يتمتع حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، منذ العام 2002، بأكثر من ميزة وفرصة حزبية وسياسية ترفده باستمرار ليتقدم بفارق كبير على أقرب منافس له على السلطة. هذا ما تقوله غالبية شركات استطلاعات الرأي التركية حول أن الحزب ما زال الأوفر حظاً للبقاء في الحكم خصوصاً بعد اتفاقه السياسي مع حزب “الحركة القومية” تحت سقف تحالف الجمهور. إجماع آخر على أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هو المرشح الأوفر حظا للفوز في أية انتخابات رئاسية قريبة تشهدها البلاد. فالذي قد يقلب المعادلات ويغير هذه التوقعات هو ليس احتمال اجتراح المعارضة للمعجزات بل القرارات والسياسات الخاطئة التي قد يرتكبها الحزب وفشله في مواجهة الأزمات الاقتصادية والمعيشية والسياسية الداخلية والخارجية التي تطارد تركيا منذ عامين.

عقد حزب “العدالة والتنمية”، قبل أيام، مؤتمره السابع وانتخب الرئيس أردوغان رئيساً له مرة أخرى. بين أهم النتائج عودة بن علي يلدرم، الذي كان في الاستراحة القسرية نائباً للرئيس، جنباً إلى جنب مع نعمان كورتولموش، الذي كان يتفرد بهذا المنصب. مركز قرار حزبي يتوسع من 50 إلى 75 مقعداً بينهم 18 سيدة ومراعاة للكثير من التوازنات العرقية والسياسية والفكرية إلى جانب عدم إهمال حصص الأقليات. الحزب يريد أن يكون جاهزاً لانتخابات يونيو/حزيران 2023 التي ستنقل تركيا إلى بداية مئويتها الثانية في عهد الجمهورية. يريد البقاء في السلطة مدعوماً من قبل حليفه وشريكه، حزب “الحركة القومية”، ويريد أن يعد دستوراً جديداً للبلاد ويريد التصالح مع الكثيرين في الخارج.

تحدث الرئيس أردوغان مطولاً عن إنجازات الحزب، منذ العام 2002 وحتى اليوم، وذكّر بالمشاريع الجديدة التي يعد لها في العامين المقبلين. لكنه توقف أيضاً عند “الذين شغلوا تركيا بمشكلاتها الداخلية على مدى القرنين الماضيين، وأبعدوها عن التغيرات الجذرية، لن ينجحوا في محاولاتهم المتجددة”. وكرر على مسامعهم مرة أخرى بأن “تركيا أثبتت مراراً مقاومتها للصدمات عبر الهيكل الديناميكي لاقتصادها والانضباط المالي والتزام قواعد السوق الحرة”.

لا تفارق خطط ورسائل التجديد الحزب لحظة واحدة، وهذا ما فعله من خلال استبدال رؤساء فروع الحزب في أكثر من 50 مدينة تركية من أصل 81 مدينة. التجديد سببه الأول هو الخروج من أزمات الخسائر التي مني بها الحزب قبل عامين في الانتخابات البلدية وتراجع أصواته إلى نسبة 33%، وتجاوز مشكلة ارتدادات انشقاق قياديين معروفين، مثل أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان، والعمل على استرداد أصوات الإسلاميين التقليديين في حزب “السعادة” الذين ابتعدوا عنه، ومواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية داخل تركيا وخارجها.

هناك حقيقة تقول إن عودة آيا صوفيا مسجداً مرة أخرى واختيار شخصية إسلامية محافظة محسوبة على تيار أربكان في الرؤية المللية “المللي غوروش” لتقود الحزب في مدينة إسطنبول والانسحاب من اتفاقية المجلس الأوروبي لحقوق المرأة (إتفاقية إسطنبول) ودم وزاري جديد متوقع قد يزيد من فرص حزب “العدالة والتنمية” في استرداد الكثير من القواعد الحزبية والشعبية، لكن بالمقابل هناك الكثير من الأزمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والسياسية الداخلية والخارجية التي تنتظر الحلول قبل الذهاب إلى الصناديق مجدداً. حقيقة أخرى هي أن تجديد الكوادر في نظام رئاسي له خصوصياته قد يرضي الحزبيين ربما لكن العامل الأول والأهم يبقى شخصية ودور الرئيس أردوغان وخططه في الداخل والخارج في العامين المقبلين.

