شهد االعام 2020 حدثين مهمين في شمال العراق؛ أولهما، بدء العمليات العسكرية التركية، 15 يونيو/حزيران 2020، ضد قواعد حزب العمال الكردستاني، المنتشرة على طول الحدود العراقية – التركية؛ وثانيهما، توقيع الحكومة المركزية في بغداد اتفاقَ تطبيع الأوضاع في سنجار مع حكومة إقليم كردستان العراق في أربيل، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2020، والذي جاء ليُعيد هيكلة الأوضاع في المدينة أمنياً وإدارياً، وحظي حزب العمال الكردستاني بدوره بأهمية كبيرة في هذا الاتفاق، من خلال اتفاق الطرفين (بغداد وأربيل) على إخراجه من سنجار، إلى جانب فصائل ومليشيات مسلحة أخرى، وهو ما لم يتحقق حتى اللحظة، ما قد يهدد بفشل الاتفاق.
وجاءت التهديدات الصادرة عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، 22 يناير/كانون الثاني 2021، بشن عملية عسكرية في سنجار، لتسلط الضوء على طبيعة التعقيد الأمني الذي تشهده هذه المدينة، التي تَعتبرها تركيا مهدداً أمنياً، وهو ما يضع العديد من التساؤلات حول طبيعة العملية العسكرية التركية المرتقبة واستحقاقاتها المستقبلية.
الواقع الأمني والإداري في سنجار منذ تحريرها من سيطرة “داعش”
شهدت مدينةُ سنجار حالةً من التعقيد الأمني والإداري منذ تحريرها من سيطرة “داعش”، 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، نتيجةً لتعدد الجهات الإدارية والقوى العسكرية التي سيطرت على المدينة بعد التحرير، وهو ما أنتج حالةَ عدم استقرار سياسي واجتماعي وأمني في هذه المدينة، التي شهدت عمليات تغيير ديمغرافي وصراع أمني وتداخل إداري. وزاد من تعقيد هذا المشهد دخولُ حزب العمال الكردستاني طرفاً في معادلة النفوذ والقوة في هذه المدينة، هذا بالإضافة إلى تداعيات الدورين التركي والإيراني، وتطورات الأوضاع على الجبهة الشمالية في سوريا، وهو ما جعل المدينة تواجه تحديات صعبة للغاية، على مستوى تطبيع الأوضاع الأمنية والإدارية فيها.
تتنازع حكومتا بغداد وأربيل الصلاحيات الإدارية في قضاء ومدينة سنجار منذ تحريرها من سيطرة “داعش”، بل إن هذا التنازع كان قائماً قبل دخول التنظيم الإرهابي للمدينة، على اعتبار أنها تقع ضمن المناطق المتنازع عليها، وفق المادة 140 من الدستور العراقي لعام 2005، وزاد من حالة التعقيد الإداري سيطرة قوى مسلحة على المدينة، وهو ما خلق بدوره إدارتان محليتان فيها:
1. إدارة قضاء سنجار، التي يديرها محما خليل، قائم مقام سنجار عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، ويمارس مهامه من خارج المدينة، وتحديداً من مدينة دهوك في إقليم كردستان العراق.
2. هيئة إدارة سنجار، ويديرها فهد حامد عمر، وهي جزء من الإدارة الذاتية الديمقراطية التي شكّلها حزب العمال الكردستاني، وتمارس عملها في مركز المدينة، وتحظى هذه الإدارة بدعم الفصائل الإيزيدية الموجودة في المدينة، إلى جانب هيئة الحشد الشعبي.
أما على صعيد الأمني، فتتموضع في مدينة سنجار العديدُ من القوى المسلحة بعد تحريرها من سيطرة “داعش”، ومن أبرز هذه القوى:
1. حزب العمال الكردستاني التركي، المنتشر في جبل سنجار وامتدادته الجغرافية.
2. القوات العراقية (الجيش والشرطة المحلية والشرطة الاتحادية وقوات حرس الحدود)، المتمركزة في وسط المدينة.
3. قوات محلية كردية تحظى بدعم البيشمركة الكردية بقيادة قاسم ششو، وتتمركز في منطقة مزار شرف الدين.
