إعداد: مركز سيتا
أعلن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، عن مبادرتي “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر”، مشيراً إلى أن المبادرتين سترسمان توجه المملكة والمنطقة في حماية الأرض والطبيعة.
هاتان المبادرتان تأتيان تعزيزاً للجهود البيئية القائمة في السعودية خلال الأعوام السابقة وفق “رؤية 2030″، ووجود رغبة جادة لدى المملكة لمواجهة ما تعانيه من تحديات بيئية تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض نسبة الأمطار وارتفاع موجات الغبار والتصحر، وكجزء من جهودها لتعزيز الصحة العامة ورفع مستوى جودة الحياة للمواطنين والمقيمين فيها، ورفع نسبة تغطية المحميات الطبيعية من 4% إلى ما يزيد عن 14% وزيادة الغطاء النباتي فيها بنسبة 40% خلال 4 أعوام.
قيادة الحقبة الخضراء
إن من أبرز المبادرات الطموحة التي تسعى إليها المملكة هي زراعة 10 مليارات شجرة داخل السعودية خلال العقود القادمة، بما يعادل إعادة تأهيل نحو 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، وزيادة المساحة المغطاة بالأشجار الحالية إلى 12 ضعفاً، لتصل مساهمة المملكة إلى أكثر من 4% من مستهدفات المبادرة العالمية للحدّ من تدهور الأراضي والموائل الفطرية، و1% من المستهدف العالمي لزراعة ترليون شجرة.
في هذا الخصوص، قال ولي العهد السعودي “بصفتنا منتجاً عالمياً رائداً للنفط ندرك تماماً نصيبنا من المسؤولية في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ، وإنه مثل ما تمثل دورنا الريادي في استقرار أسواق الطاقة خلال عصر النفط والغاز، فإننا سنعمل لقيادة الحقبة الخضراء القادمة.”
المشروعان هما جزء من التزامات الرياض تحقيق المستهدفات العالمية تجاه الأرض والطبيعة، وهي التي لطالما اتُّهمت بالمساهمة في تلويثها لكونها أحد أبرز منتجي الوقود الأحفوري ومطلقي الكربون في الهواء، وهو ما أكد عليه ولي العهد.
تحديات بيئية
تواجه الدول الخليجية، والمنطقة العربية ككل، الكثير من التحديات البيئية، مثل التصحر، الأمر الذي يشكّل تهديداً اقتصادياً للمنطقة. فبحسب الإعلان السعودي، إن كلفة “العواصف الرملية على النطاقات المدنية تصل سنوياً إلى قرابة 13 مليار دولار”.
هذا الأمر، حذى بالأمير بن سلمان للقول إن “تلوث الهواء من الغازات المسببة للاحتباس الحراري يقدّر أنها قلّصت متوسط عمر المواطن بمعدل عام ونصف، وسنعمل من خلال مبادرة السعودية الخضراء على رفع الغطاء النباتي وتقليل انبعاثات الكربون ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي والحفاظ على الحياة البحرية.”
هذا المشروع الأخضر، بمجمله وفي إحدى أكثر مناطق العالم جفافاً، يأتي كجزء من مساهمة المملكة في الحملة الدولية لحماية المناخ. وتتوقع السعودية أن المشروع المحلي سيعمل على تقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من 4% من المساهمات العالمية، وذلك من خلال “مشاريع الطاقة المتجددة التي ستوفر 50% من إنتاج الكهرباء محلياً بحلول العام 2030″، إضافة إلى “مشاريع التقنيات الهيدروكربونية النظيفة التي ستمحي أكثر من 130 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، إضافة إلى رفع نسبة تحويل النفايات عن المرادم إلى 94%.”
مشاركة الخبرات
في التفاصيل، تتضمن مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر” القيام بـ “زراعة 40 مليار شجرة إضافية في المنطقة بالتعاون مع دول الإقليم”. وأوضح ولي العهد السعودي أن الـ 50 مليار شجرة التي ستزرع داخل البلاد وخارجها ضمن هذا المشروع، تُعدّ أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم، وتشكّل ضعف حجم “السور الأخضر العظيم” في منطقة الساحل الأفريقي الذي يعد “ثاني أكبر مبادرة إقليمية من هذا النوع”، حيث سيبدأ العمل على الدور الإقليمي بجوار المشروع المحلي، بالتنسيق مع دول مجلس التعاون الخليجي في المرحلة الأولى، ثم الانتقال إلى بقية دول المنطقة.
من خلال ما سبق، قال أحد المسؤولين السعوديين، الممسكين بملف الإصلاح الاقتصادي في البلاد، إن “حصة إنتاج الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط لا يتجاوز اليوم 7%، وإن التقنيات التي تستخدم في إنتاج النفط في المنطقة ليست ذات كفاءة، وستعمل السعودية مع هذه الدول على نقل المعرفة ومشاركة الخبرات، مما سيسهم في تخفيض انبعاثات الكربون الناجمة عن إنتاج النفط في المنطقة بأكثر من 60%”، مضيفاً أن “هذه الجهود المشتركة ستحقق تخفيضاً في الانبعاثات الكربونية بما يتجاوز 10% من المساهمات العالمية”.
