كتب مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، روبرت سي أوبراين، والمسؤول السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، رايان تولي، مقالة مشتركة في مجلة “ذا ناشونال انترست” الأميركية يقولان فيها إنه حان عصر “منافسة القوى العظمى” وهو يجري الآن بين الولايات المتحدة وروسيا والصين في القطب الشمالي. لا تتعلق هذه المنطقة الحيوية فقط بالممرات البحرية الاستراتيجية التي تفتح بسبب التغيّرات في مناخ المنطقة، فهي موطن لاحتياطيات هائلة من موارد الطاقة والمعادن الثمينة ورواسب الأرض النادرة.
وأضافا “في حين أن المنافسة شرسة والإنفاق الدفاعي بين الدول الثلاث في ازدياد، فإن الديناميكية تختلف عن مناطق الاحتكاك الأخرى مثل بحر البلطيق وبحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي. فالجغرافيا وهياكل الحوكمة المتعددة الأطراف، تخلق فرصاً لأمريكا وحلفائها، لكن اغتنام هذه الفرص سيتطلب دبلوماسية مخصصة ووجوداً مستمراً في المنطقة.”
لقد جعلت إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، تحسين قدرة الولايات المتحدة على المنافسة في القطب الشمالي أولوية قصوى. في العام 2019، نشرت وزارة الدفاع الأميركية “استراتيجية القطب الشمالي”، التي ركزت على التحديات التي تمثلها روسيا والصين في المنطقة. بحلول نهاية العام، أعادت البحرية الأميركية تأسيس أسطولها الثاني لعمليات شمال المحيط الأطلسي والقطب الشمالي. مهدت خطوة البحرية الطريق لزيادة مراقبة العمليات الروسية تحت السطح وزيادة وعينا بالوضع في القطب الشمالي بشكل عام. إن ترقيات الدفاع الصاروخي لتتبع الأجيال الجديدة من الصواريخ القادمة فوق القطبين أمر بالغ الأهمية أيضاً للدفاع عن الولايات المتحدة. ووفقاً لذلك، سعت إدارة ترامب بانتظام للحصول على أموال إضافية لهذا الغرض ونشرت مراجعة للدفاع الصاروخي وجدت حاجة ملحة لتعزيز الاستثمار الأميركي في هذا المجال.
لتعزيز الوجود الأميركي في المنطقة، قاد مجلس الأمن القومي عملية مشتركة بين الوكالات لاستئجار اثنين من كاسحات الجليد لخفر السواحل الأميركي. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تستأجر عادةً سفناً حربية، إلا أن هذه الخطوة ضرورية لسد الفجوة التي استمرت سنوات عدة قبل أن يبدأ برنامج قطع الأمن القطبي – Polar Security Cutter في تقديم خدمة كسارات الجليد الجديدة. ستزيد كاسحات الجليد المؤجرة من الوصول الأميركي إلى رادارات الدفاع الصاروخي، والمواقع العسكرية، والإمدادات الموجودة مسبقاً في أوقات الشدة، وتوفر حرية الملاحة ومنصات الاستخبارات بشكل مستمر خلال أوقات السلم.
وقالت المقالة “بدأنا كذلك عملية دراسة أفضل مكان لنقل هذه السفن إلى الوطن بالإضافة إلى قطع الأمن القطبي المستقبلية. تتشكل ألاسكا لتكون ذلك الموقع المثالي. إن تقريب السفن من مناطق الدوريات الخاصة بها يضعها في قلب الحدث، ويوفر الوقت والمال لخفر السواحل، ويقرب أفراد خفر السواحل من عائلاتهم.”