4. المليشيات الإيزيدية، ومن أبرزها:
– قوات حماية إيزيدخان؛ وهو أكبر فصيل إيزيدي مسلح، تأسس العام 2014، وهو موجود في وسط وشمال سنجار بقيادة حيدر ششو.
– الجبهة القومية للإيزيديين؛ يتموضع هذا الفصيل في منطقة جنوب سنجار، وهو قوة إيزيدية موحدة بقيادة نايف جاسو.
– اليبشة أو وحدات مقاومة سنجار أو الفتح المبين؛ تتمركز هذه القوة في مجمع خانصور وبعض قرى الجنوب والشمال، وهي مرتبطة بهيئة الحشد الشعبي، وقريبة جداً من حزب العمال الكردستاني، ومن أبرز قياداتها زرادشت شنكال.
– فوج لالش الإيزيدي أو “لواء الحسين” بقيادة الخال علي؛ وهو فصيل تابع لكتائب الإمام علي في هيئة الحشد الشعبي، وهم موجودون في مركز سنجار، وبعض قرى جنوب المدينة.
– فضلاً عن مجموعة أخرى من الفصائل المسلحة الإيزيدية المنضوية تحت ما يُعرف بـتحالف سنجار، مثل وحدات نساء إيزيدخان، ووحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة، ويضم هذا التحالف أيضاً اليبشة، وتقوده قوات حزب العمال الكردستاني.
وبالرغم من دخول الجيش العراقي والحشد الشعبي إلى مدينة سنجار، بعد استفتاء استقلال إقليم كردستان العراق في 25 سبتمبر/أيلول 2017، بعد انسحاب قوات البيشمركة الكردية، إلا أن ذلك لم يضمن سيطرةً أمنية كاملة للحكومة المركزية، حيث لا تزال جميع المجموعات المذكورة أعلاه موجودة في القضاء/المدينة. ورغم التوقيع على اتفاقية تطبيع الأوضاع في سنجار بين حكومتي بغداد وأربيل، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2020، من أجل معالجة هذه الفوضى الأمنية في المدينة، إلا أنه حتى اللحظة لم تتضح معالم نجاح هذا الاتفاق بعد.
أسباب تعثر تطبيق اتفاق تطبيع الأوضاع في سنجار
شكَّل إعلانُ رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، عن عقد اتفاق وصفه بـ “التاريخي”، مع حكومة إقليم كردستان العراق، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2020، من أجل إعادة الاستقرار وتطبيع الأوضاع في سنجار، أحد أبرز التطورات السياسية بين حكومتي المركز والإقليم، على مستوى معالجة الأوضاع فيها، حيث شهدت هذه المدينة حالةَ عدم استقرار أمني، بسبب تعدد وتداخل القوى الموجودة على رقعتها الجغرافية بعد التحرير، فضلاً عن ارتباطها بالحدود العراقية – السورية التي تشهد مواجهات عسكرية مستمرة مع عناصر “داعش”، بالإضافة إلى قيام تركيا بإنشاء العديد من النقاط والمقرات العسكرية في المناطق المحاذية للمدينة، بعد العمليات العسكرية التي قامت بها ضد حزب العمال الكردستاني، 15 يونيو/حزيران 2020، وهو ما جعل هذا الاتفاق بدوره يواجه تحديات عديدة في طريق إنجاحه.
ويمكن القول إن أبرز التحديات التي تعرقل إنجاح اتفاق سنجار حتى اللحظة ما يأتي:
1. تمركُز حزب العمال الكردستاني في أطراف المدينة، فضلاً عن وجود فصائل إيزيدية موالية له في مركز المدينة.
2. رفض الإدارات المتنازعة (إدارة قضاء سنجار وهيئة إدارة سنجار) تسوية الوضع الإداري في المدينة.
3. حالة عدم الثقة التي ما زالت تؤطر العلاقة بين حكومتي بغداد وأربيل، وتحديداً عندما يتعلق الأمر بمستقبل هذه المدينة بعد تطبيع الأوضاع فيها، وما إذا كانت ستتحول إلى إقليم مستقل، أو محافظة تابعة لحكومة بغداد، أو جزء من إقليم كردستان.
