أورس غايزر*
بعد مرور أكثر من عشر سنوات على التصويت الشعبي على مبادرة حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا، سيكون للناخبين السويسريين القول الفصل بشأن اقتراح يحظر تغطية الوجه في الأماكن العامة.
فيما يُشار إليه في كثير من الأحيان بتعبير “حظر البرقع”، تهدف المُبادرة الشعبية التي أطلقتها الجماعات اليمينية أيضاً إلى حظر ارتداء النقاب وغير ذلك من الممارسات منها غير الدينية أيضاً لإخفاء الوجه في الفضاء العام. ومن المقرر أن يدلي الناخبون السويسريون بأصواتهم بشأن المبادرة التي تحمل عنوان “نعم لفرض حظر على إخفاء الوجه”، في 7 مارس/آذار 2021.
تجري حملة المبادرة في وقت أصبح فيه ارتداء الناس للأقنعة الطبية الواقية إلزامياً في الأماكن العامة المزدحمة بسبب انتشار فيروس “كورونا” المُستجد، الأمر الذي يضيف طابعاً من السخرية إلى النقاش حول الحرية الدينية، ومساواة المرأة والخوف من الإرهاب.
ما الذي تريده المبادرة بالضبط؟
يهدف الاقتراح الذي أطلقته دوائر يمينية قريبة من حزب الشعب السويسري (يمين محافظ) إلى حظر تغطية الوجه في الأماكن العامة، لا سيما في الشوارع، وفي وسائل النَقل العام، والمكاتب، والمطاعم، والمتاجر وملاعب كرة القدم. كما لا تسمح المبادرة باستثناءات للسياح.
مع ذلك، تم التنصيص على استثناءات خاصة حيث لا يطبق الحظر في أماكن العبادة، أو عند وجود أسباب صحية أو ظروف مناخية معينة.
في محاولة لعرقلة المبادرة، وافق البرلمان الفدرالي على تعديل قانوني يحظر تغطية الوجه لغرض واحد فقط هو التثبت من هوية الفرد، لا سيما في الوظائف العامة أو في وسائل النقل العام.
وينص المشروع المضاد غير المباشر على اتخاذ تدابير لتعزيز المساواة في الحقوق وإدماج النساء المسلمات في المجتمع، وسوف يدخل التعديل القانوني حيز التنفيذ في حال رفض الناخبون المبادرة، في التصويت الذي سيجري على مستوى البلاد.
ما الذي تريده المبادرة بالضبط؟
يجادل مؤيدو المبادرة بأن حظر تغطية الوجه يساعد في منع الهجمات الإرهابية وأشكال أخرى من عمليات العنف. وفي نفس الوقت، ينظر إلى الحظر باعتباره وسيلة لتعزيز المساواة بين النساء والرجال المسلمين، الأمر الذي يحرر المرأة من مجتمع أبوي تمييزي.
كما حذر أعضاء لجنة المبادرة من انتشار الإسلام في أوروبا وتهديده للثقافة المسيحية. لكن اللجنة ترفض الإدعاءات بتقويض مقترحها للحرية الدينية، وتقول إن الحظر يهدف إلى تعزيز القيم الأساسية للعالم الغربي.
بالإضافة إلى ذلك، يشدد المؤيدون للمبادرة على وجود قيود مماثلة في بلدان أخرى، ويقولون إن حظر ارتداء النقاب، الذي تم فرضه في كانتونين سويسريين (تيتشينو – جنوب وسانت غالّن – شرق) قبل خمس سنوات، كان فعالاً.
رغم ذلك، يرى المعارضون أن حظر تغطية الوجه على كافة الأراضي السويسرية غير ضروري، ويشيرون إلى إضراره بالقطاع السياحي وعدم تماشيه مع هيكل السلطة في البلاد المنقسم بين السلطات الفدرالية، وطنياً، وسلطات الكانتونات، محلياً.
وبرأيهم، لا يوجد هناك مبرر لتعديل دستور البلاد من أجل مجموعة صغيرة جداً من الناس، يقدر عددهم بحوالي 30 سيدة، ممن يرتدين النقاب أو البُرقُع بإرادتهم الحُرّة.
ويضيف المعارضون أيضاً أن حظراً كهذا لن يساعد في تعزيز المساواة في الحقوق بين النساء المسلمات أو تحسين اندماجهن في المجتمع السويسري، وهم يرون أن الإصلاح القانوني الذي سبق للبرلمان وأن وافق عليه العام 2020 هو الأنسب.