سيسعى حزب “العدالة والتنمية” لإقناع قواعده والناخب التركي أنه تلقى رسائل التغيير والتجديد التي طالبه به المواطن قبل عامين بعد الضربة القاسية التي واجهته في انتخابات البلديات وأنه بدأ ذلك عملياً من خلال قرارات مؤتمره السابع الذي عقده تحت شعار “ثقة واستقرار من أجل تركيا”. لكن القواعد الشعبية الداعمة للحزب تريد أكثر من ذلك: قرارات وخطوات عملية ملموسة تساعد على تجاوز المرحلة الاقتصادية والمعيشية والسياسية الصعبة التي تعيشها البلاد.

دون تخفيض مستوى الاحتقان والتوتر الحزبي والسياسي وإيجاد الصيغة المناسبة لتراجع التجاذبات الداخلية والضغوط الخارجية سيجد الحزب صعوبة في تحقيق ما يريده. لا بد من تجاوز خط المواجهة الإقليمية الذي يرسمه ال ئيس الأمريكي، جو بايدن، بالتنسيق مع بعض العواصم الأوروبية والإقليمية في مواجهة تركيا. الرئيس الأميركي الجديد يتصل مؤخراً برئيس الوزراء اليوناني ويتحدث عن تنسيق استراتيجي أميركي – أوروبي في شرق المتوسط لا بد منه لكنه يكتفي بالإشارة إلى أهمية الدور التركي في جنوب القوقاز والبلقان والوساطة التركية في أفغانستان.

سيناريو صعب من عندنا طبعاً. ما الذي كان سيفعله حزب “العدالة والتنمية” لو أن حليفه القومي لم يكن إلى جانبه أو قرر التخلي عنه؟ البديل الوحيد هو العودة إلى روح التأسيس في التسعينيات قبل الحديث عن العودة إلى سنوات الانطلاق، العام 2002. البحث الدائم عن الأعداء الذين يهددون تركيا ويتآمرون عليها، داخلياً وخارجياً، لا بد أن يواكبه ترجمة عملية سريعة للرُزم الإصلاحية التي أعلنها الرئيس أردوغان في الأسابيع الأخيرة.

يقول أحد أبرز قيادات الحزب إن 19 عاماً من التحضيرات والاستعدادات قد اكتملت وإن مرحلة التنفيذ بدأت للتو، لكن المواطن يريد أن يرى تحولاً إيجابياً في أرقام البطالة والغلاء والتضخم وأسعار صرف العملة والديون الداخلية والخارجية، بقدر ما يطالبه تحالف الجمهور بالوقوف إلى جانبه في مطاردة أعداء تركيا والمتآمرين عليها.

في 2 مارس/آذار (2021)، كانت رزمة حقوق الإنسان والحريات والإصلاحات القضائية تتصدر المشهد. أعقبها في 12 منه رزمة الإصلاحات الاقتصادية. وفي 20 الشهر نفسه قرار الانسحاب من “إتفاقية إسطنبول” لحقوق المرأة التي أشرفت أنقرة على على عملية التحضير لها. أما في 24 مارس/آذار، عقد المؤتمر السابع للحزب. شهر مارس/آذار وحده شهد الكثير من الحراك لكن القيادة السياسية تعرف أن تخفيض أرقام “كورونا” المفزعة وأرقام الدولار الذي عاد للارتفاع في مقدمة أولوياتها.

أوجز إبراهيم كالن، الناطق باسم الرئاسة التركية، تطلعات تركيا للمرحلة المقبلة بقوله “نحن أجيال استمعت لأكثر من قرن ونصف قرن لحكايات وبطولات الآخرين وتأثرت بها. حان الوقت لنكتب قصصنا بأنفسنا ونرويها لأبنائنا”.

إن حزب “العدالة والتنمية” بمفرده في الحكم لمرحلة جديدة قد يتطلب التجديد في قيادات الحزب، والتجديد في المناصب الوزراية، وتجديد في طاقم العمل الرئاسي. لكن التجديد في السياسات للخروج من أزمة أكثر من ملف سيكون المحرك والمقياس الأول بنظر 12 مليون حزبي يدعمون حزب “العدالة والتنمية”، منذ أعوام، ومثلهم من المواطنين الذين وقفوا إلى جانبه أمام الصناديق أكثر من مرة.

المصدر: ترك برس.

مصدر الصورة: العربي الجديد.

موضوع ذا صلة: ماذا تخفي دعوة أردوغان إلى وضع دستور جديد؟

د. سمير صالحة

أكاديمي تركي / عميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي – تركيا