خاص “سيتا”

عامر ملاعب*

كلما تراكمت الأحداث وتسارعت فيما يسمى اصطلاحاً “الشرق الأوسط” كلما ازدادت الأسئلة وعلامات الاستفهام حول دور الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة.

هي الدولة العظمى المسيطرة منذ عقود على سياسات ومصادر الطاقة وتحولات كيانات هذه المنطقة، ولا يمكن اغفال دورها منذ امدٍ بعيد في كل شاردة وواردة فيها. وتعتمد لذلك عدد من منصات الانطلاق تبدأ بوجود كيان الاحتلال على ارض فلسطين كحاملة طائرات متقدمة ومغروزة في عنق المشرق وصولاً الى قواعدها المنتشرة في كل المحيط من البحر الاحمر الى سواحل الخليج الى العمق في العراق وتركيا حتى آسيا الوسطى.

وفي قراءة متأنية لسياسات وتحولات كيانات هذا المشرق، يمكن ملاحظة عدد من الفوارق والتغيرات في طريقة عملها ولكنها بالمحصلة تصب في خانة ما يخدم أميركا ودورها وقيادتها. ونحن هنا في هذه العجالة لا يمكن ان نحصر كل هذه التحولات والسياسات ولكننا يمكن ان نقرأ عدد منها بسرعة لنتبين عدم مطابقة القول على الواقع وان كان المشهد يوحي بالفعل بتراجع السياسة الاميركية في المنطقة.

والاهم هنا ما يشيعه عدد لا يستهان به من المحللين عن تراجع، او يصل الامر بعدد منهم الى القول بخروج وشيك ونهائي اميركي من المنطقة، وهذه مبالغة ينبغي عدم الرهان عليها، اذ ما زال للأميركي اوراق عديدة يمكنه استخدامها واللعب عليها للحفاظ على موقعه وريادته اقليمياً وعالمياً.

الفكرة الاهم التي يجب ان نقرأها هي في تراجع الدور الاميركي مرغماً في عدد من النقاط لحساب الدور الروسي او الصيني او غيرهما، او يمكننا القول أن الأميركي بدأ بالتسليم بدور ما لـ “شركاء” جدد في عدد من الساحات.

أما عن التوجه شرقاً، فإن الامر أكثر تعقيداً مما يبدو في الصورة العامة، إذ أن شرق آسيا منطقة نفوذ كبرى لعدد من الدول وعلى رأسها الصين والهند واليابان وروسيا. ومن يريد التأكد عليه أن يراجع عمق العلاقات الكبرى بين عدد من الدول الاسيوية وروسيا مثل فيتنام وكمبوديا وكوريا الشمالية واندونيسيا، قبل أن نتحدث عن التنين الصيني، العملاق الاقتصادي والقوة العالمية الصاعدة في أكثر من قطاع.

ومن هنا فإن سياسة الرئيس الاميركي دونالد ترامب لا تختلف عن أسلافه من الناحية الاستراتيجية، وان تميز عنهم بخطابه “الفج” والواضح ومحوريته حول بسط النفوذ ونهب الثروات، وبالتالي فإن مراكز القرار الاميركي لا يمكنها ان تتخذ قراراً بالخروج من اي منطقة مفيدة. ويمكنها حتى الآن أن تبني استراتيجيات قادرة على الحفاظ على الحد الادنى من النفوذ وان تعرضت لنكسات، والعراق مثالاً واضحاً على كيفية العودة بعد الخروج.

ولكن ما يمكن قراءته بوضوح أن السياسة الاميركية في العهد الحالي مثلاً تجاه دول الخليج لا تختلف كثيراً عن سياسة الادارات السابقة، إنما إستراتيجية الاستدارة نحو آسيا استدعت فك بعض الاشتباك من العلاقات الحميمة السابقة مع الممالك والاتجاه مباشرةً نحو الهدف الرئيسي وهو “ما هي النتيجة الملموسة لنا من المال والنفوذ”. وسياسة ترامب واضحة لجهة التخفيف من أعباء هذه الممالك والتركيز على امتصاص ثرواتها وتركها تغرق بصراعاتها كما ورطت السعودية في اليمن وكما تركتها في أزمتها مع قطر او قمعها ورفض سياستها تجاه لبنان، عدا عن غرق هذه الممالك في صراعات الاقليم من العراق وسوريا ولبنان وسيناء وليبيا، وهي تعتمد “التجاهل غير المتعمد”، في حين تتقدم روسيا في بقع عديدة بالتكافل مع ايران ومن خلفهم الصين.

وبمحصلة ختام هذه السطور فإن الواقعية السياسية تقتضي منا التنبه الى نقطة مهمة وهي أن سياسة خروج اميركا من المنطقة هو ضمن مخطط استراتيجي لمراكز القرار فيها وليس فقط بفعل العوامل الخارجية، ويمكننا الختام بما تقوله أعداد كبيرة من المتابعين الأميركيين “تقليص العلاقات الأميركية مع بعض دول الشرق الأوسط ما هي إلا جزء من استراتيجية “أميركا أولاً” التي طال انتظارها”.

*كاتب في الشؤون الاقليمية – باحث في مركز “سيتا”

مصدر الصور: اليوم السابع – globalsecurity.org