اندرياس نول
تبدو الأمور جيدة بالنسبة للتجمع الوطني الفرنسي اليميني المتطرف، حزب مارين لوبان، حسب استطلاعات للرأي أظهرها معهد إيفوب – Ifop الفرنسي. فقد بين الاستطلاع – الذي أجري قبل أيام من الانتخابات المحلية في منطقة باكا التي يقطنها 5 ملايين فرنسي والواقعة في إقليم “الألب كوت دازور” جنوب فرنسا – أن اليمنيين الشعبويين يبدو أنه سيصبح بإمكانه الفوز وتحديد رئيس المقاطعة بغضّ النظر عن طبيعة الائتلاف القادم.
ففي انتخابات جرت قبل 6 أعوام في جنوب فرنسا، فشلت ابنة شقيق مارين لوبان، ماريون مارشيال بفارق ضئيل. حينها وخلال الجولة الثانية، انسحبت قائمة يسار الوسط من السباق، ما مكّن المحافظين من الفوز على حزبها “الجبهة الوطنية” اليمينية – التي تحولت إلى التجمع الوطني لاحقاً – إلا أن “الجبهة الجمهورية” المكونة من تحالف جميع الأحزاب لن تتمكن اليوم كما يبدو من إعاقة فوز لوبان.
من الإقليم إلى باريس
فوز التجمع الوطني على المستوى الأقليمي يعني بالنسبة لفرنسا تحولاً سياسياً جديداً، إذ تمكّن الحزب من الحصول حتى اللحظة على عدد قليل من المقاعد في مجالس البلديات على المستوى الإقليمي، وهكذا لم يتمكن من تشكيل أية حكومة في أي من الأقاليم الـ 13؛ ومنذ أعوام، لم يقم التجمع الوطني قاعدة ناخبين مستقرة في الجنوب فقط، بل يفعل ما باستطاعته من أجل حضور مميّز شمال فرنسا، في منطقة “غراند إيست” ، التي تضم إقليم الألزاس، وكذلك في مناطق أخرى.
ليس غريباً إذن إعلان زعيمة الحزب مارين لوبان أن الانتخابات الإقليمية نقطة انطلاق للوصول إلى رئاسة فرنسا. ففي أيار/مايو 2017، تلقت مارين لوبان هزيمة أمام الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون في انتخابات الجولة الثانية. وتريد لوبان – البالغة من العمر 52 عاماً – الانتصار بمنصب الرئيس في محاولة ثانية، حيث تعمل الجبهة الوطنية بتكتيك يعتمد على استقطاب مجموعات جديدة من الناخبين. فبعد نجاح الحزب لفترة طويلة في استقطاب الطبقة العاملة، تتجه لوبان، في الوقت الحالي، لاستهداف المعسكر المحافظ. لهذا السبب، لم تغيّر لوبان فقط إسم الحزب الذي أسسه والدها جان ماري – العام 1972 – فحسب، بل غيرت البرنامج أيضاً، إذ اختفت مطالب الخروج من العملة الموحدة، اليورو، ومن الاتحاد الأوروبي.
الأمن الداخلي في الحملة الانتخابية
لقد غيرت لوبان نهجها السياسي فيما يتعلق بالقضايا الأوروبية، لكنها ظلت محافظة على قضية محورية بالنسبة للحزب، ألا وهي الأمن الداخلي حتى على مستوى الأقاليم. فبالرغم من أن الأقاليم في فرنسا هي صاحبة الصلاحيات بشأن التخطيط العمراني والنقل الإقليمي وسياسة المدارس، إلا أن هذا لا يمنع الجبهة الوطنية والأطراف السياسية الأخرى من وضع هذه القضايا في صلب الحملات الانتخابية. فمثلاً، يحاول لوران فاوكيز، الزعيم السابق للحزب الجمهوري، وهو حزب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي (LR)، اللعب بأوراق الأمن من أجل إعادة انتخابه رئيساً إقليمياً لمنطقة “أوفيرني رون ألب”، ويطالب بتوفير “درع مراقبة بالفيديو”، وكذلك إلغاء مخصصات الدولة عن آباء الجناة من القصر، كما يرغب بتوفير موظفي أمن للمدارس.
ورغم التوقعات بنسبة مشاركة منخفضة في نهاية الأسبوع المقبل، إلا أن المراقبين يرون في الانتخابات بمثابة اختبار جدي للانتخابات الرئاسية مع بداية العام القادم (2022). فمنذ أسابيع، أشارت جميع الاستطلاعات إلى احتمال ظهور نسخة جديدة من مبارزة عل كرسي الرئاسة بين ماكرون ولوبان، والمراقبون لا يستبعدون أية مفاجآت في الأشهر العشرة القادمة، وبالخصوص لأن المحافظين والاشتراكيين – الذين هيمنوا في الماضي على الساحة السياسية – لم يعلنوا بعد عن أسماء مرشحيهم.
تغير الخريطة الانتخابية
الخريطة الحزبية القديمة في فرنسا أصبحت من الماضي، فالأحزاب القائمة تفتقد إلى قوتها السابقة. وبعد 4 اعوام من فوز ماكرون في الانتخابات، يُظهر إقليم “كوت دازور” الصعوبات التي يتعين على هذه الأحزاب مواجهتها. ففي الإقليم – الذي يُعد موطناً أصلياً لحزب التجمع الوطني – رشح الشعبويون اليمينيون مرشحاً معروفاً هو تييري مارياني، الذي كان حتى العام 2019 عضواً في المعسكر المدني. مارياني كان جالساً حول طاولة مجلس الوزراء في عهد الرئيس المحافظ نيكولا ساركوزي ورشحه، العام 2010، كأفضل مرشح لمنطقة باكا. لكن مارياني انتقل – قبل عامين – إلى معسكر لوبان، وشغل مقعداً في البرلمان الأوروبي عن التجمع الوطني أية الجبهة الوطنية سابقاً. الغريب أن مارياني يتلقى حتى اليوم دعماً من حزب ساركوزي، حتى لو أن الجمهوريين يخوضون المنافسة مع الرئيس الإقليمي الحالي رينو موسيلير.
وفيما يتعلق بالسياسة على المستوى الوطني، يواصل الحزب الجمهوري الذي وصل منه خلال 20 عاماً سياسيان إلى كرسي الرئاسة، هما جاك شيراك ونيكولاس ساركوزي، لعب دور ثانوي. فالحزب بدأ بـ “تمزيق نفسه بنفسه” منذ وصول الرئيس ماكرون إلى السلطة قبل 4 أعوام.
المصدر: DW.
مصدر الصورة: موقع رام الله الإخباري
موضوع ذا صلة: فُرص تاريخية.. هل يستغلها “اليمين المتطرف” الأوروبي؟