“من المتوقع أن يكون المستشار الألماني ملماً بالسياسة الخارجية والأوروبية”. هذا ما قاله الرئيس الجديد لحزب الإتحاد المسيحي الديمواقراطي ورئيس وزراء ولاية شمال الراين – ويستفاليا، آرمين لاشيت، في مقابلة مع وكالة “رويترز” بداية شهر فبراير/شباط 2021، وأراد من خلالها التمييز بشكل إيجابي بينه وبين منافسه فيما يتعلق بمسألة الترشح لمنصب المستشار.

لكن ماركوس زودر، رئيس وزراء ولاية بافاريا ورئيس حزب الإتحاد الإجتماعي المسيحي، رد فوراً على ذلك، إذ تحدث مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لمدة 45 دقيقة وأكد على “أوجه تشابه كبيرة” مع ماكرون. ومن بين الملفات التي ناقشها خلال المحادثة الهاتفية مشاريع الطيران المشتركة، مثل الطائرات المقاتلة الأوروبية، بسبب تواجد شركات طيران عسكرية ومدنية مهمة في ولاية بافاريا، وبذلك جمع زودر نقاطاً لصالحه فيما يتعلق بالسياسة والتجارة الخارجية. وكان زودر قد طالب بدور أكثر فاعلية للسياسة الخارجية الألمانية، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

تزايد أهمية ألمانيا

إنه مثال واحد فقط على ما يقوم به المرشحان المحافظان المحتملان من أجل الدعاية لنفسهما حالياً على المستوى الدولي قبل أن يتفقا فيما بينهما قبل “عيد الفصح” على منهما سيكون مرشح الإتحاد المسيحي. يوهانس فارفيك، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هالي، لا يرى مهمة كل من لاشيت وزودر سهلة، ويقول لدويشيه فيلي أن “أي خليفة لمستشارة تمتلك عقداً ونصفاً من الخبرة في السياسة الخارجية والتي تم تعزيزها في العديد من الأزمات، عليه أن يرتقي أولاً إلى لعب هذا الدور. في الوقت نفسه، ازدياد الأهمية الدولية لألمانيا بشكل كبير في السنوات الأخيرة، لا يسمح لأي مستشار بالتخلف عن الركب. على العكس من ذلك، المستشار الجديد سيزداد الضغط عليه فيما يتعلق بالتعامل مع القضايا المركزية.”

من حيث الخبرة السياسية الخارجية وبالأخص الأوروبية، من الواضح أن لاشيت يتقدم بخطوة واحدة، وذلك بفضل نشاطه. فقد نشأ في مدينة آخن، على المثلث الحدودي بين ألمانيا وبلجيكا وهولندا، حيث طور وعياً مبكراً بأهمية التعاون عبر الحدود. حتى في أوقات “كورونا”، دافع لاشيت، بصفته رئيس وزراء ولاية شمال الراين – ويستفاليا، عن الحدود المفتوحة. ومن العام 1999 إلى العام 2005، كان عضواً في البرلمان الأوروبي. هناك تعامل مع السياسة الخارجية والأمنية ودعا في كثير من المناسبات إلى المزيد من الشجاعة في الإندماج الأوروبي.

في المقابل، لن تجد هذا الاهتمام بالقضايا الأوروبية لدى ماركوس زودر. من منظور السياسة الأوروبية، يرى فارفيك “أن صفحته ما زالت بيضاء إلى حد ما”. كما يذهب تورستن بينر، رئيس المعهد العالمي للسياسات العامة في برلين، إلى أبعد من ذلك إذ يرى أن زودر لديه “ارتباط عاطفي ضئيل أو معدوم بالمشروع الأوروبي ولن يخجل من التحريض الإنتهازي ضد بروكسل إذا بدا له أن ذلك مفيد سياسياً.”

