إعداد: مركز سيتا
قامت القوات الأمريكية، المتمركزة في سوريا، بإنشاء مطار عسكري مؤخراً تابع لقاعدتها غير الشرعية بمنطقة “حقل العمر” النفطي، بريف مدينة دير الزور الشرقي، في خطوة اعتبرتها دمشق أنها تصعيدية، إضافة إلى التدعيم المستمر لقواعدها غير الشرعية المنتشرة في منطقة الجزيرة.
إن إنشاء مطارات عسكرية جديدة يفند مزاعم الإدارة الأمريكية التي جاءت ضمن تصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية – البنتاغون، جون كيربي، بقوله إن العسكريين الأمريكيين المنتشرين في شمال شرق سوريا موجودون لدعم المهمة ضد تنظيم “داعش” وليس لمد يد المساعدة إلى شركة خاصة تسعى لاستغلال الموارد النفطية للبلاد ولا إلى موظفي هذه الشركة أو إلى وكلائها.
خريطة الإنتشار
تنشط القوات الأمريكية، المتواجدة في سوريا، بالقرب من المناطق النفطية الأساسية في منطقة الجزيرة السورية والمعابر الحدودية مع العراق، وهذا على صعيد القواعد العسكرية؛ أما فيما يتعلق بالمطارات العسكرية الأمريكية، فهي تنتشر ضمن المنطقة ذاتها حيث تملك واشنطن قاعدتين جويتين في منطقة الرميلان بمحافظة الحسكة شمال غرب البلاد، وتم إنشاؤهما العام 2015، والثانية في بلدة خراب عشق جنوب غربي مدينة عين العرب – كوباني في ريف حلب، في الشمال الغربي من البلاد.
هاتان القاعدتان الجويتان، كبيرتان بقدرٍ كافٍ لاستقبال طائرات شحن ضخمة، فيما لا تستخدم القاعدة في خراب عشق إلا لهبوط المروحيات العسكرية. قاعدة رميلان تعتبر نقطة مهمة تجري عبرها إيصال المساعدات العسكرية لقوات سور يا الديمقراطية – “قسد”، فيما يأتي جزؤها الآخر عبر الحدود السورية – العراقية.
في محافظة الحسكة، شمال شرق سوريا، لدى الولايات المتحدة 4 قواعد عسكرية، والأحدث منها تقع في بلدة تل بيدر شمال المحافظة، أما الموقع الثاني الذي تم إنشاؤه فيقع ضمن منطقة الشدادي جنوب الحسكة، وتعتبر هذه القاعدة ثاني أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة بعد قاعدة التنف جنوب سوريا. ومن المهم جداً التذكير هنا بأن كل القواعد التي أنشأتها واشنطن ليست بموازاة قاعدة “عين ديوار” في المالكية قرب تل علو بريف اليعربية المتاخمة للحدود العراقية. فبعد أن أعدت العدة لتجهيزها، وأدخلت العتاد اللازم لها، توقف العمل بها مؤخراً.
• قاعدة التنف
تعد قاعدة التنف جنوب سوريا من أكبر القواعد الأمريكية تجهيزاً، فضلاً عن توسطها المنطقة الداخلية السورية، ووقوعها عند المثلث الحدودي السوري – العراقي – الأردني، وبالقرب منها هناك مخيم الركبان الواقع في المنطقة الحدودية مع الأردن من الجهة السورية، ويمتد على طول 7 كلم، بين البلدين، هو مخيم عشوائي ويضم حالياً قرابة 45 ألف نازح سوري، وبحسب المعلومات أن قسم كبير فيه بحكم المحتجز إذ لا تسمح القوات الأمريكية لهم بمغادرته. أما القسم الآخر منهم، فيعتبر من المنتمين لتنظيمات إرهابية مختلفة، أعيد تشكيلهم وضمهم إلى تنظيم “داعش”، وتدريبهم داخل قاعدة التنف، حيث تنشط هجمات التنظيم في منطقة البادية السورية انطلاقاً من تلك البقعة الجغرافية.
ففي وقتٍ سابق من العام 2020، تم إلقاء القبض على مجموعة إرهابية؛ وبموجب الاعترافات، تبين أنها كانت تقيم في مخيم الركبان وتلقت تدريباتها في القاعدة الأمريكية التي حددت لهم الإحداثيات لضرب مواقع الجيش السوري، وهذا من جهة.
من جهة أخرى، تعتبر هذه المنطقة صلة وصل حيوية بالنسبة لسوريا وربطها مع إيران والعراق، وبالسيطرة الأمريكية عليها، فقد ضمنت الأخيرة قطع الطريق البري طهران – بغداد – دمشق، وطريق طهران – دمشق – بيروت عبر بغداد، لتكون الغاية قطع الطريق التجاري المغذي لتلك الدول من خلال عاملين، التواجد الأمريكي في المنطقة، إضافة إلى وجود تنظيم “داعش” وسط البلاد، فهذه الغاية الأهم لقيام قاعدة التنف في البلاد.
أما الغاية الأخرى فهي مراقبة خط النفط الواصل من العراق إلى مصر عبر الأردن، وهو مشروع قد يبدأ العمل فيه قريباً بعد تجميده لمدة ثلاثة عقود.
