إعداد: مركز سيتا
في كل الدول البحرية حول العالم، توجد جُزر غير مأهولة، أو لا يمتلكها أحد. هذا الأمر ولَّد أطماعاً عند بعض الدول الكبرى لإستملاكها إن كان شراءً أم إحتلالاً، وفي أحيانٍ أخرى تكون بدلاً عن ديونٍ متراكمة مستحقة، أو نزاعات دولية، كما يحدث مع كندا والدانمارك حول جزيرتي غرينلاند وهانس، أو النزاع بين كندا والولايات المتحدة حول جزيرة نورث روك، أو بين كينيا وأوغندة حول جزيرة ميغينغو، والنزاع على جُزر بحر الصين، وجُزر بحر إيجه، والعشرات غيرها لا تزال موضع نزاع قائم إلى يومنا هذا.
أطماع دولية
تًعتبر جزيرة غرينلاند ذات أهمية إستراتيجية كبيرة بسبب موقعها الجغرافي وغناها بالموارد الطبيعية، ما جعلها محط أنظار العديد من الدول الكبرى، كالولايات المتحدة والصين وروسيا.
تبلغ مساحة الجزيرة حوالي 2.2 مليون كلم مربع، ونحو 1.7 مليون كلم منها مغطاة بالجليد. وهي تتمتع بالحكم الذاتي في ظل سيادة الدنمارك حيث أن لها حكومتها وبرلمانها.
ولطالما اعتبرت الولايات المتحدة جزيرة غرينلاند موقعاً استراتيجياً للأهداف العسكرية، لأنها تقع على بعد أقل من 2000 كلم من القطب الشمالي، وتوفر قاعدة “ثول” الجوية، الواقعة على الساحل الشمالي الغربي للجزيرة، تحذيرات بالصواريخ ومراقبة الفضاء والتحكم فيه.
ومع ذوبان الجليد، أصبحت الكميات الهائلة من المعادن، كالحديد الخام والرصاص والزنك والماس والذهب والنحاس واليورانيوم، وموارد الطاقة، كالنفط، في متناول الجميع أكثر من أي وقتٍ مضى.
حلم رؤساء أمريكا
قالت حكومة جزيرة غرينلاند إنها ترحب بالإستثمارات الخارجية إلا أنها ليست للبيع. جاء ذلك رداً على تصريحات للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ألمح فيها إلى احتمال شراء واشنطن للجزيرة حيث يعتزم الرئيس ترامب زيارة الدنمارك في سبتمبر/أيلول المقبل (2019) وسط تقارير عن أنه طلب من مستشاريه البحث في فكرة شراء الجزيرة التي توجد بها بالفعل قاعدة جوية أمريكية.
لم يكن الرئيس ترامب أول من فكر في شراء هذه الجزيرة، فالفكرة تعود إلى ستينيات القرن التاسع عشر عندما كان أندرو جونسون رئيساً للولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، يتحدث تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية، يرجع تاريخه إلى العام 1867، عن الأهمية الاستراتيجية لغرينلاند مع الإشارة إلى مواردها الواعدة، وأن فكرة الإستحواذ عليها “مثالية”.
لم يحدث تحرك رسمي حتى العام 1946 عندما عرض هاري ترومان، الرئيس الأمريكي الأسبق، على الدنمارك 100 مليون دولار مقابل الجزيرة. وكان قد عرض في وقت سابق مقايضة أراضٍ في ألاسكا مع مناطق استراتيجية في غرينلاند.
تاريخياً، أقدمت الولايات المتحدة عدة مرات على شراء أراضي من دول أخرى. ففي العام 1803، اشترت ولاية لويزيانا، ومساحتها نحو 2 مليون كلم مربع، من فرنسا مقابل 15 مليون دولار. وفي العام 1867، اشترت ألاسكا من روسيا مقابل 7.2 مليون دولار. وفي العام 1917، اشترت جزر الإنديز الغربية من الدنمارك وأطلقت عليها إسم جُزر العذراء – Virgin Islands.
إن تفكير الرئيس ترامب في شراء غرينلاند يبيّن مدى سعي واشنطن الدائم لإمتلاك مناطق جديدة والتمدد فيها، على خلاف ما تنص عليه القوانين والأعراف الدولية، حتى وإن بدا الأمر منفصلا عن محاولات أمريكية قديمة من قبل رؤساء البيت الأبيض، إلا أن هذا العرض الأمريكي لم يبتعد تماماً عن تاريخ من التطلعات الأمريكية المتعاقبة صوب الجزيرة العملاقة.
رفض يوناني
من غرينلاند إلى الجزر اليونانية العديدة، المأهولة وغير المأهولة. إن الأزمة الإقتصادية القاسية التي تمر بها اليونان، والتي قلَّصت من قوتها الاقتصادية بنسبة 25% في السنوات العشر الماضية، دفعت حكومتها بإتجاه كل من الإتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بطلب تفعيل خطة إنقاذ تتضمن قروضاً لمساعدتها على تجنب خطر الإفلاس والتخلف عن السداد.
