طرحت فرنسا دعوة لإنشاء جيش أوروبي موحد لـ “حماية” أوروبا من التهديدات الصينية والروسية والأمريكية. وبالرغم من مساعي الإتحاد الأوروبي لتطوير قوته العسكرية وامتلاكه مقومات عسكرية قوية، لكن التحديات حول إنشاء جيش أوروبي كبيرة والخلافات كثيرة، وتثير انقسامات داخل الإتحاد خصوصاً بعد خروج بريطانيا منه.

تطوير القوة العسكرية للاتحاد الأوروبي

قدمت المفوضية الأوروبية إطاراً مع خطة عملها للتنسيق بين الصناعات المدنية والفضائية والدفاعية. وتخصص الموازنة الأوروبية ما قيمته مليار يورو سنوياً على مدى سبع سنوات لتمويل صندوق الدفاع الأوروبي. وسيتيح “تسهيل السلام” توفير أسلحة لشركاء الاتحاد الأوروبي ويمكنه الآن تدريب وتجهيز قوات عسكرية في إفريقيا.

تعوّل أوروبا أمال كبيرة على التجهيز بطائرات مسيرة قتالية إذ ينص نظام القتال الجوي من الجيل الجديد – “سكاف”، الذي تقوده فرنسا وألمانيا وإسبانيا والرامي إلى تجهيز أوروبا بنظام قتالي جوي جديد اعتباراً من العام 2026، على استخدام طائرات مسيرة مسلحة.

فمنذ ديسمبر/كانون الأول 2017، يعمل الإتحاد الأوروبي على تطوير قوة عسكرية أكبر بشكل مستقل عن الولايات المتحدة، حيث وقفت فرنسا بالأساس وراء هذا الجهد باعتبارها القوة العسكرية الكبيرة الوحيدة الباقية في الاتحاد بعد “البريكست”. ويقول خبراء إنه في حين يعمل الاتحاد الأوروبي بالفعل في مشروعات مشتركة، ويخصص ثمانية مليارات يورو (9.46 مليار دولار) اعتباراً من العام 2021 لصندوق لتطوير الأسلحة، فإنه يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل ليكون له أي استقلال عسكري عن واشنطن.

من هنا، أعلنت وزيرة الخارجية الإسبانية، أرانتشا غونزاليس لايا، أن لاً من مدريد ولندن تجريان محادثات بشأن اتفاق دفاعي وأمني لمرحلة ما بعد “البريكست”، الهدف منه التوصل إلى إطار عامل يشمل كل الصعد من مكافحة الجماعات الإرهابية إلى الأمن الإلكتروني والمهمات العسكرية المشتركة.

التعاون الاستخباري وصياغة استراتيجية مشتركة للأمن

أعدت استخبارات الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي تقريراً حول الأخطار التي تهدد الإتحاد، وذلك في أول خطوة نحو صياغة استراتيجية مشتركة للأمن. وتم بحث “المعايير الاستراتيجية” المشتركة للدفاع والأمن، بهدف حماية الاتحاد الأوروبي من الأزمات والتهديدات من الخارج.

وأكد المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن “التقرير حول التهديدات المشتركة الذي أعدته هيئات الاستخبارات الأوروبية لأول مرة.. هو الخطوة الأولى نحو استراتيجية مشتركة للأمن الأوروبي.”

تأسيس جيش أوروبا موحّد

أشارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمام البرلمان الأوروبي إلى “بلورة رؤية تتيح لنا الوصول يوماً إلى قيام جيش أوروبي حقيقي”، مقترحة إنشاء “مجلس أمن أوروبي” مهمته اتخاذ القرارات المهمة في المسائل الدفاعية والأمنية. وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قد شدد على أنه “لا يمكن توفير الحماية للأوروبيين إن لم نقرر بناء جيش أوروبي وبمواجهة روسيا، الموجودة على حدودنا”.

في المقابل، هناك عدة أسباب تعوق بناء جيش أوروبي أبرزها:

1. الإفتقار إلى عقيدة عسكرية موحدة.

2. الإفتقار لقوة عسكرية للتدخل السريع ولقيادة مشتركة.

3. دول البلطيق وأخرى شرق أوروبا، لا ترغب في الاستبدال بالمظلة الأطلسية.

خلافات حول الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية

رفض الرئيس ماكرون ما ذكرته وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارينباور، في تصريح لصحيفة بوليتيكو 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إذ قالت إنه يتعين على أوروبا أن تظل معتمدة على الحماية العسكرية الأمريكية في المستقبل القريب. وقال ماكرون “أختلف تماما مع مقال الرأي الذي نشرته وزيرة الدفاع الألمانية في بوليتيكو”، مضيفاً أنه يعتقد أن المستشارة ميركل تؤيد موقفه حول هذه المسألة، مضيفاً “لن تحترمنا الولايات المتحدة كحلفاء إلا إذا كنا جادين في موقفنا وكانت (شؤوننا) الدفاعية ذات سيادة”، مؤكداً على الحاجة “إلى مواصلة بناء استقلالنا الذاتي، تماماً كما تفعل الولايات المتحدة لنفسها، وكما تفعل الصين لنفسها.”

خلافات حول القضايا الإقليمية

ترى فرنسا إن الدول الأوروبية بحاجة للمشاركة في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، حيث أن ما يحدث في هذه المنطقة ليس مهما فقط لسكانها، ولكن أيضا للأمن الأوروبي. لكن الحكومة الألمانية جددت رفضها لمشاركة الجيش الألماني في مهمة قتالية في منطقة الساحل، حيث أشار وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، إلى أن جيش بلاده يشارك بالفعل في مهمة تدريبية وفي مهمة تابعة للأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي.

