالية إلغائه.
وفي الأخير، فإنه رغم دخول الاتفاق حيز التنفيذ رسمياً، فإن الممارسة العملية لبنوده والالتزام بتفاصيل المذكرات الثلاثة الموقعة بالأمس ستبقى محل تقييم في ظل ما يحاط بها من شكوك بشأن دستوريتها ومدى تلبيتها لطموحات الشعب الكوسوفي.
*محرر صحفي في موقع نون بوست.
المصدر: نون بوست.
مصدر الصور: العرب – القدس العربي.
موضوع ذا صلة: صربيا: بين النفوذ الروسي والإستقطاب الأوروبي