• قاعدة الشدادي
تعتبر ثاني أكبر قاعدة أمريكية في سوريا، كما أسلفنا آنفاً، وفيها مهبط مروحيات قتالية. تم إغلاقها مؤخراً بسبب تفشي فيروس “كورونا” بين الجنود الأمريكيين، إضافة إلى قرار أمريكي سابق بتوسعتها لتأمينها، بعد هبوط اضطراري لإحدى مروحياتها، وإصابة الطاقم، دون ذكر الأسباب من الجانب الأمريكي، لكن مصادر ذكرت أن هناك من استهدف المروحية ما دفع واشنطن إلى تأمين تلك القاعدة مؤخراً.
هذا الحدث يأخذنا إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي أن الانتشار الأمريكي في منطقة شرق الفرات يعود لعدة عوامل منها أن منطقة الجزيرة السوري تضم كبرى الحقول النفطية، مثل حقل العمر وحقول الرميلان والتنك وكونيكو، وأراضيها الخصبة التي تعد مكاناً مناسباً جداً لزراعة القمح الذي كان يشكل الأمن الغذائي القومي لسوريا؛ وبوضع اليد الأمريكية عليه (أو إحراقه عمداً كما حدث أبان عهد الرئيس السابق دونالد ترامب) وتدريب عناصر قسد لحراسة المنشآت النفطية، كلها عوامل دفعت بنقل القمح والنفط عبر معبر الوليد إلى العراق وبيعه بعد إدخال شركات تولت هذه المهام بالتعاون مع تنظيم “قسد”.
• قاعدة عين ديوار
تقع هذه القاعدة بريف المالكية التابع لريف الحسكة في الشرق السوري، بالقرب من صوامع تل علو، وتكمن أهمية هذه المنطقة لوقوعها عند المثلث الحدودي السوري – العراقي – التركي. أيضاً وكما أشرنا أعلاه، تم تأجيل العمل بها مؤقتاً، لكن الإطباق على هذه المنطقة (التي تصل منطقة المالكية أو ما تعرف بإسم “ديريك” باللغة الكردية) يعنبر مهماً جداً نظراً إلى أنها تعتبر امتداداً لمنطقة كردستان – العراق، ومتصلة جغرافياً بها، حيث سبق أن أعلنت تركيا عن عملية عسكرية، تمتد من منطقة ديريك حتى جبال سنجار للقضاء على عناصر إرهابية تتبع لحزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابياً في أنقرة، لكن تم وقف العملية لأسباب لم تُعرف بعد.
وبالعودة إلى الغاية الأمريكية من هذه المنطقة، يمكن القول بأنها تستطيع من خلالها إبتزاز ثلاث دول في آن واحد مستقبلاً فيما إذا تكرر موضوع الانفصال الكردي عن العراق وسوريا وتركيا؛ على الأقل ومن ناحية مبدئية، تستطيع واشنطن المناورة في هذا المجال بحسب وعودها المقدمة لحلفائها الكرد، هذا من ناحية. من ناحية أخرى، تعتبر هذه المنطقة قريبة من أربيل حيث يسهل نقل عناصر أمريكيين ومغادرتهم من وإلى سوريا، إلى جانب أن التواجد العسكري السوري في المربع الأمني بمدينة القامشلي مع القاعدة الجوية الروسية في مطار المدينة ذاتها حيث ستصبح حركة الطائرات الروسية مقيدة لوجود الأمريكيين في أكثر من بقعة محيطة بها؛ أيضاً، ستشكل هذه المنطقة ورقة ضغط على إيران من خلال تقييد تحركات فصائل “الحشد الشعبي” الموالية لطهران على الحدود السورية – العراقية.
أخيراً، إن الوجود الأمريكي في سوريا يقوض أية عملية سياسية مرتقبة لتسوية سورية شاملة. هذا الوجود هو عبارة عن تصعيد أمريكي واضح، لا سيما بسيطرته على أهم منطقة جغرافية في البلاد وربط مصالحه في كل من العراق وتركيا بعضها بعضاً. لكن ما يعني واشنطن هنا هو العراق بالمقام الأول، وإحكام السيطرة على المنطقة بهدف إخراج إيران من المعادلتين السورية والعراقية.
إن تصحيح هذا الوضع غير ممكن على المدى المنظور، فهو مرتبط بمآلات ما سينتج عما ستتوصل إليه الإدارة الأمريكية في مسألة الملف النووي، لكن المؤشرات تشير إلى أن الوجود الأمريكي في سوريا دائم، في هذه الفترة على أقل تقدير، من أجل إخراج روسيا من الشرق أو أخذ حصة من “الكعكة” السورية (في حال التوافق على إيجاد حل ما للأزمة)، والإطباق على كل المنافذ التي تشكل متنفساً اقتصادياً لكل من بغداد ودمشق، وبالإضافة إلى هدف عسكري وهو إبقاء قواتها موجودة على الأراضي العراقية أطول مدة ممكنة، خاصة وأن موعد خروجها قريب في مايو/أيار 2021.
مصدر الصور: الأيام البحرينية – أرشيف سيتا.
موضوع ذا صلة: المواجهة الكبرى في الشرق السوري