وأضاف الكاتبان “لدعم جهودنا الدفاعية، انخرطت الإدارة في دبلوماسية مكثفة مع دول القطب الشمالي الأخرى. لم تكن علاقاتنا مع الدنمارك، والأراضي التابعة لها في غرينلاند، ومع النرويج وكندا وأيسلندا والسويد وفنلندا، بشأن قضايا القطب الشمالي، أقوى مما هي عليه الآن في أي وقت مضى. تبادلنا المعلومات الاستخباراتية والرؤى الرئيسية مع حلفائنا حول التهديدات التي تشكّلها كل من روسيا والصين في المنطقة. وتشمل هذه المجالات استخدام شركات اتصالات صينية غير جديرة بالثقة مثل هواوي – Huawei و زد.تي.إي – ZTE بالإضافة إلى خطر الاعتماد على كابلات الألياف الضوئية الصينية المصنعة والمدارة تحت سطح البحر.”
وتابعا “اتخذت الولايات المتحدة الخطوة المهمة المتمثلة في فتح قنصلية في نوك لتحسين العلاقات بين الأميركيين والغرينلانديين والدنماركيين. وأتبعنا ذلك بقمة افتراضية لكبار القادة لتعزيز هذه الشراكة الثلاثية. جلبت الولايات المتحدة وكالات مثل مؤسسة تمويل التنمية، وبنك التصدير والاستيراد، ووكالة التنمية الدولية الأميركية إلى القمة. وبالشراكة مع ولاية ألاسكا، اقترحنا كيفية ترقية الإطار التنظيمي في غرينلاند لاستخراج الموارد الطبيعية بطريقة مسؤولة بيئياً وكيفية ضمان حماية العاملين في الصناعة.”
ورأى الكاتبان أنه بالإضافة إلى الجهود الثنائية، تتطلب دبلوماسية القطب الشمالي الناجحة مشاركة متعددة الأطراف في مجلس القطب الشمالي حيث يتم اتخاذ القرارات الإقليمية الرئيسية. تلعب روسيا دوراً مهماً كعضو في مجلس القطب الشمالي بينما تتمتع الصين فقط بوضع المراقب. وقالا “في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2020، التقينا بنظرائنا الروس في جنيف لمناقشة قائمة طويلة من الموضوعات. بينما كان التقدم بطيئاً في معظم القضايا، عندما يتعلق الأمر بالقطب الشمالي، وجدنا فهماً مشتركاً أنه لا يوجد سوى دول القطب الشمالي ودول غير قطبية. اتفقنا على أنه في حين أن وجهات نظر الدول غير القطبية مثل الصين قد تكون مثيرة للاهتمام، يجب أن تكون دول القطب الشمالي فقط على الطاولة عند اتخاذ القرارات بشأن المنطقة. أكد أحد نظرائنا الروس على هذه النقطة بملاحظة جافة أن دودة القز لا يمكنها البقاء في القطب الشمالي.”
واعتبر الكاتبان أنه نظراً لأن ذوبان الجليد يفتح طرقاً ملاحية جديدة ويكشف عن “كنز دفين” من الموارد الطبيعية، يمكننا أن نتوقع استمرار النشاط العسكري والتجاري الروسي والصيني في القطب الشمالي. لا تستطيع الولايات المتحدة ولا ينبغي لها أن تحاول استبعاد دول من المنطقة. ومع ذلك، يمكننا ضمان حماية مصالحنا الإستراتيجية ومطالبة الدول الأخرى باللعب وفقاً لقواعد الطريق التي وضعها مجلس القطب الشمالي لمنع نوع التنمر الذي نراه في أماكن مثل بحر الصين الجنوبي.
وختما المقالة بالقول إنه يمكن لإدارة الرئيس جو بايدن تحقيق هذه النتيجة من خلال البناء على الاستثمارات في وجودنا العسكري ومواصلة التواصل الدبلوماسي الذي تقوم به إدارة الرئيس ترامب.
المصدر: “ذا ناشونال انترست” نقلاً: الميادين – تعريب بتصرف: هيثم مزاحم
مصدر الصور: الميادين.
موضوع ذا صلة: “حرب الجُزر”: سياسة التمدد الرخو