تداعيات بريكست على الأمن الأوروبي

اتجهت بريطانيا خلال عضويتها إلى مقاومة دور عسكري أكبر للاتحاد الأوروبي، مركزةً عوضاً عن ذلك على حلف شمال الأطلسي – الناتو باعتباره المنتدى الرئيسي للدفاع الأوروبي. ويتيح خروج لندن فرصةً لباريس للضغط من أجل طموحات قديمة لاضطلاع التكتل بدور أكبر في الدفاع، وذلك في ظل وجود دعم أكثر حذراً من برلين.

في هذا الخصوص، إعترف دومينيك راب، وزير الخارجية البريطاني، للمرة الأولى أن قدرة المملكة المتحدة على اقتفاء آثار الإرهابيين المشتبه بهم وكبار المجرمين، باتت في خطر بسبب “البريكست”. وقد تخسر المملكة المتّحدة الإذن بالاطلاع الكامل على إجراءات حيويّة لمكافحة الجريمة في أوروبا، من بينها مشاركة الإنذارات وسجلّات أسماء الرّكاب وبصمات الأصابع والحمض النووي وبيانات تسجيل المركبات، بحسب ما نقل وزير الخارجية إلى النواب.

تقييم

أفاد تقرير لمجلة “إنترناشيونال إنترست” الأميركية إلى أن المسؤولين البريطانيين قد رفضوا فكرة الجيش الأوروبي على اعتبار أنه “سيقوض ويوازي الناتو”. وتشير المجلة إلى أن إنشاء جيش قادر على القتال ضد “عدو” كبير مزود بالتقنيات المتطورة، مثل روسيا، سيحتاج إلى فرق وألوية كاملة مزودة بكافة التجهيزات التي يحتاجها جيش معاصر، مثل الغطاء الجوي ووسائل النقل الجوية والإلكترونيات ومنظومات استطلاعية. وفي الوقت الراهن تقدم الولايات المتحدة معظم هذه القدرات والتجهيزات.

أيضاً، يرى دبلوماسيون ومحللون، بأسف، أن هناك بعض القضايا الدفاعية تهز حلف الناتو وتدفع الأوروبيين إلى التزوّد بقدرات للتحرك من أجل الدفاع عن مصالحهم بشكل مستقل، لكن الخلافات الداخلية تقوض مصداقيتهم. ويعتبر المراقبون أن الجيش الأوروبي الموحد ستكون له العديد من “الحلقات الضعيفة”، أكبرها السياسية. فالأوروبيون لا يشكلون جبهة واحدة لا في الإتحاد الأوروبي ولا في حلف الأطلسي، والخلاف الأكبر يدور بين فرنسا وألمانيا.

بالإضافة إلى ما سبق، تكمن المشكلة الأساسية، كما يفسرها عالم السياسة يان تيكاو، في “صندوق مارشال الألماني” في حالة انعدام الثقة، حيث أن “الفرنسيون والألمان يعانون من حالة انعدام كاملة للثقة ببعضهما بعضاً، والإيطاليون لا يثقون بأي منهما كذلك، والألمان فاقدون للثقة حتى في أنفسهم، كما أن وارسو لا تثق ببرلين، وبوخارست لا تثق ببودابست، وسكان البلقان لا يثقون البتة بأي أحد على الإطلاق، وهكذا دواليك.”

المراجع:

1. جيش أوروبي موحد.. مقترح فرنسي يواجه أكثر من عقبة
https://bit.ly/3s2Q7mJ
2. جيش أوروبي موحد… فكرة مستحيلة الحدوث
https://bit.ly/3qonP5K
3. بريطانيا تقر بتأثير “بريكست” على تتبع الإرهابيين وكبار المجرمين
https://bit.ly/3s1kslk
4. تحديات الاتحاد الأوروبي الرئيسية في 2020
https://bit.ly/37oF6nO
5. ماكرون: “أوروبا بحاجة لبناء استراتيجيتها الدفاعية المستقلة مثل أميركا والصين”
https://bit.ly/3jZUVGL
6. ماس يعارض مشاركة الجيش الألماني في مهمة قتالية بمنطقة الساحل
https://bit.ly/3k1gpmE
7. ألمانيا.. انقسام في حزب ميركل بشأن تجهيز الجيش بطائرات مسيرة قتالية
https://bit.ly/37rBa5A
8. الاتحاد الأوروبي: بين السعي للاستقلالية الاستراتيجية والخلافات الداخلية “الزائفة”
https://bit.ly/2Zug8im
9. إسبانيا تسعى لإبرام اتفاق دفاعي مع بريطانيا لمرحلة ما بعد بريكست
https://bit.ly/3auR1lV
10. لأول مرة.. استخبارات الاتحاد الأوروبي تعد تقريرا حول التهديدات المشتركة
https://bit.ly/3awb5nY
11. الاتحاد الأوروبي يسعى لتعزيز استقلاليته الدفاعية عن واشنطن والناتو
https://bit.ly/37RXENu

المصدر: المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات.

مصدر الصورة: اليوم السابع.

موضوع ذا صلة: إنشاء “الجيش الأوروبي” بين المبررات والصعوبات

حازم سعيد

باحث في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات