خاص “سيتا”
براهيم شير*
هي زيارة مفاجئة بكل المقايس قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى سوريا للقاء الرئيس السوري بشار الاسد، حيث هبطت طائرته في مطار باسل الاسد في اللاذقية، فجاء حاملاً معه رسائل كبرى للداخل والخارج اهمها الانتصار على الارهاب، لكن توقيت الزيارة يعتبر اهم الاجزاء فيها حيث ان سوريا مقبلة على مرحلة جديدة كلياَ من الناحيتين السياسية والاجتماعية. اما روسيا، فمقبلة على انتخابات رئاسية يحتاج الرئيس بوتين فيها لأي امر من شأنه ان يزيد حظوظه بالفوز، وليس هناك افضل من الانتصار على الارهاب حتى يبقى بوتين في الكرملين. وكأن الايام تعود الى عام 2002 عندما ساعدت دمشق موسكو في القضاء على اكبر ارهابي في الشيشان، السعودي سامر السويلم والملقب بـ “الخطاب”، وهو ما رفع اسهم الرئيس الروسي الشاب في ذلك الوقت لدى الشعب الروسي.
ان اعلان الرئيس بوتين عن قراره بدء سحب القوات الروسية من سوريا هو من أذكى التكتيكات “الشطرنجية” التي تلعب فوق الرقعة السورية، حيث ان هذا الانسحاب سيزيد الثقة بموسكو والتحالف معها خصوصاً لدى دول الشرق الاوسط. فموسكو تحاول “جر الود” مع الدول العربية، وسحب البساط من تحت اقدام الولايات المتحدة، حيث ان عدداً كبيراً من هذه الدول لم تعد تثق بواشنطن والتحالف معها. اضافة الى ان انسحاب روسيا من سوريا سيزيد الثقة الدولية بدمشق بأنها بدأت تعود الى ما كانت عليه قبل سبع سنوات، اضافة الى الدفع قدماً بعملية التسوية السياسية حيث ان موسكو استطاعت ان تكون حليفة للدولة السورية وللمعارضة في آن، وهو ما سيزيد الثقة لدى الاخيرة بالدور الروسي.
هذا الانسحاب الروسي سيحرج ايضاً واشنطن التي لا تزال تبقي على قواتها في سوريا رغم انتهاء الحرب على الارهاب، ما سيجعل الانسحاب الاميركي من الاراضي السورية قريباً جداً، حيث ان مصادر دبلوماسية اكدت ان هناك اتفاقاً تم بين روسيا والولايات المتحدة ينص على سحب تدريجي للقوات وترك الساحة للسوريين لكي يعيدوا بناء بلدهم التي دمرها الارهاب، وهو ما يفسر سعي موسكو وراء عقد مؤتمر سوتشي. هذا الانسحاب، سيغلق الساحة السورية كساحة مواجهة دولية ويجعلها محلية ضد ما تبقى من جماعات ارهابية، حيث لم ينفِ الرئيس بوتين بقاء بعض الجماعات الارهابية، ولكن الرأس والمتمثل بداعش قد تم القضاء عليه تماماً.
الزيارة الروسية الى قاعدة حميميم في مطار الباسل الدولي، كانت طبيعية وعادية ولا يوجد بها شيء غريب. عادة، تحصل مثل تلك الزيارات بين الدول، التي تخوض معارك مشتركة، دون مشاكل. فعلى سبيل المثال، زار الرئيس الاميركي الاسبق جورج بوش الاب القاعدة الاميركية في الظهران شرق السعودية عام 1990 والتقى فيها مع الملك السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز، وامير الكويت الراحل جابر الصباح، وبحث معهما التحضيرات لعملية “عاصفة الصحراء” التي هدفت الى اخراج القوات العراقية من الكويت حينها. بعدها، توجه بوش الى القوات الاميركية في كلمة له بغياب الملك السعودي وامير الكويت. لذلك، من لم يستطع الانتصار على الرئيس الاسد في ساحة المعركة سيحاول النيل منه في الاعلام واخراج الزيارة عن مضمونها الاساسي.
لا شك ان جولة بوتين المكوكية هي لتهيئة الارضية لتسوية سورية ضخمة تنهي الحرب فيها، ومحاولة لاشراك مصر، اكبر دولة عربية واهمها من حيث الحضور العسكري في هذه التسوية خصوصاً وانها تواجه الارهاب ايضاً، بالاضافة الى تهيئة تركيا لانهاء ملف ادلب في أقرب وقت، وادخالها ضمن عملية التسوية التي سيكون وجود الرئيس الاسد فيها غير قابل للنقاش.
خلال فترة الحرب السورية، تجاوز الرئيس الاسد عدة امور نالت منه شخصياً، فأول ايام الازمة اسقط حقه القانوني في مقاضاة من ينال منه في العلن، وما زال يسير في ذات النهج واضعاً مصلحة بلاده العامة قبل المصلحته الشخصية، حيث انه يرى وجوده ضمن سياق مصلحة بلاده العليا، لذلك يستحق هذا الرجل تحية إكبار وإجلال.
*كاتب واعلامي سوري
مصدر الصور: روسيا اليوم – قناة العالم