تنتشر في الآونة الأخيرة دعوات لرفع العقوبات على نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، تحت ذرائع مختلفة، من قبيل فشل سياسة العقوبات في التأثير على سياسة الأسد، أو لأن الشعب السوري، الذي يرزح أكثر من 80% منه تحت خط الفقر، هو المتضرر الأساسي من هذه العقوبات.
وجاءت هذه الدعوات، إما على شكل نقد للسياسة الأمريكية، كما عبرت عنها الخبيرة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ألينا دوهان، أو من خلال البحث عن مقاربات جديدة للتعامل مع الأزمة السورية، ويبرز في هذا الصدد مقالات لدبلوماسيين أمريكيين، يرى البعض أنها مقدمة لتشكيل لوبي أمريكي ضاغط من أجل رفع العقوبات عن النظام السوري، أو عبر مناشدات صادرة عن منظمات محلية وإقليمية، كالرسالة التي أرسلها مجلس كنائس الشرق الأوسط لكلٍّ من الرئيسين، الأمريكي جو بايدن، والفرنسي إيمانويل ماكرون.
فما حقيقة هذا الحراك، وهل يشكل بداية تحوّل في السياسة الأمريكية والغربية تجاه نظام الرئيس الأسد؟
تحرك حلفاء دمشق الدوليين
شكل البيان الذي أصدرته خبيرة حقوق الإنسان، التابعة للأمم المتحدة، ألينا دوهان، 28 ديسمبر/كانون الأول 2020، والذي دعت فيه الولايات المتحدة إلى “رفع العقوبات الآحادية الجانب” عن نظام الرئيس السوري، الأساس الذي بنت عليه الكثير من الشخصيات والهيئات، حراكها المستجد بشأن رفع العقوبات على النظام السوري.
وكانت دوهان، التي تشغل منصب يعنى بـ “التأثير السلبي للتدابير القسرية الآحادية” قد نشرت بياناً رسمياً على موقع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أعربت فيه عن قلقها من أن “العقوبات المفروضة بموجب قانون سيزر، قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل في سوريا، خاصة في سياق جائحة كورونا، وتعرض الشعب السوري لخطر أكبر من انتهاكات حقوق الإنسان”، وحذّرت من أن تطبيق قانون سيزر يحرم الشعب السوري من فرصة إعادة بناء بنيته التحتية الأساسية.
وأصدرت الخارجية الأمريكية بياناً رفضت فيه “رفضاً قاطعاً” ما جاء في بيان المحققة دوهان، الذي وصفته بأنه “محاولة مضللة وباطلة” لإلقاء اللوم على العقوبات الأمريكية في الأزمة الاقتصادية السورية، مؤكدة أن “اللوم في الوضع الاقتصادي السوري والأزمة الإنسانية يقعان على حرب (الرئيس) الأسد الوحشية ضد الشعب السوري، وليس على العقوبات الأمريكية”.
وقد أشار بعض الجهات إلى أن دوهان، التي تحمل جنسية بيلاروسيا الدولة الداعمة للرئيس الأسد والحليفة لروسيا، ربما فعلت ذلك لدواعي سياسية، إذ تبع بيانها مطالبة مندوب الصين الدائم للأمم المتحدة، تشانغ جيون، خلال اجتماع مجلس الأمن، 21 يناير/كانون الثاني 2021، رفع الإجراءات القسرية الآحادية الجانب ضد سوريا مشيراً إلى أن العقوبات تقوض “بشدة” القاعدة الاقتصادية السورية، وتعوق وصول السوريين إلى الإمدادات والخدمات الطبية.
من جهتها، طلبت المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، 21 يناير/كانون الثاني 2021، رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السوري “لمصلحة الشعب السوري، الذي يهتم به الغرب كثيراً، وأيضاً بشكل عام باسم ضمان الاستقرار والأمن الإقليميين”.
ويؤشر هذا التحرك المتزامن إلى وجود تخطيط مركزي له، يسعى إلى انتهاز فرصة المرحلة الانتقالية للإدارة الأمريكية والتشويش على خياراتها المقبلة بالنسبة للنظام السوري.
حلفاء النظام الاعتباريون
وجهت 95 شخصية سورية وعربية وأوروبية رسائل إلى الرئيس بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، والرئيس ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وغيرهم من القادة الأوروبيين يطالبون فيها برفع العقوبات الامريكية والأوروبية عن نظام الرئيس الأسد. وينتمي الجزء الأكبر من هذه الشخصيات إلى فئة رجال الدين المسيحيين في سوريا ولبنان وفرنسا وسويسرا وبريطانيا، بالإضافة إلى سياسيين ونواب وباحثين أكاديميين أوروبيين وعرب.
وحث الموقعون على “مساعدة السوريين في التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية التي تهدد بإطلاق موجة جديدة من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وخارجه من خلال تنفيذ توصية المقررة الخاصة للأمم المتحدة ألينا دوهان”.
