شريف أبو الفضل

جاء قرار المملكة العربية السعودية بالتخفيض الطوعي لإنتاجها من النفط بمقدار مليون برميل/يومياً، خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار 2021، إلى جانب استمرار الخفوضات التي تم الاتفاق عليها بين أعضاء تحالف أوبك+، 12 أبريل/نيسان 2020، باستثناء زيادة طفيفة في الإمدادات بناء على طلب روسيا وكازاخستان بمقدار 75 ألف برميل/يومياً، إلى ارتفاع الأسعار إلى مستوى أكثر من 55 دولاراً للبرميل، وهو ما يشير إلى تعزيز قدرة الأسواق على استيعاب الصدمات الناتجة عن عجز الطلب على النفط بسبب تفشي جائحة “كورونا”، وما سببته من إغلاقات اقتصادية ما تزال تشكل عائقاً أساسياً أمام أي تطور في الأسعار.

وبذلك يُصبح إنتاج النفط السعودي 8.125 مليون برميل يومياً من أول فبراير/شباط المقبل (2021)، كما أن الكمية التي ستسحب من سوق الإنتاج والبالغة 7.2 ملايين برميل/يومياً، يناير/كانون الثاني، ستخفض إلى 7.125 ملايين برميل، فبراير/شباط، ثم إلى 7.05 ملايين برميل، مارس/آذار، حسب ما تم الإعلان عنه في أول اجتماع وزاري لمجموعة “أوبك+”، العام الجاري 2021، وهو الاجتماع الذي سيعقبه اجتماع للجنة المراقبة الوزارية المشتركة في 3 فبراير/شباط، والاجتماع الموسّع للتحالف، في 4 مارس/آذار المقبل.

التعافي النسبي لمستويات الطلب

تشير العديد من التوقعات إلى تحسُّن في مستويات الطلب على النفط هذا العام، ربما إلى مستوى أعلى من 100 مليون برميل/يومياً، وهو مستوى ما قبل الجائحة. ومن هذه التوقعات، ما أشارت إليه مجموعة “سيتي” المالية ببلوغ سعر خام برنت 59 دولاراً للبرميل صعوداً من توقعات سابقة عند 54 دولاراً هذا العام، وبلوغ الأسعار نحو 61 دولاراً في الربع الأول من العام 2022. كما توقع بنك الاستثمار “غولدمان ساكس” إمكانية ارتفاع أسعار خام برنت إلى 65 دولاراً للبرميل، منتصف العام 2021، صعوداً من توقع سابق عند 65 دولاراً بنهاية العام.(1)

وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى انخفاض المخزونات النفطية العالمية بمقدار 100 مليون برميل، خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام 2021، في ضوء إجراءات خفض الإنتاج الأخيرة. وقد أشارت الوكالة إلى تراجع المخزونات في العام 2020، والتي وصلت ذروتها في شهر مايو/أيار مع إعادة تشغيل الاقتصاد بدرجات متفاوتة لدى بعض دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 48.9 مليون برميل عن مستوى المخزون خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهو المعيار الذي تستهدفه “أوبك+” لضمان استقرار أسواق النفط.

وكشفت بيانات حكومية أن طلب الصين ظل قوياً على النفط، العام 2020، على الرغم من أن جائحة كوفيد-19 قوَّضت الطلب على الوقود في بقية الأنحاء، إذ اشترت الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، 542.4 مليون طن من النفط الخام في 2020 أو 10.85 مليون برميل/يومياً، وهو ما يمثل زيادة 7.3%، على أساس سنوي.(2)

وفي السياق ذاته، كشفت بيانات عن ارتفاع واردات الهند من النفط، خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2020، إلى أعلى مستوياتها فيما يقرب من ثلاث سنوات إلى أكثر من 5 ملايين برميل/يومياً مع زيادة شركات التكرير لتلبية تعافي الطلب على الوقود. وأوضحت البيانات أن واردات الهند من النفط، ديسمبر/كانون الأول، زادت بنحو 29% عن الشهر السابق وبنحو 11.6% عن نفس الفترة خلال العام 2019، بعد أن ارتفع استهلاك الوقود، ديسمبر/كانون الأول، للشهر الرابع على التوالي إلى أعلى مستوى له في 11 شهراً.(3)

وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن الاستهلاك العالمي سوف يزيد بنحو 5.5 مليون برميل/يومياً هذا العام (2021)، وذلك في أعقاب انهياره غير المسبوق بمقدار 8.8 مليون برميل/يومياً خلال العام 2020، وأشارت الوكالة إلى أن التحسُّن في الطلب العالمي على النفط قد انعكس في ديسمبر/كانون الأول 2020، حيث خفَّضت الوكالة توقعاتها للربع الأول بمقدار 580 ألف برميل/يومياً، وتوقعاتها في 2021 بمقدار 300 ألف برميل/يومياً.(4)

