مارك ضو

رفض المقاتلون الحوثيون، هذا الأسبوع، وقفاً شاملاً لإطلاق النار اقترحته السعودية كخطوة أولى لإنهاء 6 سنوات من حرب دمرت كل البنى التحتية لليمن. واشترط الحوثيون على الرياض، التي تقود التحالف العسكري الدولي منذ العام 2015، “وقف العدوان” ورفع حصارها الجوي والبحري الذي تفرضه على اليمن، مما تسبب في خنق البلاد اقتصادياً.

لكن الجار السعودي لم يقترح سوى “تخفيف الحصار” الذي يعرقل إيصال المساعدات الإنسانية للسكان الذين يعانون من مجاعة كبيرة ضمن ما وصفته الأمم المتحدة بـ “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”. وحسب المختصين، فاليد الممدودة من السعودية، التي اقترحت أيضاً إعادة إحياء محادثات السلام بين الحكومة اليمنية (التي تحظى بدعم من الرياض) والحوثيين (الموالين لإيران)، ترتكز على مبادرة سياسية هدفها إيجاد مخرج لإنهاء الأزمة بين الطرفين.

هذه المشاورات بدأت منذ حوالي عام، تحت غطاء الأمم المتحدة ثم الولايات المتحدة الأمريكية والتي تلعب دوراً مهماً في هذه المحادثات.

ومن بين نقاط التفاوض التي أدرجت في المحادثات، وقف إطلاق النار تحت إشراف أممي، إعادة فتح مطار صنعاء ورفع القيود الاقتصادية المفروضة على مرفأ محافظة الحديدة فضلاً عن إطلاق محادثات سياسية تشمل جميع اليمنيين.

رفض حوثي للرزنامة السعودية

وفي تغريدة على حسابه على “تويتر”، كتب بيتر سالسبوري، المحلل المتخصص في الشؤون اليمنية بالمجموعة الدولية لإدارة الأزمات، يقول “الشيطان يكمن في التفاصيل. السعوديون والحكومة اليمنية والحوثيون يقولون كلهم بأنهم يساندون هذه المبادرة، لكنهم لم يكفوا في الوقت نفسه من التجادل حول رزنامة المحادثات وتفاصيل كل نقطة مدرجة على طاولة المحادثات”.

ويجدر التنويه إلى أن الاقتراح السعودي الأخير (وقف إطلاق نار شامل) يحتوي على متغير بخصوص تقاسم الثروات الناتجة عن نقل النفط ومشتقاته إلى مرفأ الحديدة الاستراتيجي. ويرى المحلل بيتر سالسبوري أن “ثمة فكرة شائعة تقول بأن الحوثيين هم الذين يتوجب عليهم تقديم هذه التنازلات”.

لكن هذه الفكرة لا تلقى تقبلاً ولا رواجاً لدى الحوثيين الذين يتهمون السعودية “بتوظيف الأزمة الإنسانية لصالحهم”، فيما يدعونها إلى “رفع كل القيود والحواجز التي تحول دون عودة النشاط الاقتصادي والتجاري إلى مرفأ الحديدة ومطار صنعاء”.

هجمات على مرأب النفطية

من جهتها، أشارت المحللة سنزيا بيانكو، الباحثة في شؤون الخليج في المعهد الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى أن “السعوديين يعتقدون بأنه سيكون كافيا في حال فشلت مبادرتهم السياسية تحميل مسؤولية الفشل على الحوثيين وإيران”.

وأضافت “بالنسبة للسعودية، مطالب الحوثيين (إعادة فتح مطار صنعاء الدولي والاستفادة من المداخيل المالية التي تأتي من مرفأ الحديدة) ما هو إلا دليل بأنهم لا يرغبون في السلام في اليمن، بل أكثر من ذلك فهم يضعون أنفسهم في مأزق سياسي أمام الولايات المتحدة والأمم المتحدة”.

الحوثيون، من جهتهم، يعتقدون بأنهم يملكون القوة الكافية التي تجعلهم يرفضون الخضوع للرزنامة، خاصة وأن اليد الممدودة من الرياض تأتي في ظرف زمني تميز بارتفاع وتيرة هجمات الحوثيين ضد السعودية ومنشآتها النفطية. كما ازدادت أيضاً الهجمات الحوثية على مدينة مأرب الغنية بالنفط والتي تشكل المعقل الأخير للحكومة اليمنية في شمال البلاد.

