بدأت الحكومة الهندية في اتخاذ خطوات من أجل تنويع مصادر إمداداتها من النفط الخام، وتقليل الاعتماد على منتجي الشرق الأوسط الذين يزودونها بحصة تقارب 65% من وارداتها النفطية السنوية. وتزعم نيودلهي أن سياسة “أوبك+” طويلة الأمد لخفض الإنتاج أضرت باقتصادها، إذ تسببت في ارتفاع أسعار الوقود بالنسبة للمستهلكين والأنشطة كثيفة الاعتماد على النفط.
وفي الآونة الأخيرة، انفتحت الهند على استيراد الخام من موردين جدد مثل غيانا والنرويج، بالإضافة إلى زيادة الكميات المشتراة من الموردين الآخرين على غرار روسيا والولايات المتحدة. ورغم وفرة المعروض النفطي في أماكن أخرى في أوروبا وإفريقيا وأمريكا الشمالية، تبقى خامات الشرق الأوسط أكثر جاذبية لمصافي النفط الهندية نظراً لانخفاض تكلفة الشحن، إضافة إلى ملاءمة درجته ونوعيته لطرق التكرير في المنشآت الهندية.
تطورات متسارعة
طلبت الحكومة الهندية، مارس/آذار 2021، من شركات النفط المملوكة لها، وعلى رأسها مؤسسة النفط الهندية وشركة بهارات بتروليوم، وشركة هندوستان بتروليوم، تسريع تنويع إمدادات النفط الخام وتقليل الاعتماد على الشرق الأوسط، وجاء ذلك بعدما اتفق تحالف “أوبك+” في الشهر نفسه على مواصلة تخفيضات إنتاج الخام، كما حثتها أيضاً على استخدام سلاح المفاوضات الجماعية للحصول على شروط مواتية في أسعار تسليم الخام.
وعلى مدار العقدين الماضيين، ظل منتجو الشرق الأوسط المصدر الرئيسي لاحتياجات الهند من النفط، وبحصة تراوحت بين 60% إلى 65% سنوياً من وارداتها من الخام. واستوردت الهند ما نحوه 2.6 مليون برميل/يومياً من الخام من الشرق الأوسط العام 2020 من أصل الواردات البالغة 4.1 مليون برميل/يومياً في العام الماضي.
وترى الهند أن سياسة “أوبك+” طويلة الأمد لخفض الإنتاج كان لها تأثيرات سلبية على اقتصادها، حيث فرضت حالة من عدم اليقين بشأن إمدادات الخام، علاوة على ارتفاع الأسعار الخام، مما أدى إلى تصاعد التحديات المالية التي تواجه المستهلكين والمصانع كثيفة الاستخدام للطاقة، وذلك في وقت يعاني الاقتصاد الهندي من مصاعب جمة بسبب جائحة “كورونا”.
وإلى جانب السابق، ترى نيودلهي أن تعاقدات استيراد النفط الحالية لا تصب في صالحها، حيث تشتري شركات النفط الهندية ثلثي مشترياتها بموجب عقود سنوية محددة المدة تفرض عليها شراء كل الكمية المتعاقد عليها، بينما لدى البائعين مرونة في خفض الإمدادات وفقاً للظروف السائدة، كما على المشتري دفع متوسط السعر الرسمي المعلن من قبل المنتجين، وليس السعر الفوري في السوق.
وفي تصريحات سابقة، عبّر المسؤولون الهنود عن أن الشروط السابقة لا تخدم الاقتصاد الهندي، وترفع أسعار الوقود للمستهلكين والصناعات كثيقة الاستهلاك للطاقة، مما يهدد الانتعاش الاقتصادي، وقال وزير النفط الهندي دارمندرا برادان، مؤخراً، أن بلاده ترغب في مرونة في تسعير أسعار الخام بالعقود، بالإضافة إلى ضمان الإمدادات ومرونة في الكميات المستهلكة أي بمعنى القدرة على تقليل الإمدادات أو زيادتها وفقاً للظروف الاقتصادية.
