المجتمع الدولي مجمع علي حل الدولتين، أي دولة فلسطينية إلي جانب دولة إسرائيل ولكن إسرائيل تتوزع فيها الأدوار بين الأحزاب وتوهم العالم بأن هناك صقوراً وحمائم، والحقيقة أنهم مجمعون على تحقيق المشروع الصهيوني، ولذلك اعتبر قادة الصهاينة عام 1917 أن تصريح بلفور بتعهد الحكومة البريطانية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين خطوة إيجابية بأن انزلت الأحلام على الأرض خاصة أن بريطانيا ابتدعت في مؤتمر فرساي نظام الانتداب واختارت فلسطين رغم أن ما قامت به من تمكين اليهود في فلسطين وتسهيل الهجرة إليها وقمع الفلسطينيين وثوراتهم ضد المؤامرة يتجاوز بكثير سلطات الدولة المنتدبة ولذلك كان الانتداب ستاراً لتوزيع وتفتيت المنطقة العربية وقد سارت فرنسا على نفس الطريق في سوريا حين تنازلت عن لواء إسكندرون السوري للأتراك ضمن تسويات مشبوهة بينهما في ثلاثينات القرن الماضي.
المهم أن الشعب الإسرائيلي كله مصر على المشروع الصهيوني بصرف النظر عن اليمين واليسار والتطرف والتسامح. وفي هذا الصدد يقع بعض المحللين العرب في الوهم الذي رسمته إسرائيل وهي قولهم إن الذي شن الحروب عىي العرب هو اليسار ممثلاً في حزب العمل، بينما الذي وقع معاهدات السلام مع مصر والأردن واتفاق أوسلو هو الليكود اليميني. فهم يناقضون أنفسهم، والصحيح أن هذه القوى متفقة على الأساس والأهداف ولكنها مختلفة على الوسائل، فالسلام الذي يتحدثون عنه هو أكبر ضربة للعالم العربي، فإذا كانت حكومات اليسار هي التي أقامت إسرائيل وارتكبت المذابح في البداية ضد الفلسطينيين، فإسرائيل هي المسؤولة عن التسوية أو تفاقم الأوضاع ومن شأن استمرار الصراع وتمسك إسرائيل بكل فلسطين وتعرقل حل الدولتين، النتائج والأضرار الآتية:
أولاً: بالنسبة لإسرائيل
لن يجدي قهر الفلسطينيين واستخدام القوة لأن الفلسطينيين متمسكون بحقهم في الوجود ولذلك تتطور المقاومة الشعبية غير الفصائلية مما يشكل مخاطر على نظرة المواطن الإسرائيلي وشكه في قدرة الأجهزة العسكرية والأمنية مما يرعب المواطنين ويدفعهم إلى التماس الأمن في النزوح إلى خارج إسرائيل.
ولا شك أن الفلسطينيين دفعوا إلى الحائط وفقدوا الأمل في أي حياة كريمة مع إسرائيل بسبب وضوح تمسكها بالمشروع الصهيوني ولابد أن تدرك إسرائيل أنهم لن يقبلوا بتاتاً اقتلاعهم أمام قسوة الهجمات الاستيطانية المدعومة من الجيش والشرطة والحكومة كما أن إسرائيل لابد أن تدرك أن الحكومة الأكثر قبولاً من الشعب الإسرائيلي هي الحكومة ذات القبضة القوية، وربما تتصاعد الانتفاضات الفلسطينية إلى حد الفوضى وعدم قدرة الأجهزة الإسرائيلية علي مواجهة هذه الهجمات العشوائية بكل أنوع الأسلحة، ولم يعد ممكناً أن تتعاون السلطة الفلسطينية بالتنسيق الأمني مع إسرائيل لأن السلطة نفسها ستكون هدفاً لهذه الهجمات ثم أن رجال السلطة فلسطينيون ويدركون أن العرق الفلسطيني نفسه هو المستهدف عن طريق الإبادة وربما تتطور المقاومة إلى أعمال فدائية وتفجيرات ولا يجوز لإسرائيل أن تطمئن إلى الحكومات العربية التي اخترقتها. وطبعت معها بل وانحازت إليها….. هذه الحكومات ستزداد عزلة عن شعوبها كلما مالت لإسرائيل ولن يجدي إدانة دولة الإمارات لعملية القدس وإغفال ما تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين. فمصر كما برر السادات بشكل هزلي أنها اضطرت إلى التقارب مع إسرائيل في معاهدة السلام والاندماج معها بإغواء المعونات العسكرية وهذا أن دل على شيء فإنه يدل على أن السادات اختار نظام الحكم ودعمه من أمريكا وإسرائيل وضحى بمصالح الوطن الاستراتيجية وظن خطأ أن إسرائيل بحاجة إلى تأمين نفسي لعلها تتخلي عن مشروعها، وتبين أن السادات إما أن يكون مخدوعاً أو مخادعاً للشعب المصري.
ومصدر آخر للخطر على إسرائيل هو أن الشعوب العربية تزداد كراهية لإسرائيل بسبب سياساتها القمعية وليس بسبب أن الشعب الإسرائيلي كله من اليهود، فالمسلمون مأمورون بدينهم أن يحترموا كل الشرائع السماوية، ولن يجدي لإسرائيل وأميركا أن تحمي سلوكها وتبرره بمعاداة السامية.
ولا تغتر إسرائيل باختراق العرب أو بالإجهاد الذي أصاب الشعوب بسبب سوء إدارة حكامهم أو بالتعاون مع بعض الحكام ضد شعوبهم.
ثانياً: بالنسبة للفلسطينيين
يتواصل إغفال إسرائيل للمطالب المشروعة مثل حق العودة، واستمرار نزيف الشهداء ومشاعر المرارة المتبادلة، كما تنشأ مشاعر سلبية من جانب الفلسطينيين تجاه العالم العربي خاصة الدول التي أرغمتها واشنطن على الانحياز لإسرائيل وفقدان الفلسطينيين الأمل في أي تسوية سياسية، ويصبح الشعب الفلسطيني كله متطرفاً يرفض بعد ذلك أي اقتراح بالتسوية وينشأ لديهم شعور بأن المعادلة الصفرية فرضتها إسرائيل، فلا تتسع الحياة إلا لواحد منهما.
ثالثاً: بالنسبة للعرب
يزداد انقسامهم حول جدوى التسوية مع إسرائيل والضغط على الفلسطينيين بدلا من الضغط على إسرائيل، وذلك باشتراط وحدة الصف الفلسطيني حتى يمكن للعرب أن يؤيدوهم بينما إسرائيل وواشنطن تحرم الفلسطينيين من الحاضنة العربية وتركهم في مواجهة مباشرة مع إسرائيل بكل قوتها ودعم الغرب لها، كما يزداد وجود إيران في الساحة العربية، وهو ما يشعل الموقف العربي ضد المقاومة وهذا هو السبب الأساسي فيما نرى لوصم العرب لهذه المقاومة بالإرهاب مما يسرع في وتيرة الصدام الإيراني الإسرائيلي ويعطي إسرائيل مبرراً لإقناع واشنطن بأن تكون رأس حربة في الصراع العسكري الايراني الإسرائيلي.
رابعاً: بالنسبة للدول العربية
استمرار الصراع وإنكار حقوق الشعب الفلسطيني، يستفز الشعوب العربية والتيارات الإسلامية رداً على الصهيونية الدينية مما يؤدي إلي زعزعة العلاقة بين الشعوب والحكام لصمتهم على ظلم إسرائيل والتخلي عن القضية فعليا رغم الشعارات وقرارات القمم المؤكدة أن القضية مركزية. واستمرار الصراع ومواجهته بأساليب ملتوية مثل الادعاء بالرغبة في التسوية وقمع الفلسطينيين والاستعداد لمحاربة إيران ومعسكر المقاومة واجتذاب مزيد من الدول إلى معاهدات السلام الوهمية كل ذلك يؤدي إلي اشتعال انتفاضة الفلسطينيين ومن الممكن أن تستعيد الجيوش العربية زمام المبادرة، فتجمع إسرائيل بين التحدي العسكري الرسمي والغضب الشعبي في بيئة عربية معادية.
خامساً: بالنسبة لأوروبا
تقع المنطقة العربية في الحزام الجنوبي لأوروبا وفي أوروبا جاليات إسلامية كبيرة، ولذلك فإن استمرار الصراع بين تمسك اسرائيل بالاستيلاء على كل شيء، وإصرار الجانب الفلسطيني على أنه هو الأحق بكل فلسطين، ويتم الالتحام العربي والاسلامي والفلسطيني إذا أقدمت إسرائيل على هدم المسجد الأقصى.
حل الدولتين:
الفائز الأكبر هو إسرائيل التي تحصل على المكاسب الآتية:
وقف المقاومة لإسرائيل بعد أن زال الهدف منها.
وقف نفوذ إيران المرتبط بدعم المقاومة.
انسياب العلاقات الايرانية السعودية والعربية التي تعرقلها دعم إيران للمقاومة العربية.
تخفيف الضغط علي الجيش والأجهزة الأمنية وهي قبلة الحياة لمكونات إسرائيل واستقامة الطابع العلماني في المجتمع الإسرائيلي ووقف العداء بين بعض الدول العربية وإسرائيل.
فتح الباب الشرعي لانسياب العلاقات العربية مع إسرائيل دون القفز فوق القضية.
المصدر: صحيفة رأي اليوم اللندنية.
مصدر الصور: سيتا – فلسطين أونلاين.
إقرأ أيضاً: الاغتيال الإسرائيلي أو القتل المتعمد في نظر القانون الدولي
السفير د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر