عبد العزيز بدر عبد الله القطان
كاتب ومفكر – الكويت.
بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، دخلت سوق النفط العالمية في مرحلة من الجمود والتوتر، حيث انشغل المحللون والمستثمرون في القطاع بمراقبة تطورات السياسة النفطية التي قد تطرأ على مستوى العالم. تأثرت السوق بالتصريحات والوعود الانتخابية لترامب، والتي شملت تخفيض أسعار البنزين المحلية في الولايات المتحدة، وزيادة إنتاج النفط الأمريكي بشكل جذري، ما أثار تساؤلات حول مستقبل أسعار النفط العالمية واحتمالات حدوث تغيرات كبيرة في موازين العرض والطلب.
أحد السيناريوهات التي بدأ البعض في تداولها كان أن تنفيذ هذه الوعود قد يؤدي إلى انخفاض حاد في أسعار النفط العالمية، حيث أشار بعض المحللين إلى إمكانية تراجع السعر إلى 50 دولارًا للبرميل في ربيع العام المقبل. ولكن، ومع مرور الوقت، بدأت الحقائق تتضح أكثر، ليكتشف البعض أن الواقع قد يكون أكثر تعقيدًا من الوعود الانتخابية. فعلى الرغم من التفاؤل الذي كان يحيط بتصريحات ترامب، ظهرت معطيات أخرى تشير إلى أن التغيرات في سوق النفط قد تكون أقل حدة مما كان متوقعًا. ففي عام 2023، أصبح النفط المصدر الرئيسي للتصدير إلى الولايات المتحدة لأول مرة منذ عام 2009، مما شكل تحدياً كبيراً للتوقعات التي كانت تشير إلى تراجع في الطلب على النفط في المستقبل.
لا تقتصر تعقيدات المشهد على هذه النقطة فقط، بل ترتبط أيضًا بتورط شركات النفط الصخري الأمريكية الكبرى في دعم حملة ترامب. فهذه الشركات، مثل “كونتيننتال ريسورسيز” و”هيلكورب للطاقة” و”إنرجي ترانسفير”، تعتمد على بيئة اقتصادية مستقرة وأسعار نفط عالمية معينة لتنمية أعمالها، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل التذبذبات الحادة في الأسعار. بالفعل، يظهر أن أسعار النفط العالمية عند مستوى 50 دولارًا للبرميل ليست جذابة بما يكفي لجذب استثمارات جديدة في إنتاج النفط الصخري، حيث أن تكاليف الإنتاج في هذا القطاع تتراوح بين 50 إلى 55 دولارًا للبرميل.
ومن جهة أخرى، تبقى الضغوط التي مارستها إدارة ترامب على بعض الدول مثل إيران وفنزويلا في سياق العقوبات الاقتصادية التي خفضت صادراتهما النفطية بشكل حاد. وقد ساهمت إدارة بايدن في تخفيف هذه الضغوط، مما سمح لبعض هذه الدول باستعادة جزء من حصتها في سوق النفط العالمية، وفي حال عاد ترامب إلى فرض عقوبات على إيران وفنزويلا، فقد يؤدي ذلك إلى تقليص المعروض النفطي العالمي، مما قد يدفع بأسعار النفط إلى الارتفاع، وهو ما يتعارض مع أهداف ترامب المعلنة بشأن خفض أسعار البنزين.
إلى جانب ذلك، يظل هدف ترامب في خفض أسعار البنزين المحلية في الولايات المتحدة هدفًا ممكنًا في حالة حدوث تراجع طفيف في أسعار النفط العالمية. وعلى الرغم من أن الأسعار العالمية قد تشهد بعض التعديلات الهبوطية، فإنه من غير المتوقع أن يكون التأثير الفعلي لسياسات الإدارة الجديدة على سوق النفط العالمي بقدر الوعود التي قطعتها حملة ترامب. من المتوقع أن تكون سياسة ترامب أكثر اعتدالًا، حيث أنه من مصلحته الحفاظ على استقرار سوق النفط العالمية، وهو ما يتماشى مع التوجهات الروسية التي تسعى إلى توازن السوق العالمي بعيدًا عن التقلبات الحادة.