وما يلفت الانتباه أن معظم الموقعين على الرسائل يشكلون زعماء دين وقادة كنائس وجماعات دينية مسيحية، ينتمون إلى عدد من الدول، بالإضافة إلى برلمانيين أوروبيين، زاروا دمشق في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يؤكد وجود عمل منظم تقف وراءه تيارات سياسية وجهات دولية، ليس الهدف الرئيس منه التعاطف مع السوريين، بل تخفيف الحصار عن نظام الرئيس السوري، وخاصة أن جميع هذه الشخصيات معروفة بتأييدها لنظامه، الذي تزعم أنه المدافع الأكبر عن التنوع والتعددية وحياة المسيحيين في المشرق، وتعمل على إعادة تأهيله وتلميع صورته في الغرب.
مقترحات أمريكية
ولعل أبرز ما جاء في الحراك الداعي لرفع العقوبات عن نظام الرئيس الأسد، ما أدلى به جيفري فيلتمان، الذي شغل العديد من المناصب في وزارة الخارجية الامريكية، وهراير باليان، المدير السابق لبرنامج حل النزاعات في مركز “كارتر” في مقالهما المشترك الذي نُشر في موقع Responsible Statecraft، عن السياستين الامريكية والغربية، التي إتُبعت في سوريا منذ عام 2011، والعقوبات الاقتصادية وجدواها، والخيارات المستقبلية أمام إدارة الرئيس بايدن.
وقد اعتبر الكاتبان أن السياسة الامريكية السابقة في سوريا باءت بالفشل ولم تحقق المصالح الامريكية، كما لم تساعد على استقرار البلاد وإنهاء النزاع، وهذا ما يوجب إحداث تحول في تلك السياسة القائمة على العقوبات وعزل سوريا، التي نجحت في شل اقتصاد البلاد المدمر أصلاً جراء الحرب، إلا أنها فشلت في إحداث أي تغيير في سلوك النظام السوري، كما وضعت الولايات المتحدة على الهامش، وجعلت كلاً من روسيا وتركيا وإيران المتحكمين الرئيسين بمستقبل سوريا.
ورأى الكاتبان أن أمام الولايات المتحدة، خياران؛ إما الاستمرار في المقاربة الحالية التي لم تفلح إلا في تفاقم انهيار الدولة السورية المنهارة، أو اعتماد عملية دبلوماسية جديدة تهدف إلى وضع إطار مفصل للتحاور مع الحكومة السورية بشأن مجموعة محددة من الخطوات الملموسة التي يمكن التحقق منها، والتي في حال نفذت ستقدم الولايات المتحدة وأوروبا مقابلها المساعدة المستهدفة لسوريا وتجري تعديلاً في العقوبات، ومن هذه الخطوات: إطلاق المعتقلين السياسيين وتأمين العودة الآمنة والكريمة للاجئين، وحماية المدنيين، ووصول المساعدات من دون أية عوائق إلى كل المناطق، والتخلص مما تبقى من الأسلحة الكيماوية، بموجب اتفاق العام 2013، وتنفيذ الإصلاحات السياسية والأمنية، بما في ذلك المشاركة بنيات حسنة في “مسار جنيف”، واعتماد المزيد من نظام اللامركزية.
ويبدو أن هذه المقاربة قد وجدت صدى لدى بعض الأوساط الأكاديمية والدبلوماسية، وقد أيدها السفير الأمريكي السابق في سوريا، روبرت فورد، ومن أجل التشجيع على القبول بها، يقترح المدافعون عنها أن تكون الخطة علنية، كي يعرف مَن المسؤول عن فشل الحل.
لكن المشكلة أن واضعي هذه المقاربة لم يلحظوا أن مطالبهم هي ذاتها مطالب المجتمع الدولي التي رفض نظام الرئيس الأسد القبول بها، منذ صدور القرار الدولي رقم 2254، ولم يبدِ أي استعداد لإمكانية القبول بها، وثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام السوري، ومن خلفه داعموه، روسيا وإيران، غير معنيين بالتسوية السياسية التي يطرحها المجتمع الدولي؛ بالتالي، فإن هذه المقاربات لن تعني سوى تقديم تنازل مجاني للنظام، والتطبيع معه دون أي مقابل، وهذه وجهة نظر أوساط دبلوماسية وأكاديمية غربية.
خلاصة
من الواضح وجود تحرك دولي منسق تقوم به جهات ومنظمات ودول بهدف كسر الحصار عن نظام الرئيس الأسد وإعادة تأهيله، ويحاول صانعو هذا التحرك استخدام معاناة السوريين وظروفهم الاقتصادية السيئة وسيلة للضغط على صانع القرار في الولايات المتحدة والغرب، بالاتكاء على فرضية أن الملف السوري لن يحظى بأهمية لدى إدارة بايدن، التي يَظهر من التعينات الأخيرة، وتسليم ملف إيران لروبرت مالي، القريب من إيران وسوريا، أنها قد تعيد إحياء سياسة إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في تهميش الملف السوري لصالح التفاوض مع إيران.
لكن، من غير المتوقع نجاح هذه المبادرات، بسبب تزمت نظام الرئيس الأسد وداعميه، ورفضهم تقديم أدنى تنازل مقابل رفع العقوبات أو تخفيفها، بمعنى أن الرئيس السوري سيفشل هذه المبادرات طالما أنها تنطوي على شروط مقابِلة.
*العنوان الأساسي: “دعوات رفع العقوبات عن نظام الأسد: الأهداف والمآلات”
المصدر: مركز الإمارات للدراسات.
مصدر الصور: الحرة.
موضوع ذا صلة: إجراءات ضرورية في مواجهة قانون سيزر