إعداد: مركز سيتا

أصبح اليمين الأوروبي اليوم أكثر شعبية من أي وقت مضى، مستفيداً من مسألة الهجرة – وتحديداً غير الشرعية – وحالة الاستياء من النخب السياسية التقليدية ليس فقط من أجل ضمان عودته على الساحة السياسية الأوروبية، بل لترسيخ حضوره والقدرة على لعب دور سياسي خصوصاً بعد أن تنافس بعضه على الرئاسة الأولى، مثل مارين لوبان في فرنسا، فيما وصل بعض آخر إلى موقع رئيسي في الحكم فعلاً، على غرار الحصول على رئاسة الوزراء في النمسا.

هذا الأمر، دفع بعض الدول إلى حد عقد مؤتمر لـ “تجميع القوى” الشعبوية أو اليمينية المتطرفة في أوروبا، خصوصاً أن بعض الدول المهمة – مثل ألمانيا وفرنسا – تقف على عتبة إنتخابات في وقت مفصلي، قد يستفيد اليمين منه بعد فشل عدد من الأنظمة بالتعامل مع جائحة “كورونا” التي قد تشكّل – على عكس ما حدث مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب – رافعة لهذه الجهات من أجل الوصل إلى الحكم أو على الأقل بناء قاعدة يمكن التأسيس عليها للمستقبل.

إنشاء قومية يمنية

استضاف رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، محادثات مع سياسيين شعبويين من إيطاليا وبولندا، في محاولة لإنشاء قوة سياسية قومية يمينية جديدة في أوروبا، في العاصمة المجرية – بودابست، بحضور كل من رئيس الوزراء البولندي، ماتيوس مورافيسكي، ووزير الداخلية الإيطالي السابق، ماتيو سالفيني، حيث تعهد الثلاثة بمواصلة تعاونهم في السعي إلى تحقيق ما وصفها أوربان بـ “النهضة الأوروبية”، لكنهم قدموا تفاصيل قليلة عن طبيعة التحالف.

جاء هذا الحدث بعد أسبوعين من إنهاء حزب “فيدز” الحاكم، بزعامة أوربان، الانفصال عن عائلته السياسية الأوروبية من يمين الوسط، “حزب الشعب” الأوروبي، حيث أدى ذلك إلى إنهاء أعوام من الصراع حول التزام المجر بالمعايير الديمقراطية وبناء أوربان لما يسميها “الديمقراطية غير الليبرالية”؛ وبما أن حزبه الآن ليست لديه كتلة في البرلمان الأوروبي، فقد أشار أوربان إلى أنه يأمل بـ “إعادة تنظيم اليمين الأوروبي”، والعثور على مكان في بروكسل للمشرعين المجريين والأحزاب الأخرى المناهضة للهجرة.

بدء التخطيط

في هذا الصدد، قال أوربان “لقد اجتمعنا للتخطيط والتحدث عن مستقبل أوروبا. كما قال السيد سالفيني، واتفقنا جميعاً، نحن نريد نهضة أوروبية… إن ملايين المواطنين الأوروبيين تُركوا بدون تمثيل مناسب وفعال”. بالإضافة إلى أوربان، يشارك سالفيني أوربان معارضته الشديدة للهجرة، فهو يرأس “رابطة الشمال” الإيطالية – أكبر حزب في مجموعة الهوية والديمقراطية اليمينية المتطرفة في البرلمان الأوروبي.

من هنا وفي حال اندمجت المجموعة مع حلف المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين المتشككين في الاتحاد الأوروبي والذي يضم حزب “القانون والعدالة” الحاكم في بولندا، فستكون هذه ثاني أكبر كتلة ضمن البرلمان الأوروبي بعد حزب الشعب الأوروبي القوي، حيث وصف سالفيني – الذي عبّر عن أمله في مثل هذا الاندماج – هذا الاجتماع بأنه “تاريخي”.

حماية الأسرة الأوروبية

أيضاً، أكد أوربان أنه يجب أن تكون هناك “عائلة سياسية لأشخاص مثلنا يحمون الأسرة، يدافعون عن وطنهم، يفكرون من زاوية التعاون بين الدول القومية عوضاً عن التفكير من منطلق امبراطورية أوروبية، على المستويين الوطني والأوروبي، علينا العمل على ذلك، واتخاذ هذا الاتجاه، سيكون ذلك حاسماً لأوروبا” بمشاركة البولونيين، في إشارة إلى حزب “القانون والعدالة” القومي الكاثوليكي المتشدد، والإيطاليين، حزب “رابطة الشمال” الإيطالية. وأضاف أوربان بأنه “يتوجب حالياً توفير مشروع سياسي من دون حزب الشعب الأوروبي للمواطنين الأوروبيين الذين لا يريدون مهاجرين ولا يؤيدون التعددية الثقافية، الذين يدافعون عن التقاليد المسيحية لأوروبا”.

هذا ويعدّ “حزب الشعب” الأوروبي، الذي يجمع أحزاب يمين الوسط الرئيسية في أوروبا، أهم كتلة سياسية في البرلمان الأوروبي، وبين شخصياتها رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ولطالما خاض بعض أعضاء الكتلة حملة من أجل استبعاد حزب “فيدز” في ظل مواقفه المناهضة لبروكسيل التي يتخذها زعيمه والتدابير التي ينظر إليها على أنّها تنتهك الحقوق الأساسية.