وفي ضوء هذه الديناميكيات، يتوقع البعض أن تتقارب مصالح الولايات المتحدة وروسيا في سوق النفط العالمية في ظل إدارة ترامب، ما قد يفتح بابًا لفرص اقتصادية قد تؤدي إلى صفقة محتملة بين الطرفين، على سبيل المثال، فيما يتعلق بالقيود المفروضة على صادرات النفط الروسية. ومع ذلك، ما إذا كانت روسيا ستقبل شروط “الصفقة” التي قد يعرضها ترامب، فإن الوقت وحده هو الذي سيكشف ذلك.
بالتالي، بعد فوز الرئيس المنتخب دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، تجمدت سوق النفط العالمية تحسباً لأي طارئ، ولا تظهر اتجاهاً واضحاً بالنسبة للأسعار، وفي الوقت نفسه، يتعلق القلق الرئيسي بالخطاب الانتخابي لصاحب البيت الأبيض المستقبلي، حيث وعد بتخفيض أسعار البنزين المحلية بشكل جذري في الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن الدعم الكامل لزيادة إنتاج النفط في الولايات المتحدة، حتى أن بعض المحللين سارعوا إلى الاستنتاج بأن الوفاء بهذه الوعود قد يؤدي إلى انخفاض حاد في أسعار النفط العالمية إلى 50 دولاراً للبرميل بالفعل في ربيع العام المقبل، لكن قد يتبين أن الواقع أكثر واقعية من الوعود الانتخابية، لأنه في عام 2023، أصبح النفط لأول مرة منذ عام 2009، سلعة التصدير الرئيسية إلى الولايات المتحدة.
وهذه الحقيقة وحدها تدحض التوقعات بتراجع سوق النفط في المستقبل المنظور، بالإضافة إلى ذلك، كان أحد الرعاة الرئيسيين لحملة دونالد ترامب الرئاسية لاعبين رئيسيين في صناعة النفط الصخري (شركة كونتيننتال ريسورسيز، وشركة هيلكورب للطاقة، وشركة إنرجي ترانسفير، وشركة جيوسوثرن للطاقة، وما إلى ذلك)، والتي لا تحتاج تنميتها إلى حوافز داخلية فحسب، بل تحتاج إلى حوافز داخلية أيضاً، كما أن أسعار النفط العالمية مريحة، ومستوى السعر العالمي هو 50 دولاراً للبرميل، ومن الصعب أن نصفها بأنها جذابة للاستثمارات الجديدة في إنتاج النفط الصخري الأميركي، نظراً لأن مستوى التعادل فيها يبلغ الآن، في المتوسط، 50 إلى 55 دولاراً للبرميل.
ولا ننسى أيضاً إيران وفنزويلا، اللتين تعرضتا خلال الرئاسة الأولى لدونالد ترامب لضغوط عقوبات أمريكية شديدة وخفضتا صادراتهما النفطية بشكل حاد، ولم تستعيدا مكانتهما بشكل كبير في سوق النفط العالمية إلا في عهد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبه المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، ومن غير المرجح ألا يعود ترامب إلى فرض عقوبات على إيران، وربما على فنزويلا، التي ستسحب بالتأكيد جزءاً من صادراتها النفطية من سوق النفط العالمية، وبالتالي قد تحفز نمو أسعار النفط في العام المقبل.
وفي الوقت نفسه، سوف يسعى ترامب جاهداً إلى خفض أسعار البنزين أو على الأقل تثبيتها في السوق المحلية الأمريكية، وهو أمر ممكن في حالة حدوث بعض التعديل الهبوطي في أسعار النفط العالمية، على سبيل المثال، إلى مستوى 70 دولاراً للبرميل.
وبالتالي، فمن المرجح أن يكون التأثير الحقيقي لسياسات الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد دونالد ترامب على سوق النفط العالمية أكثر تواضعاً بكثير من وعوده الانتخابية، بالإضافة إلى ذلك، يستفيد ترامب عموماً من استقرار سوق النفط العالمية، وليس من تقلباتها الحادة، ولو بمستوى سعر أقل، وهو ما يتوافق عموماً مع التطلعات الروسية، وفي سياق الزيادة المتوقعة في ضغط العقوبات الأمريكية على إيران، وربما على فنزويلا، لن يكون من المربح للإدارة الرئاسية الأمريكية الجديدة أن “تشدد” ضغوط العقوبات أيضاً فيما يتعلق بصادرات النفط الروسية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة، والتي يمكن اعتبارها أداة لتحقيق التوازن في السوق العالمية باعتبارها “تسخيناً” جديداً لصناعة الصخر الزيتي الأمريكية.