ولسد العجز والمديونية، إقترح بعض النواب الألمان على اليونان، في العام 2010، بيع بعض من جزرها غير المأهولة للحصول على أموال وتغطية العجز في ميزانيتها، حيث اعتبر كل من العضو البارز في حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي جوزف شارلمان، والخبير في السياسة المالية في الحزب الديموقراطي الحر، فرانك شيفلر، أن “بيع جزر وأصول أخرى يمكن أن يساعد اليونان على الخروج من أزمتها”، وعلى الدول التي تواجه الإفلاس “بيع كل ما تملك لتسديد حقوق الدائنين”.
إلا أن هذا العرض الألماني قوبل برفض يوناني آنذاك، حيث أكد رئيس الوزراء اليوناني الأسبق، جورج باباندريو، أن اليونان لا تحتاج إلى بيع بعض جزرها غير المأهولة للحصول على أموال وتغطية العجز في ميزانيتها. أما النائب ماركو فادرفيتز من حزب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، فقال: ”إذا بادر الاتحاد الأوروبي وبالتالي ألمانيا، إلى مساعدة اليونان ماليا، فعليها في المقابل الموافقة على ضمانات”، متابعاً ”بضع جُزر تكفي”.
عمل خيري
تعتبر جزيرة سقطرى أرخبيلاً يمنياً يتكون من أربع جزر على المحيط الهندي، قبالة سواحل القرن الأفريقي بالقرب من خليج عدن، وعلى بعد 350 كلم من جنوب شبه الجزيرة العربية. يشمل الأرخبيل جزيرة رئيسية وهي سقطرى وجزيرتين صخريتين صغيرتين، بحيث تعتبر سقطرى أكبر الجزر العربية واليمنية، ويبلغ طول الجزيرة 125 كلم وعرضها 42 كلم ويبلغ طول شريطها الساحلي 300 كلم، وعاصمتها حديبو.
هذه الأهمية الإستراتيجية، ولّدت اطماعاً من بعض دول الجوار اليمني. فبعد إعصاري “تشابالا” و”ميغ” اللذين ضربا جزيرة سقطرى وأحدثا دماراً هائلاً في بنيتها التحتية، دخلت دولة الإمارات إلى الجزيرة من بوابة الأمن مروراً بالخدمات والإتصالات وصولاً إلى القطاع السياحي، لتعود وتحولها إلى منطقة عسكرية مغلقة.
وللجزيرة أهمية إستراتيجية كبيرة لأنها تتحكم في مدخل خليج عدن من جهة المحيط الهندي وهذا يعني أن من يتحكم فيها يتحكم في خليج عدن وبالنظر إلى سيطرة الإمارات على الجنوب اليمني حيث باب المندب وإقامتها قواعد عسكرية في القرن الإفريقي فإن الأمر يتعلق بمخططات واسعة للسيطرة على عدة مواقع في ممر بحري لا تخفى أهميتها الإستراتيجية.
زاد الوجود الإماراتي في الجزيرة من حدة التنافس بين الرياض وأبو ظبي على تقاسم النفوذ في اليمن، في وقت تخطط فيه أبو ظبي لبقاء دائم فيها. يأتي ذلك بعد ورود معلومات تتحدث عن استئجار الإمارات لجزيرتي سقطرى ومميون اليمنيتين لمدة 99 عاماً وذلك من خلال عقد آجار وقعه الرئيس اليمني المستقيل، عبد ربه منصور هادي.
غير أن هذا الوجود، تسبب في نقمة شعبية تجسدت في تظاهرات ضد الوجود الإماراتي في الجزيرة، حيث اعتبر المتظاهرون بأن أبو ظبي تسيطر على كل من مطار وميناء الجزيرة، وذلك عقب إرسالها قوات عسكرية إليها.
ومن المؤكد أن “الشهية” الإماراتية المفتوحة للإستحواذ والسيطرة تأتي ضمن خطة إستراتيجية لتوسيع انتشارها العسكري من لدن مضيق هرمز مروراً بسواحل اليمن، في بحر العرب وخليج عدن، وصولًا المخا ومضيق باب المندب وحتى سواحل القرن الإفريقي لا سيما إريتريا، حيث تشير العديد من التقارير إلى إستئجار الإمارات لميناء عصب، بالإضافة إلى بناء ميناء عسكري ومعسكر ومدرج للطائرات الحربية شمال عصب في منطقة مكعكا، مما يعني أنها تريد إيجاد وصلة ما بين قواتها المنتشرة في تلك المناطق.
هذا التواجد، يجعل من الإمارات العضو الحادي عشر لمجموعة حصرية من الدول ذات القدرات العسكرية المتمركزة بشكل دائم خارج حدودها، فضلاً عن منحها سيطرة على واحدة من أكثر الطرق البحرية الإستراتيجية في العالم.
إذاً، يبدو أن السيطرة على الممرات البحرية، من خلال تملّك الجزر المطلة والواقعة على أهم تلك الممرات، هو هدف قديم – جديد تسعى إليه الدول العظمى والغنية للتحكم بحركة الملاحة العالمية إلى جانب الموارد المكتشفة في الكثير من الجُزر والتي زادت من حدة التنافس والأطماع ما قد يولد تنافساً مستقبلياً تحت مسمى “حرب الجُزر”.
مصدر الأخبار: وكالات.
مصدر الصور: Observer – حضرموت 21.