بالإضافة إلى ذلك، يحذر المعارضون أيضاً من أن سياح دول الخليج العربي الثرية قد يمتنعون عن قضاء العطلات في سويسرا في حال موافقة غالبية الناخبين على المبادرة.
لماذا يبدي الناخبون رأيهم بهذا الموضوع؟
قامت لجنة من السياسيين اليمينيين والنشطاء المحافظين بتقديم 100 ألف توقيع الضرورية لطرح مبادرة شعبية لفرض حظر على إخفاء الوجه في الأماكن العامة على تصويت الناخبين على المستوى الوطني.
وبالفعل، تم جمع أكثر من 105 آلاف صحيح لفائدة هذه المبادرة الشعبية، التي تحمل عنوان “نعم لفرض حظر على إخفاء الوجه”، بين شهري مارس/آذار 2016 وسبتمبر/أيلول 2017.
في ظل النظام السويسري للديمقراطية المباشرة، يحتاج أي تعديل دستوري في البلاد إلى دعم ما لا يقل عن 100 ألف ناخب سويسري.
من هم المعارضون والمؤيدون؟
الداعمون الرئيسيون للمبادرة هم حزب الشعب السويسري (اليميني المحافظ) بالإضافة إلى مجموعات محافظة أخرى والعديد من السياسيين من أحزاب وسط اليمين والوسط. بالإضافة إلى ذلك، أيدت مجموعة من أنصار الحركة النسوية والمسلمين الليبراليين حظر ارتداء البرقع والنقاب في الأماكن العامة، هذا على جانب.
على الجانب الآخر، يواجه مؤيدو المبادرة تحالفاً واسعاً من المعارضين من الأحزاب السياسية الرئيسية الأخرى، من اليسار إلى الوسط، بالإضافة إلى الحكومة السويسرية والأغلبية الواضحة في البرلمان الفدرالي.
كما أوصت المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان، ومجموعات نسائية، ولجان كنسية، وقطاع السياحة السويسري والنقابات العمالية الناخبين السويسريين برفض هذه المبادرة.
أين تقف سويسرا بالمقارنة مع الدول الأخرى؟
خلال العقد الماضي، قامت حوالي 15 دولة في أوروبا باعتماد قانون يحظر تغطية الوجه في الأماكن العامة. وكانت فرنسا هي الدولة الأوروبية الأولى التي تحظر ارتداء البرقع والنقاب، العام 2011. من ثم، قامت ثلاث دول أخرى مجاورة لسويسرا، هي ألمانيا وإيطاليا والنمسا، بفرض قيود تمثلت إما بالحظر العام أو بتدابير محددة وإقليمية.
ويسري فرض حظر بشكل ما على ارتداء البرقع والنقاب في العديد من البلدان في أوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا الشمالية. أما في سويسرا، فقد قام كانتونان من كانتونات البلاد الـست والعشرين بفرض حظر على ارتداء النقاب والبرقع منذ العام 2016.
ما هو الشيء المشترك بين مبادرة حَظر النقاب ومُبادرة مَنع بناء المزيد من المآذن؟
إن لجنة إيغيركينغن – Egerkinger Komitee، التي تقف وراء إطلاق مبادرة حظر ارتدء النقاب والبرقع، هي ذات اللجنة التي قامت بإطلاق مبادرة حظر بناء المزيد من المساجد في سويسرا. وتضم هذه اللجنة مجموعة من السويسريين المنتمين إلى تيارات سياسية يمينية.
وقد أثار التصويت الذي تم على مبادرة حظر بناء المزيد من المآذن، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2009، الكثير من التعليقات ومشاعر الغضب، عندما أيد 57.5% من الناخبين و22 كانتوناً من أصل 26 حظر بناء مآذن جديدة في مساجد سويسرا.
على عكس ما جرى قبل 12 عاماً، تشير استطلاعات الرأي إلى أن مؤيدي مبادرة حظر ارتداء النقاب يتمتعون اليوم بدعم مبدئي قوي، لكن الخبراء يقولون إن احتمالات الغضب السياسي هذه المرة تبدو أقل لأن المشاعر المعادية للإسلام لم تعد من المحرمات.
*صحفي في إذاعة سويسرا العالمية.
المصدر: إذاعة سويسرا العالمية.
مصدر الصور: الحرة – Getty.
موضوع ذا صلة: “ميثاق الأئمة”.. مخاوف من سيطرة الدولة على الإسلام