بالتالي، إذا كان هذا المنطق صحيحا، فإن مصالح الولايات المتحدة وروسيا في سوق النفط العالمية في ظل الإدارة الرئاسية الأمريكية الجديدة قد تتقارب بشكل كبير، على الأقل في المدى القصير، وهذا يفتح «نافذة» فرصة لـ«الصفقة» التي يحبها ترامب كثيراً (على سبيل المثال، فيما يتعلق برفع القيود عن «سقف السعر»)، لأن المنفعة الاقتصادية هي الدافع المحدد لتصرفات الولايات المتحدة، وكذلك إلى الرئيس الأمريكي القديم الجديد، ومع ذلك، ما إذا كانت شروط “الصفقة” التي سيعرضها ترامب بالتأكيد ستكون مقبولة لروسيا، فإن الوقت وحده هو الذي سيحدد ذلك.
في الختام، يبدو أن التوجهات والسياسات النفطية التي قد يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية ستؤثر بشكل كبير على أسواق النفط العالمية، حيث تبرز العديد من التحديات والفرص في الوقت ذاته. من جهة، قد تتجه الولايات المتحدة نحو زيادة إنتاج النفط المحلي، وهو ما قد يؤثر على مستويات الأسعار العالمية، ويثير تساؤلات بشأن قدرة هذه السياسات على تحقيق توازن بين خفض أسعار البنزين محليًا وتعزيز مكانة النفط الأمريكي كمصدر رئيسي للاستهلاك المحلي والعالمي. لكن من جهة أخرى، قد يساهم التوتر في الأسواق العالمية، نتيجة للعقوبات المحتملة على إيران وفنزويلا أو أي تغييرات أخرى في سياسة التجارة الدولية، في خلق تحولات كبيرة في توازن المعروض والمطلوب، مما يدفع بأسعار النفط نحو الارتفاع.
ورغم هذه التوقعات، يبقى الواقع أكثر تعقيداً من الوعود الانتخابية، خاصة أن توجهات ترامب قد تصطدم بالمتغيرات الواقعية، مثل تكاليف إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة التي تجعله غير قادر على المنافسة بأسعار منخفضة لفترات طويلة، وفي ظل هذه التحديات، من المرجح أن تكون السياسة النفطية الأمريكية أكثر توازناً في الوقت الذي تبحث فيه واشنطن عن استقرار السوق على المدى القصير مع الحفاظ على مكانتها كمنتج رئيسي للطاقة.
أما بالنسبة لدول الخليج، فإن مواقفها من سياسات ترامب قد تتسم بحذر وترقب، حيث تعد هذه الدول من أكبر المنتجين والمصدرين للنفط في العالم، وتستفيد بشكل كبير من استقرار أسعار النفط العالمية. ومن المعروف أن دول الخليج تتبنى سياسات إنتاج مرنة، عبر تحالف “أوبك+”، الذي يضم بعضاً من أكبر المنتجين العالميين مثل المملكة العربية السعودية، والتي تسعى دائماً إلى تحقيق توازن بين العرض والطلب في السوق النفطية لتفادي تقلبات الأسعار الحادة.
إذا ما عاد ترامب إلى فرض عقوبات على إيران أو فنزويلا، فإن ذلك قد يكون له تأثير إيجابي على دول الخليج من خلال تقليص المعروض النفطي العالمي، مما قد يرفع الأسعار ويسهم في دعم إيرادات هذه الدول، ولكن في حال قام الرئيس الأمريكي بتكثيف الإنتاج المحلي، وخاصة في ظل انخفاض الأسعار العالمية إلى مستويات قد تهدد استقرار السوق، فإن دول الخليج ستكون مضطرة لضبط سياساتها الإنتاجية لتحقيق توازن بين مصالحها الاقتصادية واستقرار السوق.
في النهاية، لا شك أن سياسات ترامب ستكون محط مراقبة شديدة من قبل دول الخليج التي تسعى للحفاظ على استقرار أسواق النفط العالمية، بينما تسعى أيضاً إلى الاستفادة من أي فرص قد تطرأ نتيجة للقرارات الأمريكية، وعلى الرغم من التحديات، فإن هذه الدول لا تزال تمثل اللاعبين الرئيسيين في السوق النفطية العالمية، ولها القدرة على التأثير بشكل كبير في ديناميكيات العرض والطلب، مما يجعلها في وضع يمكنها من التكيف مع أي تغييرات في السياسة الأمريكية.
مصدر الصورة: وكالة رويترز.