4. رفض الاتفاقية من طرف الإيزيديين، الذين شكلوا إدارة محلية وقوات عسكرية، إلى جانب رفض فصائل الحشد الشعبي الموجودة في سنجار والموالية لإيران ترك المنطقة، وهو ما عقّد المشهد كثيراً.
5. رفْض القوى السياسية العراقية، وتحديداً القريبة من إيران، المضي في تحقيق الأهداف المتوخاة من هذا الاتفاق، وتحديداً البند المتعلق بإخراج الفصائل التابعة للحشد الشعبي من المدينة، لما لذلك من تهديد حقيقي للنفوذ الإيراني في الشريط الممتد من سنجار حتى الأراضي السورية وصولاً إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط.
6. الرفض التركي لإخراج قوات حزب العمال الكردستاني نحو العمق التركي، لما لذلك من تداعيات خطيرة على الأمن التركي، ولذلك تطمح أنقرة إلى إنهاء تأثير الحزب داخل سنجار، دون نقل المواجهة إلى الداخل التركي أو حت تسرب أفراد الحزب إلى المناطق السورية الخاضعة للإدارة الذاتية الكردية.
لا يَخفى أن طبيعة الصراعات المعقدة التي تشهدها سنجار، بعضها نابع من طبيعة الواقع الداخلي العراقي المتمثل بصراع النفوذ والسيطرة بين الجماعات المسلحة فيها، والآخر يرتبط بكونه جزءاً من صراع إقليمي تركي – إيراني يَجد صداه في هذه المدينة، وهو ما يجعل البيئة الأمنية في سنجار معقدة جداً، وهو أيضاً ما شكَّل عائقاً رئيساً في طريق تطبيق الاتفاق حتى اللحظة.
الأهداف والدوافع التركية من العملية العسكرية في سنجار
حققت العملية العسكرية التركية في شمال العراق، يونيو/حزيران 2020، أهدافاً مهمة تمثلت بالتمركز في عدة نقاط عسكرية داخل الحدود العراقية، والتي كان آخرها سيطرتها على قمة جبل خامتير في محافظة دهوك، فضلاً عن التمركز في العديد من المواقع العسكرية التي كان يستخدمها عناصر حزب العمال الكردستاني في فترات سابقة. وتنظر أنقرة إلى الأهداف المتحققة من هذه العمليات، باعتبارها جزءاً من استراتيجية بعيدة المدى تشمل سوريا والعراق، ذات جوانب سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية، من الممكن توظيفها في العملية العسكرية المرتقبة في سنجار.
وتتمثل العُقدة الاستراتيجية التركية اليوم بالمنطقة الممتدة من زاخو حتى سنجار، بعمق 109 كلم داخل الأراضي العراقية، حيث تشكل العملية العسكرية التركية المرتقبة في سنجار، المرحلة الثالثة من سلسلة العمليات العسكرية التركية، التي بدأت منذ يونيو/حزيران 2020. ففي عملية “مخلب النسر”، تم استهداف سلسلة جبال قنديل على الحدود مع إيران، من أجل قطعها عن منطقة كانيماسي على الحدود مع تركيا. وفي عملية “مخلب النمر” استهدفت القوات التركية من خلالها مدينة زاخو، وتحديداً منطقة خامتير، من أجل قطع تواصل حزب العمال الكردستاني التركي مع الحدود السورية. فيما تستهدف العملية العسكرية التركية المرتقبة في سنجار إنهاء وجود الحزب في سنجار، وقطع الممر الجغرافي الممتد عبر الحدود العراقية – السورية باتجاه العمق السوري غرباً، والتركي شمالاً.
وفي هذا الإطار تسعى تركيا، وعبر العملية العسكرية المرتقبة في سنجار، إلى تحقيق جملة من الأهداف العملياتية، هي:
1. حظر مرور حزب العمل الكردستاني عبر العراق وسوريا إلى تركيا بشكل كامل.
2. تدمير مراكز القيادة والسيطرة التابعة للحزب في سنجار.
3. إقامة قواعد مؤقتة في جميع المناطق الشمالية للعراق حتى بداية الحدود السورية.