التحالف عبر الأطلسي ليس مجانياً

لكن القاسم المشترك بين السياسيين هو التركيز على الإتحاد الأوروبي وفرنسا أكثر من التركيز على الولايات المتحدة. للتذكير، قامت أنغيلا ميركل بزيارة إلى واشنطن العام 2003 كرئيسة لحزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي، ودعمت حرب العراق التي شنها الرئيس جورج دبليو بوش، والتي قوبلت في ذلك الوقت بالرفض الشديد من قبل الأغلبية الكبيرة في ألمانيا، بما في ذلك من قبل رئيس الحزب الديمقراطي الإشتراكي والمسشتار آنذاك غيرهارد شرودر.

كان عبور الأطلسي صعباً للغاية على السياسيين الألمان في السنوات الأربع خلال حكم ترامب. “لطالما كانت أمريكا أرض الحرية والديمقراطية بالنسبة لنا”، اشتكى لاشيت في خطاب ترشيحه لرئاسة الإتحاد المسيحي الديموقراطي بعد اقتحام أنصار الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب لمبنى الكابيتول في واشنطن، يناير/كانون الثاني 2021.

من جانبه، إعترف زودر مؤخراً بأن حبه لأمريكا تم اختباره بشدة من قبل الرئيس ترامب. كلاهما الآن يعلق آمالا كبيرة على الرئيس الجديد جو بايدن. وخلال “مؤتمر ميونيخ للأمن” مؤخراً، دعا الشركاء “إلى عودة التحالف عبر الأطلسي”، غير أن تقارب الرئيس بايدن لن يكون بالمجان. فهو مثل أسلافه، يطالب الشركاء الأوروبيين بزيادة الإنفاق على التسلح وتحمل المزيد من المسؤولية في السياسة الأمنية. زودر يتفق مع ذلك من حيث المبدأ، لكنه يؤكد “نحن لسنا أطفالاً صغاراً. نحن شركاء، ولسنا تابعين أو مرؤوسين،” كما قال زودر لوكالة “أسوشيتد برس” قبل أيام قليلة. لاشيت ملتزم أيضاً بهدف الناتو المتمثل في إنفاق الدول الأعضاء 2% من ناتجها القومي على الدفاع ، وهو ما لم تحققه ألمانيا حتى الآن.

زودر: التوازن بين المصالح والقيم

تشكل سياسة ألمانيا مع الصين وروسيا عقبة أمام تعزيز التعاون الوثيق عبر الأطلسي. مثل سلفه، يبدو أن الرئيس بايدن أيضاً يرى بأن برلين متساهلة للغاية مع الحكومتين بسبب مصالح السياسة التجارية. لكن يبدو أن ذلك لن يتغير سواء مع المستشار لاشيت أو زودر. فقد تحدث لاشيت مؤخراً عن “تنافس الأنظمة” بين الغرب والصين. لكن لم يستبعد مشاركة شركة “هواوي” الصينية في بناء شبكة 5G للهاتف المحمول، وهو ما تنتقده واشنطن بشدة، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى، قال زودر، صيف 2020 في حوار مع القناة الألمانية الثانية – ZDF فيما يتعلق بالسياسية الخارجية تجاه الصين، أن “يبدو لي أن إيجاد التوازن الصحيح بين المصالح والقيم يمثل التحدي الأكبر للسياسة الخارجية الألمانية في السنوات المقبلة”، غير أن ذلك لم يكن الشدة التي تنتظرها واشنطن من ألمانيا في التعامل مع الصين.

سياسة مستقلة تجاه روسيا

بالنسبة للسياسة تجاه روسيا، يعارض كل من لاشيت وزودر مطالبة الولايات المتحدة بوقف بناء خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” (“السيل الشمالي – 2”) من روسيا إلى ألمانيا. كما يريد لاشيت أن يفصل بشكل صارم الهجوم على السياسي المعارض الروسي أليكسي نافالني، الذي يدينه بشدة، عن صفقات الغاز.