رفع الحصار بالقوة؟

وفي حوار مع “فرانس 24″، الأسبوع الماضي، قال عبد المجدي الحناش، أحد المفاوضين الحوثيين في صنعاء، إن “موضوع مأرب هام بالنسبة لنا بسبب الحصار الذي يحرم اليمنيين من شراء الوقود والغاز بأسعار معقولة خاصة وأن غالبية السكان تشكو الفقر”، وتابع “طالما لم يرفع هذا الحصار لتمكين مناطق الشمال إلى الوصول إلى هذه المواد الأساسية (النفط والغاز…) سنسعى إلى رفعه (الحصار) بالقوة وهذا أمر شرعي وليس بالجديد”.

من جهتها، تنفذ السعودية بشكل شبه منتظم غارات جوية ضد الحوثيين لكي تمنعهم من إحراز تقدم على الأرض، فيما تخشى الرياض في نفس الوقت وقوع الحدود التي تتقاسمها مع اليمن تحت قبضة وتأثير إيران، عدوها الشيعي في المنطقة.

هل الولايات المتحدة وسيطاً محايداً؟

تسعى الولايات المتحدة إلى إنهاء النزاع في اليمن لأسباب إنسانية. وللوصول إلى هذا المبتغى، أعلن الرئيس جو بايدن عن سلسلة من القرارات؛ أولاً، وقف الدعم الأمريكي للتحالف العسكري الدولي تحت قيادة السعودية. ثانياً، سحب اسم الحوثيين من قائمة التنظيمات الإرهابية خلافاً عن سابقه دونالد ترامب الذي أضاف اسمهم إلى هذه القائمة قبل مغادرته البيت الأبيض.

هذه القرارات أزعجت السعوديين الذين يعتقدون بأن إيران تستخدم الحوثيين كورقة ضغط على الإدارة الأمريكية في وقت تعمل واشنطن على إحياء الاتفاق النووي، الذي أبرم مع طهران العام 2015.

وإلى ذلك، حث أنطوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، الحوثيين على إنهاء “هجماتهم والالتحاق بالسعوديين والحكومة اليمنية لإيجاد مخرج للأزمة والمشاركة بشكل جدي لبناء السلام”.

لكن المفوض الحوثي في صنعاء، عبد المجيد الحناش، شدد على أن المبادرات الدبلوماسية التي تقوم بها واشنطن لن تغير “اللعبة” بالنسبة للحوثيين، قائلاً إن كلاً من “الرياض وواشنطن تسعيان إلى فرض عبر المحادثات كل ما لم تتمكنان من الحصول عليه عبر السلاح. إنه أمر غير مقبول”.

هشاشة الوضع

أيضاً، قال الحناش إن “ثمة خلط وارتباك داخل إدارة بايدن. بعض المسؤولين في هذه الإدارة يدعون إلى إنهاء الحرب في اليمن حفاظاً على المصالح الأمريكية. وهذا قد يوحي ربما بأن الولايات المتحدة وسيطاً محايداً وبريئاً. لكن في الحقيقة واشنطن طرف مهم في النزاع والداعم الرئيسي للحرب في اليمن”.

وأضاف “لهذه الأسباب، نبقى حذرين وننتظر رؤية ما الذي ستقوم به الإدارة الأمريكية لوضع حد للاعتداء الذي يستهدفنا. أما المحادثات السياسية، فستأتي فيما بعد”.

وأوضح بيتر سالسبوري، المحلل المتخصص في شؤون اليمن في المجموعة الدولية لإدارة الأزمات، أنه “في النهاية، كل الجهات تستخدم الأدوات التي هي في يدها لضمان مصالحها ولتقوية موقعها قبل بداية المحادثات السياسية”.

فيما أنهى “الشيء الإيجابي هو أن كل هذا يعني بأن جميع الأطراف المتنازعة ستدخل في محادثات سلام. أما الجانب السلبي، فيكمن في هشاشة الوضع وإمكانية تنفيذ غارة جوية أو إطلاق صاروخ على الحوثيين لتتفجر من جديد عملية السلام ويتدهور الوضع بشكل سلبي”.

المصدر: فرانس 24 – تعريب: طاهر هاني

مصدر الصور: قناة الغد – الحرة.

موضوع ذا صلة: لما لا يسهدف الحوثيون الإمارات؟