إدارة بايدن وأسواق النفط

يأتي توقيع الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، على أمر تنفيذي من شأنه إلغاء تصريح خط أنابيب النفط “كيستون – إس.أل”، الذي يربط بين كندا (أكبر مورد منفرد للنفط للولايات المتحدة)، إلى جارتها الجنوبية، والذي كان من المتوقع أن يتدفق 830 ألف برميل من النفط الخام من خلاله، بالإضافة لما تشير إليه تقديرات بشأن عدم تسرُّع الإدارة الجديدة للبيت الأبيض في رفع العقوبات عن إيران، الأمر الذي قد يحرم الأخيرة من ضخ 2 مليون برميل نفط يومياً، ليدعم الاتجاه الصعودي للأسعار، وفقاً لما أشار إليه بنك الاستثمار العالمي “غولدمان ساكس” في تقرير له.(5)

وتوقَّع البنك أن حُزَم تحفيز أمريكية بنحو 2 تريليون دولار خلال العام الجاري (2021) والمقبل (2022) من شأنها أن تعزز الطلب على الخام بنحو 200 ألف برميل/يومياً، وهو ما حثَّت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، أعضاء مجلس النواب على اتخاذه للتخفيف من تداعيات جائحة “كورونا”. ولفت البنك إلى أن تراجع الدولار بعد هذه التصريحات ساهم أيضاً في صعود الأسعار، كما تطرق إلى خطط الإدارة الجديدة بوقف ترخيص التنقيب عن النفط في الأراضي الفيدرالية الأمريكية لمدة 60 يوماً، والتي من شأنها ترفع تكلفة الإنتاج على المدى الطويل بما يؤدي إلى المزيد من التوازن بين العرض والطلب في الأسواق العالمية.

قبلة حياة للنفط الصخري

أدى هذا التعافي في أسعار النفط، إلى منْح “قُبْلة حياة” لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة الذي يقدّر بثلث الإنتاج البري من النفط الخام الأمريكي، أي قرابة 4.5 ملايين برميل/يومياً، حيث تعاني شركاته من أزمات شديدة منذ مارس/آذار 2020، بسبب إجراءات الإغلاق العالمية التي اتخذتها الدول للحد من انتشار فيروس “كورونا” المستجد، وهو الأمر الذي سحق ما يزيد على ثلث الطلب العالمي على النفط والمقدر بنحو 100 مليون برميل/يومياً.

ويتميز إنتاج النفط الصخري بالمرونة الشديدة، والاستجابة السريعة لتقلبات السوق، ففي الوقت الذي تشهد فيه الأسعار بعض التحسن، يزيد نشاط شركات التنقيب عن النفط الصخري. وفي المقابل، يمكن تعليق الإنتاج حال انخفضت الأسعار عن تكلفة الإنتاج، وهي تكلفة شديدة الاختلاف بين تلك الشركات لأسباب عدة، وإن كان السعر الذي يمثل متوسط مناسب لإحداث زيادة واضحة في الإنتاج هو أن يبلغ سعر الخام الأمريكي أكثر من 50 دولار، أي أن يرتفع سعر خام برنت بمقدار أكثر من 60 دولاراً للبرميل.

وشهد إنتاج النفط الصخري طفرة في العام 2014. ففي أعقاب تحسن الأسعار بتلك الفترة، وصل معدل إنتاجه لما يقارب الـ 4.5 ملايين برميل/يومياً، وأحياناً تجاوز الـ 5 ملايين برميل، صعوداً من إنتاج كان يقدر بـ 500 ألف برميل، وهو ما حوَّل الولايات المتحدة تدريجياً لتصبح أكبر منتج للنفط الخام في العالم، بمتوسط إنتاج 13 مليون برميل/يومياً، وهي كذلك أكثر مستهلك للخام بمتوسط يومي في الوضع الطبيعي يبلغ 18 مليون برميل/يومياً. وتدل المؤشرات، إلى أن المشكلات التي تعاني منها شركات النفط الصخري الأمريكية، بالإضافة لعوامل أخرى تتعلق بأساسيات السوق من طلب وعرض، تجعل تكرار سيناريو العام 2014 صعباً ومستحيلاً.

فبحسب ما ذكرته وكالة “بلومبيرغ”، إن إنتاج النفط الخام الأمريكي الآن حول 11 مليون برميل/يومياً، ما يمثل 12% من حجم الطلب العالمي على النفط العام 2020، فيما ينخفض بنحو 2 مليون برميل عن أقصى معدلات الإنتاج التي وصل إليها مطلع العام 2020، ويصعب على خليج المكسيك في الولايات المتحدة العودة بمعدلات إنتاج النفط الصخري على ما كانت عليه في وقت قريب بسبب التدهور المالي الذي تتعرض له شركات إنتاج النفط الصخري بالتزامن مع تعهدها بضبط الإنتاج خلال الفترة المقبلة.

ووفقاً لما قاله ريك منكريف، الرئيس التنفيذي الجديد لشركة “ديفون إنرجي”، فإن “هناك صعوبة في عودة المنتجين الأمريكيين إلى نمو الإنتاج برقمين لعدة سنوات مقبلة”، ورأي منكريف هذا ليس الوحيد ولكنه ينضم إلى الرؤساء التنفيذيين لشركات النفط الصخري الذين دعوا إلى ضبط النفس بعدما أكد أن ارتفاعات أسعار النفط الأخيرة لن تقود لزيادة الإنتاج بغض النظر عن التكلفة كما حدث سابقاً.(6)

وتتزامن تصريحات منكريف مع ما قاله سكوت شيفيلد، الرئيس التنفيذي لشركة “بايونير للموارد الطبيعية”، وفيكي هولوب، الرئيس التنفيذي لشركة “أوكسيدنتال بتروليوم”، إذ دعيا إلى توخي الحذر بعدما دفع قرار السعودية المفاجئ بخفض الإنتاج خلال الشهرين المقبلين إلى رفع أسعار النفط. وأكدا أهمية التعلُّم من التدهور الكبير الذي تعرضت له الصناعة نتيجة سنوات من الإنتاج غير المنضبط، وما نتج عن ذلك من ضياع رؤوس الأموال التي لم يتبقَ منها سوى القليل لتأتي الجائحة وتزيد من خسائر المستثمرين.

وتعهد الرؤساء التنفيذيون الثلاثة، منكريف وشيفيلد وهولوب، بأن تحافظ الشركات على مستوى إنتاجها الحالي دون تغيير عن مستويات الربع الأخير من العام 2020، مؤكدين أن الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط الأمريكي، خام غرب تكساس الوسيط، في الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني 2021، والتي تخطت 50 دولاراً للبرميل للمرة الأولى منذ فبراير/شباط 2020، لن يغير من خطط الشركات، وأن الهدف هو خفض الديون.

ورغم ذلك، يبقى الخطر الذي يهدد أعضاء منظمة “أوبك” وحلفائها من المنتجين المستقلين في رغبة المديرين التنفيذيين لشركات النفط الصخري في استغلال ارتفاع أسعار النفط والعودة إلى استراتيجيتهم القديمة، وقدرتهم على التوسع في الاستكشاف وزيادة الإنتاج بسرعة، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة. وتأكيداً لذلك، قالت شركة “ريستاد إنرجي”، إنها ترى ارتفاعاً في إنتاج النفط الصخري الأمريكي خلال العام بسبب ارتفاع الأسعار بدءاً من النصف الثاني من العام 2020. وأشارت إسبين إيرلينجسن، رئيس قسم الأبحاث في ريستاد، إلى أن “هناك تزايد ملحوظ بدأ يظهر بالفعل، فقد ارتفع نشاط منصات الحفر الصغيرة 60% مقارنة بأدنى مستوى وصل إليه في أغسطس/أب من العام الماضي(2020)”.

خلاصة واستنتاجات

شهدت أسواق النفط مؤخراً تحسناً نسبياً في مستويات الطلب، ما أدى إلى حصول تحسن نسبي في الأسعار بشكل ربما لم تشهده الأسواق منذ ما يقرب عشرة أشهر، وهذا الاتجاه الصعودي قد يفتح شهية مُنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة لمزيد من الإنتاج، وضخ المعروض في الأسواق، الأمر الذي يحد من التطور في أسعار النفط حتى في حالة توازن قوى السوق، وبما يشكل “سقفاً ناعماً” للأسعار. لكن هذه المرة، فإن شركات النفط الصخري غارقة في مشكلاتها التي خلفها تدهور الأسعار العام 2020 بسبب جائحة “كوفيد – 19″، لذا فإن إنتاجها سيكون محكوماً.

مع ذلك، ورغم محدودية تأثير عامل النفط الصخري على الأسعار، ومع مراعاة أن نسبة امتثال “أوبك” وحلفاءها المستقلين من خارجها تصل إلى أكثر من 100% لدى بعض الدول وعلى رأسها السعودية، إلا أن واقع الأسواق لا يبشر بزيادة كبيرة في الأسعار خلال الفترة المقبلة، نظراً لعودة الإغلاقات الاقتصادية لكثير من الدول بما فيها الصين والهند، والضبابية بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، والمخاوف المتعلقة بمحاولات بعض الدول التملّص من التزاماتها، كما هو حال نيجيريا، وهذا الأمر سيحافظ على الأسعار في نطاق من 50 إلى 60 دولاراً للبرميل.

المراجع:

1. https://bit.ly/2Nxa8mq
2. https://bit.ly/3odC2AA
3. https://bit.ly/39cQoNi
4. https://bit.ly/36adS3E
5. https://bit.ly/2KPaTX0
6. https://bit.ly/3iQIpIT

العنوان الأساسي: “وضع أسواق النفط بعد مبادرة السعودية بخفض الإنتاج”

المصدر: مركز الإمارات للسياسات.

مصدر الصور: الشرق الأوسط – الإقتصادية.

موضوع ذا صلة: هل ينقذ إتفاق “أوبك” الجديد أسعار النفط في 2021؟