من هنا، قال الباحث في العلوم السياسية، ريتشارد ناجي زينتبيتيري، إنه “من الواضح أن فيكتور أوربان يريد مخاطبة أولئك الذين يقفون على يمين حزب الشعب الأوروبي من أجل تنظيم مجموعة جديدة”.

انتقادات واسعة

انتقد القيادي في الحزب الديمقراطي ووزير العمل في الحكومة الايطالية، أندريا أورلاندو، عقد سالفيني الإجتماع الثلاثي بهدف “إعادة تنظيم قوى اليمين الأوروبية”، في وقت ينتمي فيه الحزبان، “الديمقراطي” اليساري و”رابطة الشمال” اليميني، إلى ائتلاف برلماني واسع لحكومة رئيس الوزراء ماريو دراغي، التي نشأت بعد سقوط حكومة جوزيبي كونتي الثانية.

وقال أورلاندو في تصريحات له “لا أعتقد أن لقاء سالفيني مع أوربان كان مناسباً. ليس من المفيد اتخاذ خطوات في اتجاه أولئك الذين لم يساعدوا أبداً أوروبا أو بلدنا”، مضيفاً “نحن نعلم أنه يجب أن نحكم مع قوى بعيدة جداً عنا، ولكن إذا زادت هذه المسافات أكثر يصبح الأمر أكثر صعوبة وفي هذا الوقت لدينا ما يكفي من الصعوبات.”

ضغط للتنافس

يشكل هذا الاجتماع عملية ضغط على أوروبا تجاه الاجتماع المزمع عقده مع تركيا إلى جانب المصالحة معها، حيث تعتبر أنقرة مصدر وباب أساسي لعبور المهاجرين إلى الداخل الأوروبي، ومنها اليونان – التي لم تشارك في اجتماع بودابست، لكن إيطاليا تلعب الدور الأساس، مع العلم أنها تستقبل كل اللاجئين من شمال إفريقيا وغيرها من الدول. لكن المراد من هذا الأمر، أن دولاً، مثل بولندا أو إيطاليا أو حتى النمسا، تعتبر نفسها “مظلومة” من كل الإجراءات الأوروبية التي تتخذها بروكسل تجاه سياسة اللجوء.

وعلى غرار ما حصل مع اليسار المتطرف في الأعوام الماضية من عملية توحيد الصفوف، سيحدث أيضاً ذات الأمر بطبيعته وشكله المتطرف من أجل الوصول إلى غاية مهمة تكمن في إكتساح تلك الأحزاب اليمينية “سوق” الانتخابات، علماً أن العام 2021 سيكون عاماً حاسماً من أجل انتخابات المستشارية في ألمانيا، والعام 2022 حاسماً بالنسبة إلى الرئاسة الأولى فرنسا، ما قد يشكل ذلك فرصة أمام اليمين من أجل الوصول – أو على الأقل الصراع – إلى السلطة.

بين الهيمنة والدور

من خلال الأحداث، يبدو أن أوروبا كلها معرضة لهيمنة اليمين المتطرف بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة، إلى جانب ضعف الأنظمة والحكومات القائمة في كل الدول الأوروبية، التي أثبتت أنها ضعيفة أمام مطالبات القاعدة الشعبية العميقة لهذه الدول، لا سيما ألمانيا وفرنسا على وجه الخصوص.

اليوم، هناك حالة من الإفلاس السياسي للأحزاب التقليدية، والناس لم تعد تصدق ما يقوله الساسة التقليديون الحاليون بسبب عمليات التسويف والكذب، خاصة في الوعود الانتخابية بقيت “حبراً على ورق”؛ فعند انقضاء الانتخابات، عاد الوضع إلى الواقع ذاته. لذا، من الواضح بأن الطبقات الشعبية تريد تغيير هذا الواقع حتى ولو كان خطِراً من خلال المغامرة وانتخاب اليمين المتطرف.

مثلاً، يفتش المواطنون عن حل للمشاكل الأمنية وعدم الاستقرار الاجتماعي والمخاطر التي تعيشها الجاليات في الضواحي، إلى جانب السرقة والاعتداءات، والمهاجرون يفترشون الطرقات؛ كل هذه الظواهر تشكل عوامل استياء لدى المواطن الأوروبي، من كل السياسات التي تحكم بلاده، إضافة إلى ازدياد دائم في نسب الضرائب – من عام إلى عام – حيث يرى المكلّف فيها أنها تذهب لخدمات غير وطنية، مثل إنفاقها على المهاجرين وتأمين حاجياتهم.

وفي ظل جائحة “كورونا”، ازدادت الأمور سوءاً على كاهل المواطن الأوروبي الذي فقد عمله بسبب السياسات الفاشلة، حيث أن المساعدات الإنسانية تذهب نحو اللاجئين، بينما المواطن الأوروبي فقد عمله ولا يحصل على شيء، ويتحمل وحده مسؤولية هذه السياسات.

أخيراً، يبدو أن اليمين المتطرف استطاع استثمار كل الأزمات التي تعاني منها أوروبا، مستغلاً الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية على وجه الخصوص، ومتحكماً بالعديد من المؤسسات مما شكل له قاعدة شعبية كبيرة، تريد الخلاص من الطبقة الحالية، علها تجد بارقة أمل رغم الخطورة الكبيرة لدى هذا التوجه.

مصدر الصور: Renegade Tribune – العربي الجديد.

موضوع ذا صلة: اليمين المتطرف في ألمانيا: معضلة إرث النازية في مؤسسات الأمن والدفاع