بعد يوم من إطلاق المبادرة السعودية، باشر الأمير محمد بن سلمان اتصالاته مع 6 دول عربية للبدء في مشروع “الشرق الأوسط الأخضر”، وبحسب البيان الحكومي السعودي، إذ استعرض ولي العهد مع القادة العرب “أهمية المبادرة في مواجهة التحديات البيئية في المنطقة والعالم، ودورها في تحسين جودة الحياة والصحة العامة، وذلك لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالوضع البيئي في المنطقة والعالم”.
تنافس بيئي
في وقت متقارب، أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن عقد قمة تضم 40 من قادة العالم لمناقشة قضية تغير المناخ، أبريل/نيسان المقبل (2021)، ومن بين المدعوين إلى تلك القمة الافتراضية 17 دولة مسؤولة عما يقرب من 80% من الانبعاثات العالمية والناتج المحلي الإجمالي العالمي، وضمن ذلك الصين وروسيا، أيضاً تمت دعوة 4 ممثلين عن منطقة الشرق الأوسط، وهم: تركيا والسعودية والإمارات وإسرائيل.
اللافت أن الأمير بن سلمان أعلن عن مبادرته في اليوم الثاني لإعلان الرئيس بايدن عن قمة المناخ، إذ يرى محللون أنه لا يمكن استبعاد العامل السياسي من وراء المبادرة، خصوصاً في ظل توقيت الإعلان عنها وتزامنه مع إعلان الرئيس بايدن، الذي “تجاهل” ولي العهد السعودي ووجّه الدعوة لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز، على الرغم من أن الأخير هو الحاكم الفعلي للمملكة.
وفي هذا السياق، يرى بعض المراقبين أنه من الصعب استبعاد كون الإعلان عن “مبادرة الشرق الأوسط الأخضر” رسالة إلى الرئيس الأمريكي فحواها أن تجاهل الحاكم الفعلي للمملكة مسألة غير عملية، كما لا يمكن استبعاد تجاهل الرئيس الأمريكي في دعوته للحاكم الفعلي للإمارات ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد، وتوجيه الدعوة إلى شقيقه الشيخ خليفة بن زايد، رئيس الإمارات، رغم كون الأخير لا يشارك منذ فترة في أية فعاليات محلية أو دولية نظراً لظروفه الخاصة.
فيما يخص هذا الرأي، يمكن القول بأنه يفتقر إلى الكثير من الدقة بحيث أن الدعوة دائماً ما توجه إلى رئيس الدولة، ملك كان أم رئيس جمهورية، وذلك بحسب القوانين والأعراف الدبلوماسية المعول بها. وفي حال قبول الدعوة، يمكن لرأس البلاد الحضور شخصياً أو إنابة أحد لتمثيله؛ بالتالي، إنه من المنطقي جداً لا بل من الطبيعي توجيه الدعوة إلى العاهل السعودي ورئيس دولة الإمارات اللذين يمكنهما الحضور شخصياً أو إنابة أي ممثل عنهم للحضور. هذا من جهة.
من جهة أخرى، إن المشروع السعودي يعد جزءاً من مبادرة “السور الأخضر العظيم”، الممتد من الساحل الإفريقي وصولاً إلى حدود الهند، وهو مشروع قديم نسبياً هدفه حماية المناطق الخضراء من هجمات العواصف الرملية، أولاً، وزيادة نسبة الأراضي الخضراء، ثانياً، والتقليل من الإنبعاثات الكربونية بحيث يقوم هذ الغطاء النباتي بإمتصاص جزء كبير منها، ثالثاً، ناهيك عن الفوائد البيئية العامة، رابعاً وأخيراً.
في الخلاصة، إن زراعة 50 مليار شجرة ضمن 4 أو 5 بلدان، السعودية ضمناً، يمثل، حال تنفيذه، تحولاً إيجابياً كبيراً في قضية التغير المناخي في منطقة الشرق الأوسط حيث تعاني بلدانها من مستويات مرتفعة من التلوث والانبعاثات الكربونية في ظل الاعتماد شبه الكلي على الوقود الأحفوري، حتى الآن، وهذا في وقت يتجه فيه العالم إلى الصناعات النظيفية، لا سيما قطاع السيارات التي ستصبح إما بيئية كلياً أو هجينة (وقود وكهرباء).
أيضاً، يمكن أن تكون المبادرتان “رسالة” سعودية للولايات المتحدة بأنها دولة محورية لا يمكن تجاهلها، ولها سياساتها الخاصة في العديد من الأمور، ومنها البيئية، خصوصاً بعد “الفتور” في العلاقات بين الرئيس الأمريكي وولي العهد السعودي بسبب العديد من الملفات، لا سيما مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ومسألة الحريات العامة والديمقراطية وغيرها من الأمور.
مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.
مصدر الصور: جريدة الرياض – العربية.
موضوع ذا صلة: دول النفط ومستقبل الطاقات البديلة