حوار: سمر رضوان

يستعد العراق مجدداً وتدريجياً لأن يكون لاعباً محورياً مركزياً، بعد إنكفاء دوره وتغييبه لعقود، في ضوء رعايته واهتمامه لأكثر من ملف سواء على الصعيد العراقي أم دول الجوار، إن كان من خلال الزيارات الرسمية للمسؤولين العراقيين، أو استقبال مسؤولين إقليميين ودوليين – لا سيما وزير الخارجية الإيراني – في مشهد يعكس أهمية هذا البلد وتوسطه قلب الصراعات التي يقه العديد منها فوق أراضيه.

عن الدور العراقي في المشهدين الإقليمي والدولي، ومآلات هذا الوضع ربطاً مع المستجدات الأخيرة، سأل “مركز سيتا” الدكتور محمد أبو كلل، مسؤول الشؤون العربية والأفريقية في تيار الحكمة الوطني – العراق، عن كل هذه المواضيع وتبعاتها.

الدلالات والتوقيت

ليست هذه هي الزيارة الأولى لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، فهو يتردد إلى العراق في فترات ليست بالبعيدة بحكم أهمية التنسيق والعلاقة بين البلدين. لكن المثير للاهتمام في هذه الزيارة هي توقيتها الذي جاء بعيد الكشف عن المباحثات الإيرانية – السعودية في بغداد مطلع الشهر الجاري.

هذه الزيارة، وبلا شك، ستثبت دور العراق وأهميته في أن يكون ملتقى للمتصارعين إن صح التعبير، وأن العراق طرف مقبول الوساطة والرأي؛ وما يؤكد ذلك، تصريحات وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، التي بيّنت دور بغداد في الحوار الإيراني – السعودي عندما أكد أن الحكومة العراقية تلعب دوراً محورياً في حلحلة الأزمات التي تتعرض لها المنطقة، وعنصراً فاعلاً في تحقيق التهدئة وتثبيت الاستقرار.

وبالتالي، إن تعافي العراق هو تعافي للمنطقة؛ إن تيقنت الأطراف المتناحرة أن بغداد هي المكان المناسب للمصارحة ثم التصالح، فسيكون ذلك نصراً لكل دعاة الاستقرار لدول المنطقة؛ العراق لا يمكن أن يكون أرضا للصراع، فالارتدادات ستطال الجميع؛ والأدلة كثيرة. فلو استعرضنا حالة عدم الاستقرار في المنطقة خلال العامين الماضيين، سنجد أنه مرتبط مباشرة بحالة عدم الاستقرار التي فرضت خارجياً على الداخل العراقي، خصوصاً وأن العراق لا يمكن أن يكون تابعاً؛ لا التاريخ ولا الجغرافيا العراقية تسمح بذلك.

الحوار الأمريكي – الإيراني

هذا الحوار بالتأكيد سوف ينسحب على الموقف الدولي بشكل عام؛ لنعد إلى الوراء للعام 2006 عندما صدرت دعوات من رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي الراحل، السيد عبد العزيز الحكيم، بضرورة قيام حوار إيراني – أمريكي لكونه سينعكس لصالح الشعب العراقي، وذلك على خلفية تفجير إرهابي أودى بحياة العشرات من الأبرياء. تحقق هذا الأمر بالفعل بلقاء السفيرين الإيراني والأمريكي في بغداد برعاية الحكومة العراقية آنذاك، وكان أول لقاء مباشر منذ أعوام، ومنه انطلق قطار التفاوض ليصل محطته النهائية بتوقيع الاتفاق النووي.

العراق قادر على أن يكون طرفاً ضامناً لمصالح الجميع إذا مُنح الثقة وأطلقت يداه في وضع أسس للحوار تضمن للأطراف المختلفة نسبة مُرضية من مصالحها بطريقة أيسر بكثير من محاولات فرض الواقع التي عادة ما تفشل وتتسبب في خسائر للأطراف جميعها.

برايي، أظن أن كلاً من طهران وواشنطن يريدان للعراق وضعاً جديداً إقليمياً ودولياً؛ وهذا الأمر ليس منحة، وإنما هو استحقاق للعراق تمت عرقلته لأعوام طويلة ومن جهات معينة اكتشفت لاحقاً سوء تقديرها في ذلك.

أول الغيث

إن تبيان هذه التفاهمات لن ينعكس بشكل إيجابي على العراق أو إيران أو السعودية فقط، خصوصاً وأن لدينا عدد من المناطق التي تعاني ومنها اليمن، الذي يعيش مأساة كبرى بسبب الحرب التي فرضت عليه وبالتالي لا بد من حل سياسي كون الحل العسكري قد فشل، بل كان سبباً مباشراً في دمار هذا البلد وإيذاء شعبه ما يعني ضرورة أن تكون هناك إرادة – وأظنها موجودة حالياً – لدى أطراف الأزمة اليمنية، من المحليين والإقليميين، للجلوس والتحاور وإنهاء هذه المأساة، حيث أن هذا الملف مرتبط بشكل مباشر بما يحدث من حوار في بغداد.

الأمر نفسه ينسحب على لبنان الذي هو بحاجة لدعم سريع وعاجل لتدارك الأزمة المشتعلة بسبب التبعات الاقتصادية القاسية لجائحة “كورونا”، وكذلك بسبب تأخير تشكيل الحكومة اللبنانية. أيضاً، سوريا لا بد وأن يعمل الجميع على إعادتها إلى محيطها العربي، إذ لا يمكن تخيل الجامعة العربية بلا تمثيل سوري رسمي؛ فسوريا هي ركن أساسي من أركان العمل العربي المشترك. من هنا، يمكن القول أن الحوارات الجارية في بغداد قادرة أيضاً على إحداث تقدم في الحالة السورية لا سيما على المستوى الإقليمي.

فرصة مناسبة

العراق مقبل على انتخابات مبكرة شاملة، وبات من الواضح وجود معسكرين متناقضين في الداخل العراقي؛ الأول، معسكر الدولة وتقويتها. والثاني، معسكر “اللا دولة”، وهو يمثل تهديد حقيقي لقوة البلاد واستقرارها، لأن العراق القوي والمستقر سيكون شريكاً إقليمياً قادراً على استيعاب الأطراف المتصارعة وتخفيف حدة هذه الصراعات، وهذا لن يكون إلا بتواجد معسكر الدولة في مركز القرار.

وبالتالي، ليس لدى جميع الأطراف رفاهية الوقت، ولكن لديها “الفرصة المناسبة” لتتراجع خطوة إلى الوراء وتقيّم مخرجات ومعطيات المرحلة السابقة التي – وبرأي الشخصي – كانت مخرجات خطيرة أدت بالمنطقة إلى حالة من الاحتقان سرعان ما ستنفجر إذا لم نتدارك خطورة ما نحن فيه وبشكل سريع.

مصدر الصورة: العربي الجديد.

موضوع ذا صلة: هل تنجح الشراكة العراقية – الروسية؟