تحركات مختلفة
في الآونة الأخيرة، سرّعت الحكومة الهندية من جهودها لتنويع إمدادات النفط الخام، واتجهت لاستيراد الخام من موردين جديد وزيادة الكميات المتعاقد عليها من موردين خارج الشرق الأوسط. وأجرت مؤسسة النفط الهندية مناقصة لشراء شحنة بحجم 4 ملايين برميل من خام يوهان سفيردروب النرويجي سيجرى تسليمها قبل نهاية منتصف العام الجاري (2021)، ويضاف إليها شحنة أخرى بحجم مليون برميل استلمتها في سبتمبر/أيلول 2020.
وفي اتجاه آخر، تعاقدت شركة بهارات بتروليوم الحكومية على شراء 3 ملايين برميل من الخامات الأمريكية تسليم مايو/أيار 2021، لتزيد من واردات الهند من النفط الأمريكي. وكانت مؤسسة النفط الهندية، أكبر شركة تكرير في البلاد، قد تعاقدت على شراء ما يصل إلى 24 مليون برميل من النفط الأمريكي لتسليمها بين أكتوبر/تشرين الأول 2020 ومارس/آذار 2021.
كما تضع وزارة النفط الهندية على أجندتها زيادة مشترياتها من النفط من المنتجين بالقارة الإفريقية وذلك كما صرح وزير النفط الهندي دارمندرا برادان بقوله “من الممكن أن تلعب إفريقيا دوراً مركزياً إلى حد كبير بسبب قربها وعدم وجود أي نقاط اختناق في الشحنات العابرة”. وحالياً، تشتري الهند شحنات الخام من نيجيريا وأنغولا والجزائر وغيرها. ويدعم هذا التوجه الحضور الاقتصادي القوي للشركات النفطية الهندية بالدول الإفريقية، حيث تدير أصول النفط والغاز هناك بقيمة 8 مليارات دولار، على نحو قد يُؤمِّن لها الحصول على إمدادات الخام بشكل أيسر.
وفي خطوة إضافية، تواصلت الهند مع حكومة غيانا، الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية، لشراء شحنة مليون برميل من أجل اختبار النفط الخام في مصافيها، وفقاً لوزير الموارد الطبيعية في غيانا، فيكرام بهارات. وإذا ثبتت ملائمتها، سيجرى البلدان محادثات إضافية بشأن ترتيب طويل الأجل. ويأتي ذلك في ظل الروابط التاريخية والثقافية القوية بين البلدين، حيث ينحدر جزء كبير من سكان غيانا البالغ عددهم حوالي 750 ألف نسمة من أصل هندي.
حدود التنويع
على الرغم من وفرة العرض في أماكن أخرى، إلا أنه لا يمكن للهند التخلي نهائياً عن خامات الشرق الأوسط والإفراط في الاعتماد على الموردين الآخرين. وهنا، يلعب الشحن دوراً جوهرياً في إقبال المصافي الهندية على الإمدادات من الشرق الأوسط، حيث أن القرب الجغرافي بين المنطقتين يجعل الشحنات لا يستغرق وصولها للسوق الهندية من 4 إلى 5 أيام على الأكثر، بينما يستغرق نقل الشحنات من أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية إلى الهند ما بين شهر إلى شهرين.
علاوة على ما سبق، تظل خامات الشرق الأوسط الخيار الأكثر جاذبية لمصافي التكرير الهندية، حيث تفضل مصافي التكرير الحكومية والخاصة في الهند الخام المتوسط والثقيل من الشرق الأوسط بسبب قدرة مصافي التكرير على معالجة هذه الدرجات.
وفي ضوء المعطيات السابقة، يبدو أن اتجاه نيودلهي نحو زيادة مشترياتها للنفط من موردين آخرين خارج الشرق الأوسط يمثل تحركاً تكتيكياً قد تتلاشى آثاره مع تخفيف تحالف “أوبك+” سياسة قيود الإنتاج.
المصدر: مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.
مصدر الصورة: ميدل إيست أونلاين.
موضوع ذا صلة: تأثيرات المبادرة السعودية على أسواق النفط