بكافة المقاييس الموضوعية، يتجلى ضبط النفس في أية ضربات تُشن على منشآت ثانوية انتقاماً لاستهداف أصول رئيسية من ممتلكات الدولة. وهذه هي حال الضربات الجوية التي شنها الرئيس الأمريكي جو بايدن، 25 شباط/فبراير 2021، ضد منشآت تابعة لميليشيات شيعية مدعومة من إيران في شرق سوريا، والتي أمر بالقيام بها بعد الهجمات الصاروخية التي شنتها في وقت سابق الميليشيات المدعومة من إيران ضد القوات الأمريكية المتمركزة في مطار أربيل. لكن المسؤولين الروس سارعوا، كالمتوقع، إلى التعبير عن غضبهم من العدوان المتصوّر والنزعة الآحادية من قبل الولايات المتحدة.
وفي هذا الصدد، أعربت المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عن إدانتها للحادثة، وأضافت “نحن نؤكد مجدداً رفضنا أية محاولات لتحويل الأراضي السورية إلى ساحة لتصفية حسابات جيو – سياسية”. وتهجّم عضو لجنة الشؤون الخارجية في “مجلس الاتحاد” (الغرفة العليا للبرلمان الروسي) السيناتور، سيرغي تسيكوف، على الضربة ووصفها بأنها “شائنة للغاية”.
وأصبح توقيت الضربة نقطة خلاف أخرى. فقد رغعم السكرتير الصحفي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دميتري بيسكوف، أن الكرملين لم يكن على علم بما إذا كانت الولايات المتحدة قد أعطت تحذيراً مسبقاً لروسيا، بينما قال وزير الخارجية، سيرغي لافروف، إن الولايات المتحدة أعطت تحذيراً قبل عدة دقائق.
في المقابل، أفاد المتحدث بإسم البنتاغون جون كيربي، في مؤتمر صحفي، أن الولايات المتحدة استخدمت القناة المناسبة لتجنب النزاع كما أكد لافروف نفسه، وأضاف “أخطرنا بالمقدار الذي نعتبره مناسباً”. وبالنظر إلى أن الولايات المتحدة وروسيا تدعمان قوات متعارضة في سوريا وأن موسكو قدمت دعماً واسعاً للميليشيات الشيعية، وقاتلت إلى جانبهم، وأدانت الضربات الأمريكية الانتقامية السابقة ضدهم، ناهيك عن شراكة موسكو العميقة مع طهران، كان بإمكان فريق بايدن أن يتخوّف بشكل محق من أن تفشي موسكو سر الضربات الوشيكة لطرف ما.
كما انتقد المسؤولون الروس هذه الضربة باعتبارها تصعيدية، حيث ادّعى النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد، فلاديمير جباروف، أن “هؤلاء ليسوا إرهابيين، بل مليشيات، ولا يوجد سبب يدعو للقصف هنا. لدينا انطباع بأن الولايات المتحدة ليست مهتمة بمحاربة الإرهابيين في سوريا ولكن في التحريض على النزاع بحيث يتصاعد هناك باستمرار”. ويسلط تعليقه الضوء على ازدواجية المعايير التقليدية لموسكو وهي: منح “الإرهاب” الشيعي، وليس الإرهاب السنّي، حرية التحرك والعمل.
وأخيراً، يشعر المسؤولون الروس بالقلق من الاتفاق مع إيران. فقد أشار رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد، قسطنطين كوساتشيف، إلى أن الضربات ستقوض الجهود الدبلوماسية المتجددة بشأن الإتفاق بين واشنطن وطهران، وأدان ما اعتبره مظهراً آخر من مظاهر النزعة الأحادية الأمريكية وتجاهلاً للقانون الدولي. وفي السياق نفسه، قال رئيس لجنة الشؤون الدولية (البرلمانية) في مجلس الدوما ليونيد سلوتسكي إنه “تم تنفيذ الهجوم دون أي محاكمة أو تحقيق.. وكل هذا يمكن أن يؤدي إلى التصعيد في المنطقة”.
وبالطبع، تُعتبر جميع هذه الإدانات “دسمةً” بعض الشيء من جانب الكرملين، فهو الذي استخدم سوريا على وجه التحديد كساحة جيو – سياسية لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة ولم يمارس تناسبية تُذكر، ضارباً بالقانون الإنساني عرض الحائط. لكن على الرغم من كل ما قاله المسؤولون الروس، فإن ما لم يقولوه هو أكثر إثارة للاهتمام. إذ لم ينتقد المسؤولون الروس الرئيس بايدن لفشله في طلب المشورة من الحكومة العراقية الحالية بقيادة زعيمين، الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، واللذان يعتقد المسؤولون الأمريكيون على نطاق واسع أنهما مصران حقاً على الحفاظ على السيادة العراقية وكانا قد وصفا هجوم الميليشيات الشيعية في أربيل، الذي وقع قبل القصف الأمريكي في سوريا، كعمل إرهابي.
وإذا كانت موسكو جدية في محاربة الإرهاب ودعم السيادة وتعزيز التعددية الحقيقية، لكانت قد رغبت في المزيد من المشاورات مع الحكومة العراقية بشأن هذا الموضوع. لكن بدلاً من ذلك، تشعر موسكو حالياً بالقلق من تقويض المفاوضات على الاتفاق مع إيران.
وتؤكد ردود موسكو ببساطة أنه بينما يبدو أن فريق الرئيس بايدن محقاً في قلقه من روسيا في أوروبا، فلا ينبغي له الاعتماد على الكرملين للعب دور مجدٍ في الجهود الدبلوماسية المتجددة بشأن البرنامج النووي الإيراني. وبدلاً من الردود الجزئية على تصرفات موسكو، سواء كانت من خلال هجمات سيبرانية أو تسميم النقاد، على الولايات المتحدة التركيز على وضع استراتيجية موحدة تجاه روسيا.
المصدر: معهد اشنطن لسياسات الشرق الأدنى
مصدر الصورة: ميدل إيست أونلاين.
موضوع ذا صلة: سرقة منظومة “بانتسير – سي 1”.. رسالة أمريكية إلى روسيا؟
زميلة “آيرا وينر” في معهد واشنطن، حيث تركز على سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط.