لطالما كان سوق الصرف الأجنبي مهماً باعتباره أحد دعائم الاقتصاد الإيراني حيث زاد فرض العقوبات من أهميته. وفي خضم ذلك، فإن من أهم مهام المصرف المركزي إدارة هذا السوق وبناءً عليه منذ بداية إنشاء هذا المصرف تمت تجربة أساليب مختلفة للحفاظ على توازن سوق الصرف الأجنبي. أما الأساليب التي تغيرت في فترات مختلفة واعتماداً على الظروف الاقتصادية والسياسية فقد تم تحديثها تدريجياً.
ومن ناحية، فإن المصرف المركزي هو المسؤول عن توفير النقد الأجنبي الذي يحتاجه البلد من خلال السوق الرئيسي والسوق ما بين المصارف لاستيراد السلع والخدمات، ومن ناحية أخرى يجب أن يستجيب للسوق الثانوية واحتياجات الاستهلاك من المتقدمين. وفي هذا الصدد، تظهر نظرة على أداء المصرف المركزي في فترة 16 عاماً أنه في جميع الفترات، يتم تخصيص الجزء الأكبر من العملة المباعة من قبل المصرف المركزي لاستيراد السلع ويتم إنفاق جزء أصغر على إدارة السوق وبالفعل إنفاق التدخل في النقد الأجنبي، والذي كان يتقلب في كل فترة حسب ظروف هذا السهم.
وبسبب المتطلبات المتعلقة بالموازنة العامة، يلتزم المصرف المركزي بتحويل جميع عائدات الحكومة من النقد الأجنبي إلى الريال وإيداعها في الخزانة قبل بيع النقد الأجنبي المكتسب من الصادرات النفطية إلى الفاعلين الاقتصاديين. ويقوم المصرف بعد ذلك ببيع العملة المشتراة إلى مستوردي السلع والخدمات بناءً على احتياجات البلد مما يؤخر في مواجهة الزيادة في سيولة الاقتصاد الناتجة عن الموارد المودعة في الخزانة.
وفي حال كانت احتياطيات النقد الأجنبي كافية، يجب على المصرف المركزي تزويد السوق على الفور بما يعادل العملة التي يشتريها من الحكومة وإلا سيواجه الاقتصاد زيادة في السيولة من خلال توسيع القاعدة النقدية. وبمعنى آخر، في ظروف التوازن يجب أن يكون عرض وبيع العملة الأجنبية من قبل المصرف المركزي مساوياً لعائدات النقد الأجنبي للحكومة التي يشتريها المصرف المركزي.
أظهرت دراسة الإحصاءات خلال 16 عاماً من نشاط الحكومات الثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشرة (2002 – 2017) أن المصرف المركزي باع ما مجموعه 529 ملياراً و94 مليون دولار من النقد الأجنبي، منها 251 ملياراً و 92 مليون دولار أي 47.4% تم إنفاقها على التدخل في السوق. ومن هذا الرقم دخل 202 مليار و233 مليون دولار أي 80.5% منه الى السوق فقط في الحكومتين التاسعة والعاشرة. وعليه في الحكومة الثامنة 22 ملياراً و809 ملايين دولار، وفي الحكومة التاسعة 97 ملياراً و207 مليون دولار، وفي الحكومة العاشرة 105 مليارات و26 مليون دولار، وفي الحكومة الحادية عشرة 26 ملياراً و 50 مليون دولار تم تخصيصه كعملة تدخل.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، فقد تم بيع 59.479 مليار دولار من قبل المصرف المركزي في الحكومة الثامنة، منها 36.669 مليار دولار، أي ما يعادل 61.7% في السوق الرئيسي وقد خصصت للواردات الرسمية. كما وتم ضخ 22 مليار دولار و809 مليون دولار أي ما يعادل 38.3% من إجمالي العملة المخصصة في السوق الفرعية وللتدخل.
وفي الحكومة التاسعة تغيرت أيضاً ظروف حصة السوق الرئيسية والتدخل مع تغير الظروف، بحيث بلغ إجمالي العملة المخصصة في هذه الحكومة 149 ملياراً و295 مليون دولار حيث تم استخدام 65.1% منها للتدخل وفي السوق الثانوية أي 97 مليار و207 مليون دولار و52.88 مليار دولار، أي 34.9% من إجمالي العملة تم بيعها في السوق الرئيسية.
أما في الحكومة العاشرة، من 201 مليار دولار و577 مليون دولار باعها المصرف المركزي تم إنفاق 105 مليار دولار و26 مليون دولار، أي 52.1 % على التدخل في سوق الصرف الأجنبي. كما تم بيع المبلغ المتبقي البالغ 96.551 مليار دولار والذي يمثل 47.9% من إجمالي العملة المباعة في الحكومة ضمن السوق الرئيسية.
وفي الحكومة الحادية عشرة – كما في الحكومات السابقة – تم بيع جزء من عملة المصرف المركزي المخصصة للتدخل في السوق. ووفقاً لذلك من 118 مليار دولار و743 مليوناً تم إنفاقها في الحكومة الحادية عشرة، كان 21.9 % ما يعادل 26 مليار دولار و 50 مليوناً للسوق الفرعي والتدخل. كما تم بيع 96 ملياراً و693 مليون دولار والذي يمثل 78.1% من إجمالي العملة المخصصة في السوق الرئيسية لتوفير الواردات الرسمية؛ وبالتالي، من بين الحكومات الأربع التي شملها الاستطلاع، كانت أعلى مبيعات لعملة التدخل بنسبة 65.1% من إجمالي العملة المخصصة المتعلقة بالحكومة التاسعة وأدناها بنسبة 21.9% في الحكومة الحادية عشرة.
في فترة الـ 16 عاماً – من 2002 إلى 2017 – باع حكّام المصرف المركزي الخمسة آنذاك، بمن فيهم الراحل محسن نوربخش (المرتبط بالعام الأخير من ولايته) وشيباني ومظاهري وبهمني وسيف، ما مجموعه 598 مليار و373 مليون دولار منها 284 ملياراً و714 مليون دولار للتدخل في السوق. وخلال هذه الفترة كان محمود بهمني – ومن خلال بيع 160 ملياراً و456 مليون دولار – هو الأكثر تدخلاً في السوق، تلاه إبراهيم شيباني بـ 57 ملياراً و717 مليون دولار، وولي الله سيف بـ 35 ملياراً و300 مليون دولار وطهماسب مظاهري بـ 30 مليار دولار و460 مليون دولار، والراحل محسن نوربخش بـ 781 مليون دولار في المرتبة الثانية إلى الخامسة.
الآن في حال أخذنا في الاعتبار المدة الكاملة لحكّام المصرف المركزي الجدد، خلال رئاسة إبراهيم شيباني على المصرف المركزي – أي بين أعوام 2003 و2007 – فقد تم بيع ما مجموعه 114 مليار و858 مليون دولار من النقد الأجنبي منها 57 ملياراً و717 مليون دولار من أجل التدخل و56 مليار دولار و868 مليون للواردات. وأيضاً في فترة طهماسب مظاهري – أي فترة عام واحد من 2007 إلى 2008 – فإن 46 مليار و109 مليون دولار هي إجمالي العملات المباعة من قبل هذا المصرف، منها 30 مليار و460 مليون دولار للتدخل في السوق والتحكم في الأسعار و15 مليار و669 مليون دولار للواردات المستهلكة رسمياً.
كذلك وخلال فترة محمود بهمني، بين العامين 2008 و2013، فقد بلغ إجمالي ما تم بيعه من النقد الأجنبي 277 ملياراً و17 مليون دولار، منها 160 ملياراً و456 مليون دولار تم إنفاقها على التدخل في السوق و116 ملياراً و562 مليون دولار تم إنفاقها على الواردات. وخلال فترة رئاسة ولي الله سيف على المصرف المركزي – بين أعوام 2013 وأوائل العام 2018 – فقد بلغ إجمالي ما تم بيعه من النقد الأجنبي 151 ملياراً و262 مليون دولار، منها 35 ملياراً و300 مليون دولار للتدخل في السوق و115 ملياراً و962 مليون دولار تم تخصيصه من أجل تأمين النقد الأجنبي للواردات الرسمية.
وبحسب التقارير في فترة السنتين والنصف من حكم عبد الناصر همتي، 2018 – 2020، حدث أقل قدر من التدخل في سوق الصرف الأجنبي حتى أصبح هذا المبلغ سالباً، وهذا يعني أن العملة تم اجتذابها من السوق.
بالنظر إلى أن فترة رئاسة حكّام المصرف المركزي لم تكن هي نفسها، فمن أجل الحصول على صورة أفضل نقوم بحساب المتوسط السنوي لمبيعات العملات الأجنبية. وعليه تشير الإحصائيات إلى أنه خلال رئاسة إبراهيم شيباني على المصرف المركزي، بلغ متوسط إجمالي النقد الأجنبي السنوي الذي تم بيعه من خلال هذا المصرف 25 ملياراً و463 مليون دولار، وكانت حصة التدخل والسوق الرئيسية متساوية تقريباً. وخلال هذه الفترة، تم تخصيص ما متوسطه 12 مليار دولار و637 مليون دولار، أي ما يعادل 49.6% من إجمالي العملة المباعة في السوق الرئيسية سنوياً، و12 ملياراً و826 مليون دولار، أي ما يعادل 50.4% من إجمالي العملة المباعة تم تخصيصه للتدخل.
كذلك وخلال فترة رئاسة طهماسب مظاهري على المصرف المركزي التي امتدت لعام واحد، فمن إجمالي 46 مليار و109 ملايين دولار تم بيعها من قبل هذا المصرف في السوق، وقد تم إنفاق 30 مليار و460 مليون دولار، أي ما يعادل 66.1 %، على التدخل والباقي 15 ملياراً و649 مليون دولار تم بيعها في السوق الرئيسية.
وفي عهد محمود بهمني، بلغ متوسط إجمالي العملات الأجنبية السنوية المباعة من قبل المصرف المركزي 55.403 مليار دولار، أي 57.9 % وتعادل 32 مليار و91 مليون دولار(كمتوسط في كل عام) تم إنفاقها على التدخل. وتم تخصيص 23 مليار دولار و312 مليون دولار المتبقية، والتي تمثل 42.1 % من إجمالي العملة المباعة للسوق الرئيسية.
وبحسب هذا التقرير، وخلال رئاسة ولي الله سيف، فقد بلغ متوسط النقد الأجنبي السنوي المباع من قبل المصرف المركزي 33 ملياراً و614 مليون دولار، أي ما متوسطه 7 مليارات و844 مليون دولار، أي 23.3 % تم إنفاقها على التدخل. وفي هذه الفترة أيضاً دخل ما متوسطه 25 ملياراً و769 مليون دولار سنوياً، وهو ما يمثل 76.7% من إجمالي مبيعات المصرف المركزي من العملات الأجنبية إلى السوق الرئيسية.
وفي أغسطس/آب 2018، حل عبد الناصر همتي محل ولي الله سيف. وخلال هذه الفترة، لم يتم نشر معلومات مفصلة عن حجم مبيعات العملات الأجنبية وكيفية التدخل في سوق الصرف الأجنبي حتى الآن. ومع ذلك، يبدو أنه مع تشديد العقوبات وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، العام 2018، وبسبب القيود والضغط على موارد النقد الأجنبي للمصرف المركزي، فإن أسلوب وسياق إدارة السوق قد تأثر وتغير. وبالطبع، حصل همتي في البداية على إذن من قادة القوى الثلاث من أجل إدارة سوق الصرف الأجنبي بشكل مناسب. ومع ذلك، فقد نشرت بعض وسائل الإعلام أرقاماً عن حجم النقد الأجنبي الذي ضخه حكّام المصرف المركزي في السوق، حيث ورد أن حصة عبد الناصر همتي كانت سلبية عند مليار دولار.
المصدر: صحيفة ايران الحكومية / تعريب ونشر: جاده إيران.
مصدر الصور: ميدل إيست أونلاين – إندبندنت عربية.
موضوع ذا صلة: الأزمة اللبنانية بين أزمتين: الاقتصاد والتنافس الإقليمي