4. تأمين الحدود العراقية-التركية بالكامل، وذلك عبر البدء بصفحة جديدة تتمثل بافتتاح المعبر الحدودي الجديد أوفاكوي – فيشخابور، الذي يصل الطريق المؤدي إليه إلى تلعفر والموصل، ويمتد إلى بغداد وحتى البصرة جنوباً، مما يزيد من سلطة حكومة بغداد في هذا الشريط الجغرافي، ويعمل على تعزيز الدور التركي الاقتصادي – الاستخباري فيها.
5. إكمال مشروع المنطقة الآمنة التي شرعت فيها تركيا في شمال سوريا، منذ العام 2019، والتي تطمح تركيا لأن تبدأ من مدينة ديريك السورية حتى سنجار، على امتداد الحدود العراقية – السورية الشمالية، وهو ما يجعلها متحكمة بالعديد من الممرات الاستراتيجية في ربط هذه المنطقة الآمنة بمنطقة هاكورك على الحدود الإيرانية في جنوب شرقي تركيا. والهدف من ذلك كله السيطرة على كامل الشريط الحدودي الشمالي الرابط مع العراق وسوريا.
علاوة على ذلك، هناك العديد من الدوافع التي قد تدفع تركيا إلى القيام بهذه العملية، منها:
1. سعي الرئيس أردوغان إلى أن تكون هذه العملية خدمةً لرصيده السياسي في الاستحقاقات السياسية الداخلية المقبلة.
2. ربْط الاستحقاقات العسكرية المتحققة من العملية العسكرية في سنجار، للتأثير في الخيارات السياسية للكرد السوريين، والذين يطمحون إلى تكرار تجربة إقليم كردستان العراق في سوريا ما بعد الصراع.
3. استباق أي تحرك قد تُقْدم عليه إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نحو تركيا أو الكرد في سوريا أو العراق، وتحديداً بعد تعيين بريت ماكغورك منسقاً لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأمريكي، والذي عُرف أثناء عمله في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، داعماً قوياً للكرد، وناقداً قوياً لتركيا.
4. الديناميات المتغيرة في الساحة السورية، وتحديداً في المناطق الشمالية التي تسعى من خلالها تركيا للوصول إلى ما بعد حلب، مقابل سعي إيراني للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، تُعد بمنزلة تقاطع استراتيجي بينهما قد يجد صداه في الامتداد الجغرافي داخل الحدود العراقية، وتحديداً في مدينة سنجار، التي تشهد وجوداً عسكرياً للفصائل المسلحة المقربة من إيران من جهة، وحزب العمال الكردستاني من جهة ثانية، وهو واقع جغرافي تجد تركيا من الضروري تجاوزه بأسرع وقت ممكن.
التحديات التي تواجه الاستراتيجية التركية
تواجه تركيا تحديات عدة حيال عمليتها العسكرية المرتقبة في سنجار، من أبرزها:
1. على صعيد البيئة الداخلية التركية، تقف جميع أحزاب المعارضة التركية ضد هذه العملية، كونها تأتي في جزء منها لتحقيق أهداف سياسية في الداخل التركي، كما أن تركيا تواجه ظروفاً اقتصادية صعبة يُعد التعامل معها من وجهة نظر المعارضة أكثر أهمية من العملية المرتقبة، ومن ثم قد يواجه الرئيس أردوغان معارضةً سياسية قوية في هذا الاتجاه.
2. القوة الكردية الوحيدة التي تطالب بإخراج عناصر حزب العمال الكردستاني من سنجار، هي الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، فيما تتحفظ باقي القوى الكردية العراقية على هذا الأمر، وهو ما يجعل من الصعب على الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يُدير الإقليم تقديمَ دعم فعلي ومفتوح للعملية المحتملة، بسبب خشيته من نقد الأحزاب الكردية الأخرى في الإقليم التي قد تفسر العملية العسكرية بأنها “هجوم على الكرد”.
