ستنمو مصادر الطاقة المتجددة حول العالم، وسيزيد عدد السيارات الكهربائية بشكل كبير، إلا أن كثيراً من الأحلام ستتحطم على صخور الواقع. فما هو هذا الواقع؟ أدناه غيض من فيض.

أثر تعارض السياسات

الفكرة هنا أن كل دولة ستتوسع بقدر ما تستطيع في الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، حسب مصالحها، ثم تتوقف بعدها. حتى قادة التغير المناخي، مثل توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني سابقاً، اعترف بأن مشكلة التغير المناخي هي أن الدول ستضع مصالحها الاقتصادية أولاً. وهذا ما نراه فعلاً في أرض الواقع.

أضف إلى ذلك، التعارض بين السياسات الخارجية والأمن القومي وسياسات المناخ. الأمر الذي يعني عدم الالتزام بسياسات المناخ إذا ما تعارضت مع السياسات الخارجية والأمن القومي. فها هي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تمنع التنقيب عن النفط في الأراضي والمياه الفيدرالية، ولكن المحكمة الفيدرالية نقضت قراره! واتخذت إدارة بايدن هذا القرار في الوقت الذي تركز فيه السياسة الخارجية على التوصل إلى اتفاق مع إيران، الذي سيؤدي إلى زيادة إنتاج النفط الإيراني وتصديره! فهل النفط الأميركي ملوث للبيئة، بينما النفط الإيراني لا يلوثها؟

وعندما ضاقت الأحوال في ألمانيا وأصبحت إمدادات الكهرباء مهددة، ما يهدد النمو الاقتصادي ويؤثر في الناخبين، استخدمت ألمانيا مزيداً من الفحم.

وعندما اشتد الطلب على الكهرباء في السويد في الشتاء الماضي، شغلت السويد محطة كهرباء قديمة تعمل بالنفط. وعندما عانت النرويج من المشكلة نفسها، استوردت الكهرباء المنتجة من الفحم من بولندا. وعلى الرغم من التوجه الأخضر لحكومة الدنمارك، إلا أنها وافقت أخيراً على تمديد خط غاز في قاع البحر، لتأمين موارد الغاز والكهرباء في المنطقة.

نحن هنا لا نتكلم عن أي دول، نحن نتكلم عن ألمانيا والسويد والنرويج والدنمارك، قادة سياسات التغير المناخي في العالم!

وفي هذا السياق، نجد أن إدارة بايدن انتبهت أخيراً إلى مدى اعتماد سياسات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية على واردات المعادن النادرة من جهة، وعلى الصين من جهة أخرى. وهو أمر أشرت إليه في مقالات ومحاضرات عدة خلال السنوات الست الماضية. ونتج من هذا قرارات تتمثل في تخفيض الواردات من الصين عبر رفع الرسوم الجمركية وتشجيع الصناعات المحلية.

إلا أن تشجيع استخراج بعض المعادن اللازمة للطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، كأحد متطلبات الأمن القومي والاقتصادي، يتعارض مع سياسات محاربة التغير المناخي لأن عمليات التعدين مضرة بالبيئة من نواح عدة، وليس الكربون فقط.

أثر الطاقة المتجددة في النفط محدود

مهما كُررت هذه الفكرة فإن ذلك لا يكفي، وذلك لكثرة تكرار الفكرة الخاطئة في الفضائيات ومشاهير وسائل الاتصال الاجتماعي، أن الأوربيين والأميركيين يتوسعون في الطاقة المتجددة على حساب النفط. الحقيقة أنه لا توجد منافسة بين الطاقة المتجددة والنفط في الدول الصناعية والهند والصين، لأن نسبة النفط المستخدمة في توليد الكهرباء في هذه الدول لا تذكر.

عالمياً، نسبة الكهرباء المولدة من النفط، بما في ذلك في الدول النفطية، لا تتجاوز 5 في المئة، ولا يتوقع أن تنخفض هذه النسبة بشكل ملحوظ بسبب الزيادة المستمرة في الطلب على الكهرباء. وهنا، لا بد من تكرار أمرين، الأول أن الطاقة المتجددة ستستمر في النمو في العقود المقبلة، والثاني هو أن الطاقة المتجددة تحتاج دائماً إلى مصدر طاقة أحفوري للتغطية، طالما أن ليس هناك طرق كافية ورخيصة لتخزين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ومن ثم، فإن استمرار التوسع في الطاقة المتجددة يتطلب بناء محطات تعتمد على الوقود الأحفوري، خصوصاً الغاز. هذا الأمر لن يتغير إلا إذا بنيت محطات نووية جديدة.

وفي هذا السياق، هناك سؤالان، الأول هو لماذا تلجأ دول عدة حالياً إلى بناء عنفات الرياح والطاقة الشمسية في البحار، مع أنها أعلى تكلفة من تلك التي تبنى على اليابسة؟ والثاني، ما هي الحلول لتوليد الكهرباء في الدول التي تعتمد على الطاقة الكهرومائية التي ضربها الجفاف؟

الإجابة عن هذين السؤالين توضح مدى محدودية التوسع في الطاقة المتجددة من جهة، والحاجة المستمرة، على الرغم من سياسات التغير المناخي المتطرفة.

أثر السيارات الكهربائية محدود

تم تغطية هذا الموضوع في مقال الأسبوع الماضي بالتفصيل. خلاصة الأمر أن أثرها سيكون في نمو الطلب على النفط وليس الطلب على النفط، وسيستمر الطلب على النفط بالنمو. مثلاً، بدلاً من أن ينمو الطلب على النفط بمقدار 30 مليون برميل يومياً بحلول 2050، ينمو بمقدار 10 ملايين برميل يومياً فقط. هذا يعني أن السيارات الكهربائية خفضت استهلاك الوقود بمقدار 20 مليون برميل يومياً.

وكما ذكر في مقال الأسبوع الماضي، فإن أثر التحول إلى السيارات الكهربائية في تخفيض انبعاثات الكربون العالمية بسيط. وكان مما ورد في المقال الآتي: “ولكن المبالغات لا تتوقف عند هذا الحد. فقد تم تبني السيارات الكهربائية، وتقديم إعانات هائلة لتبنيها، بهدف تخفيض انبعاثات الكربون. لننظر إلى الأرقام، إذا قام الاتحاد الأوروبي بتغيير كل السيارات الحالية إلى كهربائية، وكل الكهرباء تأتي من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فإن ذلك سيخفض الانبعاثات العالمية بنحو 2 في المئة فقط! وإذا قامت الولايات المتحدة بتغيير كل سياراتها إلى كهربائية، فإن ذلك سيخفض الانبعاثات العالمية بمقدار 2.3 في المئة فقط. بعبارة أخرى، إذا تم تحويل كل السيارات في أوروبا والولايات المتحدة إلى كهربائية فإن ذلك سيخفض الانبعاثات العالمية بمقدار 4.35 في المئة فقط”!

هذا، يجب إعادة النظر في موضوع التغير المناخي، على الرغم من أنه مشكلة عالمية، إلا أن فكرة “الحل العالمي” مشكوك فيها الآن. ربما قد يكون الحل محلياً، الكل يريد تخفيض مستويات التلوث في المدن… والتكلفة محلية، ومن ثم يمكن أن يكون الحل محلياً، وتكلفته محلية. وإذا جمعنا كل هذه الحلول، فإن النتائج العالمية، قد تكون أفضل بكثير من اتفاقيات المناخ العالمية، التي أصبحت مجالاً للتندر بسبب عدد الطائرات الخاصة التي تستخدم لحضور هذه المباحثات والاتفاقيات.

أثر الدول النفطية غير المستقرة سياسياً

تمثل الدول النفطية غير المستقرة سياسياً جزءاً مهماً من العالم، سواء من حيث عدد السكان أو حجم اقتصاداتها إذا ما تم استغلال طاقتها كلها، وهذا يشمل نيجيريا وإيران والعراق وفنزويلا وليبيا وميانمار. وإذا أضفنا دولاً نفطية صغيرة، فإن هذا يشمل سوريا واليمن والكونغو وجنوب السودان.

الأمور المشتركة بين هذه الدول هي النفط وسيطرة الميليشيات، ومن ثم فإنه ليس هناك أي اهتمام بموضوع المناخ. ولا يمكن حل المشكلات في هذه الدول بسرعة لإعادة الاستقرار السياسي، لأن هناك توافقاً بين مصالح الميليشيات والدول الغربية، حل الميليشيات يعني وجود عدد كبير من الشباب المدرب عسكرياً من دون عمل. وجود هؤلاء العاطلين من العمل يعني مزيداً من القلاقل السياسية التي قد تتطلب تدخلاً عسكرياً غربياً، والغرب ليس لديه رغبة في ذلك. نتيجة ذلك ستكون موجات هجرة جماعية من الدول النفطية غير المستقرة سياسياً نحو الغرب، وليس أي شباب، بل فتيان مدربون عسكرياً. وهذا ما لا يريده الغرب.

وهنا، نجد تعارضاً آخر في المصالح، الغرب لا يريد أن تسوء الحال في هذه الدول، ولا يريد تدفق ملايين المهاجرين إلى أوروبا والولايات المتحدة. والحل استمرار وجود الميليشيات، على الرغم من سجلها الدامي في انتهاكات حقوق الإنسان، وعلى الرغم من عدم قدرة هذه البلاد على الالتزام بسياسات تحارب التغير المناخي. هذا يعني أن الغرب اختار التضحية بحقوق الإنسان… وبحقوق البيئة، مقابل مصالحه الاقتصادية! طبعاً، ليس هناك جديد، وهذه هي النقطة التي يجب أن نتذكرها كلما ذكر الغربيون تعبير “التغير المناخي”!

خلاصة القول إنه كلما زادت الضجة الإعلامية والسياسية حول التغير المناخي، كلما كان الواقع مخيباً للآمال.

المصدر: إندبندنت عربية.

مصدر الصور: أرشيف سيتا + رويترز.

موضوع ذا صلة: النفاق البيئي!

أنس بن فيصل الحجي

إقتصادي متخصص في مجال الطاقة