خلال زيارة له إلى موسكو قبل عام، واصل زودر تقليد رؤساء الوزراء البافاريين السابقين لمتابعة سياستهم التجارية البافارية – الروسية، المنفصلة عن الإختلافات السياسية في الرأي. أما عن لاشيت، تعود التصريحات التي أدلى بها قبل بضع سنوات إلى الواجهة؛ بعد فترة وجيزة من الإحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، انتقد لاشيت “الشعبوية” المعادية للرئيس فلاديمير بوتين في ألمانيا ورغم أن احتلال القرم “ينتهك بوضوح القانون الدولي”، إلا أن على المرء “وضع نفسه في مكان محاوره للنهوض بالعلاقات الخارجية”.

النائب البرلماني أوميد نوريبور، المنتمي إلى حزب الخضر والذي قد يكون حزبه شريكاً في الائتلاف الحكومي مستقبلاً، شكك في مقابلة صحفية في قدرة لاشيت على ربط الإتحاد الأوروبي بموقف التفاهم هذا، كما يدعي لاشيت. وتنظر دول الإتحاد الأوروبي الشرقية على وجه الخصوص بنظرة نقدية لأية لهجة تملق من ألمانيا تجاه الكرملين.

الأسد.. أهون الشرين!

حتى أن لاشيت أشاد بدور روسيا في الحرب السورية، العام 2014، قائلاً إن “حذر الروس منذ البداية من الجهاديين. لقد وصفنا ذلك بأنه دعاية”. كما أظهر نوعاً من التفهم لموقف الرئيس السوري، بشار الأسد، حيث كان هناك على الأقل تنوع ديني معين قبل الإنتفاضة الشعبية، ورأى لاشيت الإسلاميين أكثر خطورة من نظام الأسد.

لا يريد فارفيك المبالغة في تقدير مثل هذه التصريحات، إذ “يمكن أن يفهم ذلك كشكل من أشكال الواقعية في السياسة الخارجية التي تسأل بشكل واقعي عن إمكانيات التأثير لدى المرء وما الذي هو على استعداد لتوظيفه ومن ثم مواءمة خطابه واستراتيجيته وفقاً لذلك. لا أعتقد أنه خطأ جوهري”؛ ومع ذلك، فإن تصريح لاشيت يتسبب بإنتقادات، حتى يومنا هذا، وحتى داخل دوائر الإتحاد المسيحي.

ظهور جيد على الساحة الدولية

لا يتوقع أي من الباحثين السياسيين أي اختلاف جوهري عن السياسة الخارجية لميركل، لا مع المستشار لاشيت ولا مع المستشار زودر. على العكس من ذلك، يرى تورستن بينر أن كليهما سيحاولان انتهاج نفس السياسة الخارجية الحالية. لكن ومع ذلك سيواجهان عقبات، فـ “من ناحية، لأن نهج ميركل لا يمكن أن يستمر ببساطة بسبب التناقضات، من ناحية أخرى لأن شركاء التحالف المحتملين، وخاصة حزب الخضر، سيصرون على تغيير المسار في القضايا المهمة. على سبيل المثال في السياسة تجاه الصين، حيث تتسبب السياسة الخارجية الآحادية للسيارات في إلحاق أضرار جسيمة بمستشارة ألمانيا.”

كخلاصة عامة، توصل فارفيك إلى التقييم التالي “كلاهما سياسيان مهنيان لم يكن لهما أي تركيز على السياسة الخارجية حتى الآن. (…) بالتأكيد، سيكتشف كلاهما بسرعة أن السياسة الخارجية مهام المستشار الأساسية. لاشيت يتمتع بخبرة دولية أكثر من زودر، ولكن كلاهما لهما علاقات جيدة على المستوى الدولي. ويمكن الوثوق بهما بنفس القدر في أداء دور جيد على الساحة الدولية.”

المصدر: DW.

مصدر الصور: DW – النهار.

موضوع ذا صلة:

كريستوف هاسيلباخ

كاتب – ألمانيا