3. لا شك في أن أكبر داعم لحزب العمال الكردستاني في العراق هي إيران، حيث يتعاون الحزب مع الفصائل الولائية المدعومة منها في داخل سنجار وخارجها، وهو ما مكَّن إيران من الوصول إلى سوريا عبر المناطق الخاضعة للسيطرة المشتركة لهذه الفصائل والحزب، ومن ثم فإن أي نجاح تحققه تركيا في سنجار سينعكس بصورة مباشرة على استحقاقات إيران الإقليمية، وهو ما قد يشكل تحدياً حقيقياً في هذا الإطار. ولذا دفعت إيران الفصائل العراقية الموالية لها إلى تعزيز وجودها في سنجار، وقد تحدثت تقارير نشرت مؤخراً عن دخول مجاميع مسلحة إلى المدينة من فصائل مدعومة من إيران، وينتمون إلى مليشيات “كتائب حزب الله العراقية، والنجباء، وعصائب أهل الحق، وبدر”.
4. رغم الدعم الضمني الذي أظهره الكاظمي لهذه العملية، خلال زيارته لأنقرة، 17 ديسمبر/كانون الأول 2020، إلا أنه ليس من المتوقع أن يصمد أمام ضغط الكتل السياسية القريبة من إيران، وتحديداً “تحالف الفتح” و”ائتلاف دولة القانون”، التي عادة ما تثير الحساسيات السياسية في هذا الشأن.
السيناريوهات المحتملة للعملية العسكرية المرتقبة في سنجار
في ظل حالة عدم اليقين التي تُحيط بظروف العملية العسكرية التركية المرتقبة في سنجار، فإن هذا الواقع يطرح بدوره عدة سيناريوهات مستقبلية تنتظر هذه العملية، وهي على النحو الآتي:
السيناريو الأول: عملية عسكرية واسعة
يفترض هذا السيناريو أن الاستعدادات العسكرية التركية، على مستوى الدبلوماسية العسكرية أو حتى التحشيدات العسكرية على طول الحدود مع العراق، تشير إلى رغبة تركية واضحة في شن عملية عسكرية واسعة ضد قواعد ووجود حزب العمال الكردستاني في سنجار؛ فزيارة وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، برفقة رئيس الأركان، يشار غولر، إلى بغداد وأربيل، 18 يناير/كانون الثاني 2021، إلى جانب إرسال 25 مستشاراً عسكرياً تركياً إلى العراق ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي، 26 يناير/كانون الثاني 2021، فضلاً عن انعقاد أولى جلسات مجلس الأمن القومي التركي برئاسة الرئيس أردوغان، 28 يناير/كانون الثاني 2021، للاطّلاع على مخرجات زيارة وزير الدفاع التركي للعراق وتوضيح موقف العراق من العملية العسكرية المرتقبة، كل هذه المؤشرات قد تدل على رغبة عسكرية تركية في شن عملية واسعة في سنجار، سواءً بصورة منفردة أو بالاشتراك مع الجانب العراقي.
وقد أوردت تقارير إعلامية تصريحات لوزير الدفاع التركي، بعد انتهائه من زيارة العراق، أعلن فيها التوصل إلى “تفاهمات” مع العراق ضد حزب العمال الكردستاني، مع أن الجانب العراقي لم يُبد أي تصريح بهذا الشأن، في حين توقعت مصادر تركية تنفيذ عملية مشتركة بين أنقرة وبغداد وإدارة إقليم كردستان في النصف الثاني من مارس المقبل تستهدف قواعد الحزب في شمال العراق.
السيناريو الثاني: عملية عسكرية محدودة
يفترض هذا السيناريو أن الواقع الأمني المعقد في سنجار، بالإضافة إلى صعوبة البيئة الاستراتيجية على طول العمق بين مدينتي زاخو وسنجار (ساحة العمليات)، وتردُّد الجانب العراقي حتى اللحظة في إعطاء موقف واضح من المشاركة بأي عملية عسكرية، وعدم رغبة حكومة أربيل في مشاركة البيشمركة الكردية والاقتصار على الدعم السياسي، قد تدفع تركيا في النهاية إلى شن عمليات محدودة في سنجار، عبر استخدام الطائرات المسيرة والقصف المدفعي والصاروخي ضد مواقع حزب العمال الكردستاني، دون الذهاب نحو عملية برية واسعة قد تنعكس نتائجها سلباً على الداخل التركي، حيث تدرك تركيا أنه من دون أن تكون هناك مشاركة برية عراقية على الأرض، لن تستطيع الذهاب بمفردها نحو العمل العسكري البري، لما قد يشكّله ذلك من مجازفة خطيرة لها. وهذا الخيار قد يسهّل عليها لاحقاً تجاوز العقبات الاستراتيجية التي تقف أمامها اليوم، فيما لو قررت الانخراط بعمليات عسكرية على الأرض في سنجار.
السيناريو الثالث: تأجيل العملية العسكرية
يفترض هذا السيناريو أن تركيا قد تلجأ إلى خيار تأجيل العملية العسكرية إلى ما بعد شهر مارس المقبل، وذلك لحسابات داخلية وخارجية معقدة، إذ إن الواقع الأمني في مدينة سنجار، وتحديداً المتعلق بحزب العمال الكردستاني، يتجاوز في تأثيراته وتداعياته الحالة العراقية، لتجد تأثيراتها في الساحة السورية أيضاً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتداعيات هذه العملية على التحركات الروسية والإيرانية في مناطق غرب نهر الفرات، بالإضافة إلى ضغوط المعارضة التركية، وعدم اتضاح موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الشأن السوري ومن الصراع التركي – الكردي، وهو ما قد يفرض على القيادة التركية التروّي في تنفيذ العملية العسكرية في المستقبل القريب، حتى تتضح الصورة الداخلية والخارجية بشكل جيد.
خلاصات واستنتاجات
تَنظُر تركيا إلى الشريط الحدودي الرابط بينها وبين العراق، أي مناطق تمركز الأكراد وانتشارهم، باعتباره أحد أبرز مُهدِّدات الأمن القومي التركي، ومن ثمّ فهي ترى أنه لابد من خلق حالة جغرافية جديدة تخدم الدور الإقليمي التركي خلال الفترة المقبلة، وهو ما يجري تأكيده في العملية العسكرية التركية المرتقبة ضد حزب العمال الكردستاني التركي في سنجار.
وإلى جانب الفوائد الأمنية والسياسية التي تسعى تركيا لتحقيقها من العملية العسكرية المرتقبة في سنجار، تُولي تركيا البُعد الاقتصادي أهمية كبيرة، خصوصاً أنها تعيش اليوم أزمةً اقتصادية صعبة، بسبب اضطراب السياسات المالية وتأثير جائحة “كورونا”، وقد خسرت تركيا الشهر الماضي فرصة الحصول على عقد إعادة إعمار مطار مدينة الموصل، الذي ذهب لمجموعة شركات ADP الفرنسية، حيث كانت ترى في هذا العقد مقدمةً للدخول في منافسة قوية للفوز بعقود أخرى ضمن عملية إعادة إعمار المدن المحررة من سيطرة “داعش”، خصوصاً أنها سبق أن تعهدت بقروض واستثمارات في مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق، العام 2018.
ومن أجل تنفيذ هذه العملية، قد تلجأ تركيا إلى تسخير كل أوراق ضغطها على العراق، وهو ما يجعل حكومة بغداد تحت ضغوط داخلية وخارجية أيضاً، حول كيفية التعاطي مع العملية ومخرجاتها في حالة حدوثها، وتحديداً لجهة واقع مدينة سنجار المتنازع عليها مع حكومة أربيل.
إن واقع سنجار الجيو – سياسي يشهد تداخلاً أمنياً – عسكرياً معقداً للغاية، وهو ما قد يضع تركيا في موقف استراتيجي صعب للغاية، وبالتالي يمكن القول بأنه رغم الاستعدادات التركية لشن عملية عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني التركي في سنجار، إلا أن القضاء التام على قواعد ووجود حزب العمال الكردستاني التركي في سنجار لن ينجح إلا إذا توافقت جميع الإرادات المحلية والإقليمية والدولية ضد الحزب، ومثل هذه التوافق يبدو غير مرجح إلى حد كبير، على الأقل في الوقت الحاضر.
المصدر: مركز الإمارات للدراسات.
مصدر الصور: إذاعة سويسرا الدولية – العربي الجديد.
موضوع ذا صلة: عملية “مخلب النسر 2”: بين الروايتين التركية والعراقية