تتواصل تعقيدات المشهد السوري رغم جائحة “كورونا” العالمية، إذ لم تتوقف الدول المهيمنة على هذا الملف، من الناحيتين السياسية والميدانية، من التوقف عن تأجيج الأزمة وتصعيدها بعد ما يقارب العشر سنوات من عمر الحرب التي طالت وأضرت بالشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه.
تصدير الأزمات
لا تزال الولايات المتحدة تهيمن على القرار العالمي رغم ما تتعرض له مؤخراً، فيما يبدو أنه هروب من أزماتها الداخلية عبر تدمير الخارج، وخاصة سوريا وليبيا، إذ تضاعفت مؤخراً الأرتال العسكرية الأمريكية بإتجاه الشرق السوري قادمة من العراق عبر معبر الوليد غير الشرعي، محملة بمعدات ثقيلة وخفيفة.
أصبح هذا المشهد شبه يومي تحت عنوان “تعزيز أمن القواعد العسكرية” في المنطقة، غير أن الواقع يؤكد بأن المسألة أكبر من تأمين القواعد ليتعداه إلى التحضير لعمل عسكري ما في ضوء الإستفزازت الأخيرة من جانب القوات الأمريكية لحواجز الجيش السوري في تلك المنطقة ضمن محاولة واضحة لفتح باب معركة محدودة تستطيع واشنطن إستثمارها لصالحها لتحقق الهدف المرتقب الذي تعمل عليه.
لذلك، كثرت التحليلات التي تتحدث عن إنسحاب أمريكي مرتقب من سوريا والتوجه إلى أفريقيا، من خلال التدخل المباشر في الملف الليبي، و”شيطنة” روسيا في جملة من الملفات، آخرها إتهامها بإدخال مقاتلات حربية من طراز “ميغ – 29” إلى الأراضي الليبية، بحسب بيان نشرته القوات الأمريكية العاملة في أفريقيا “أفريكوم”. إلا أن ذلك يقودنا لإستنتاج أن المحاولات الأمريكية هدفها إلهاء كل دولة قوية على حدى، فمشاكلها مع الصين أصبحت واضحة الآ وهي قطع العلاقة الروسية – الصينية التي وصلت إلى حدود أن أقلقت الإدارة الأمريكية، فضلاً عن تنامي قوة وقدرة بكين الإقتصادية في السنوات الأخيرة. بالنسبة إلى إيران، الملفات كثيرة.
من خلال كل ذلك، تكون واشنطن قد زرعت نفسها في صلب “طريق الحرير” لمنع أي مشروع يجعلها خاسرة على المدى المنظور والبعيد؛ فبالنظر إلى الخرائط الإقتصادية أماكن تواجد القواعد الأمريكية، يمكن القول بأن وجود أمريكا في أفغانستان والخليج والآن سوريا، مع سهولة إستخدام أراضي كل من تركيا وإسرائيل، وبذلك ستشكل دمشق حلقة الوصل لتخريب ما أمكن من المشاريع الحيوية العالمية في المستقبل.
تنافس أمريكي – روسي
مؤخراً، إجتمع عدد من المسؤولين الروس، للمرة الثانية، مع بعض العشائر في الشرق السوري ضمن محاولة لإنشاء جيش عشائري رديف للجيش السوري لخوض معارك مستقبلية ضد التواجد الأجنبي وهو ما يعد “أمراً متوقعاً”.
مؤخراً أيضاً، وقعت عدة هجمات نفذها بعض عناصر قوات سوريا الديمقراطية – “قسد”، المدعومة أمريكياً وحتى بالقوات الأمريكية نفسها، دون تبني أية جهة لهذه الهجمات رسمياً، حيث سارعت واشنطن على الفور لشراء العشائر وإستمالتهم إلى صفها، وهو أمر لم يلقى قبولاً منها إذ أن العقلية الأمريكية لا تعرف طبيعة الشعب السوري وتركيبته العقائدية التي جعلت منه مقاوماً على مر العصور.
بالتالي، تحركت “قسد” في الإتجاه المؤاتي لواشنطن من خلال التضييق على المدنيين في مناطق سيطرتها، وهذا التضييق أتخذ صوراً عدة منها تنفيذ العديد من الإعتقالات أو فرض الحظر الإجباري، مروراً بعدم إجراء الفحوصات اللازمة للمشتبه بإصابتهم بفيروس “كورونا”، وصولاً إلى إحتفاظ “قسد” بالقطع الأجنبي لعدم إدخاله إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية.
إستنفاذ الفرص
بعد فشل العديد من تلك الخطط، لجأت “قسد” إلى الإجتماع بالعشائر؛ وبحسب التصريحات فإن الإجتماع كان جيداً حيث قالوا إن دمشق غير منفتحة على الحوار، ما يؤكد أنهم يقومون بكل خطوة تضر سوريا لأن دمشق، في الواقع، لطالما رحبت بجلسات الحوار ووازنت بين مطالب جميع مكونات شعبها، وهذه حقيقة لا إنكار أو تشكيك فيها.
وكما أسلفنا أعلاه، فإن الهجمات الأخيرة، لعلها من سكان مناطق الجزيرة السورية، تؤكد على بدأ المقاومة ضد الوجود الأجنبي بكل أشكاله، خاصة بعد محاولة تركيا تغيير التركيبة السكانية من خلال تهجير الأهالي والتعزيزات العسكرية لكل من واشنطن وأنقرة، وهو ما يؤكد على أن هذا اليوم آتٍ لا محالة.
من هنا نفسر كثرة الإعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، وكأنه إنذار خطر ليقينهم بأن الحرب الكبرى آتية، وحينها لن يكون الشرق أو الجنوب، الذي عاد محور واشنطن للعبث فيه مجدداً سواء بإستهداف مواقع الجيش السوري وإغتيال عناصر منه في ريف درعا أو حتى اقتتال الإرهابيين فيما بينهم، في مأمن في حين أن كل هذه المؤشرات تؤكد بأن الدولة السورية تتحين الوقت المناسب لإنهاء هذا الأمر لكنه ليس بالأمر الهين خصوصاً مسألة إفشال مخططات البيت الأبيض دون أن تكون أمريكا رابحة في موقعٍ ما، وهذا قد يتحقق إن نجحت السياسة على حساب الميدان وهو أمر مشكوك فيه.
أخيراً، تبقى الحقيقة الثابتة أن خروج الولايات المتحدة من المعادلة ليس يسيراً، ولكن حياة الجنود الأمريكيين ستشكل منعطفاً هاماً في أخذ القرار خصوصاً في هذه الفترة بالذات ومع إقتراب الإنتخابات الأمريكية التي قد يستخدمها المرشحون الرئاسيون كورقة في وجه الرئيس دونالد ترامب، الذي يعاني أصلاً من أزمات داخلية كثيرة ويعمل على الخروج منها بأية وسيلة.
أيضاً، إن خروج القوات الأمريكية، دون سابق إنذار، قد يعيد تنشيط تنظيم “داعش” من جديد لكي تحقق أهدافها بطريقة غير مباشرة، وهو ما رأيناه في العراق وعلى الحدود المشتركة بين البلدين حيث بدأ هذا التنظيم بالعمل مجدداً، ناهيك عن التواجد العسكري التركي والقوات الإنفصالية، بجناحيها السياسي والعسكري. إن القادم من الأيام سيكشف الخيط الأبيض من الأسود، وغداً لناظره قريب.
*المدير التنفيذي في مركز سيتا.
مصدر الصور: موقع فضاء حلب – أرشيف سيتا.
موضوع ذا صلة: الجزيرة السورية.. إنفجار وشيك؟!