تسيطر الطبعة النزاعية على مختلف العلاقات الدولية في هذه الفترة في ظل الحرب الروسية مع أوكرانيا، حيث يعيش المجتمع الدولي حالة من التوتر والتصعيد بين الدولتين لا سيما مع تدخل كل من الولايات المتحدة وأوروبا كداعميين لأوكرانيا في مختلف المجالات، سياسياً ولوجستياً وحتى اقتصادياً، عن طريق فرض عقوبات اقتصادية على روسيا.

ولم يتوقف الامر عند هذه الإجراءات التقليدية، بل انتقل إلى مستوى آخر وهو المجال التكنولوجي والرقمي حيث اصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تمثل سلاحاً في يد الأطراف المتنازعة.

بالنسبة للطرف الاوكراني الذي يتلقى دعماً من الغرب، فهو يحاول استغلال المنصات الأوروبية والأمريكية لشن حرب إلكترونية ضد روسيا وحتى عزلها، حيث طلب وزير التحول الرقمي الأوكراني، ميخائيل فيدوروف، من المدير التنفيذي لشركة “آبّل”، تيم كوك، إيقاف خدمات متجر التطبيقات ومنتوجاته عن المستخدمين في روسيا. ويبرر الوزير فيدوروف هذه الخطوة بأنها “ليست حرماناً للروس من الوصول إلى المعلومات، لكن من أجل منعهم من الوصول إلى الشبّان والمفكرين فى أوكرانيا”.

لم تقف مطالب فيدوروف عند شركة “آبل”، بل وسّع الوزير اتصالاته لتشمل شركات عديدة، مثل “فايسبوك” و”غوغل” و”نيتفليكس” و”يوتيوب”، وطالبها أيضاً بتعليق خدماتها في روسيا.

وكانت الاستجابة سريعة من موقع “فايسبوك” حيث حجب عدداً من صفحات وسائل الإعلام الروسية عن منصاتها في أوكرانيا، كما أنها حجب صفحة مدير وكالة الفضاء الروسية، دميتري روغوزي.

بدوريا، اعتبرت روسيا هذه التحركات انتهاكاً لحقوق وحريات الانسان، حيث طالبت السلطات المعنية منصة “فايسبوك” برفع القيود التي فرضها على وسائل الإعلام الروسية وشرح سبب فرضها.

بصورة مماثلة لـ “فايسبوك” و”تويتر”، علقت مجموعة “غوغل” الأميركية إمكان جني عائدات في مختلف منصاتها بالنسبة إلى وسائل الإعلام المموَّلة من الدولة الروسية، بما في ذلك “يوتيوب” التابعة لها، موقفةً الإعلانات التي تضعها وسائل الإعلام الروسية، كما حدّت من التوصيات بمشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة بهذه القنوات، بل أصدرت قراراً يقضي بحظر وكالة “سبوتنيك” وقناة “روسيا اليوم” (RT) الروسية في أوروبا.

الرد الروسي وتداعيات هذا الحصار الرقمي

بالحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي في روسيا، تمتلك موسكو بدائل للمنصات التقليدية، ويعد “فكونتاكتي” موقعاً للتواصل الاجتماعي يمكن استخدامه مجاناً، ومشابه تقريبا لـ “فايسبوك”، وهو من المواقع الأكثر شعبية في روسيا وحتى في أوكرانيا وبيلاروسيا وكازاخستان.

الرد الروسي على هذه التحركات الغربية – الأوكرانية كان بحجب وسائل التواصل الاجتماعي؛ وفي هذا الإطار قالت الباحثة في الشأن الروسي نغم كباس في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إنه “بعد حجب موقعي فايسبوك وتويتر من الحكومة الروسية بسبب موقفهما من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فإن لدى الروس بديل محلي يسمى فكونتاكتي، وهو منتشر في أوساط المواطنين الروس وكذلك الأجانب المقيمين في روسيا، وهناك أيضاً عدد في الخارج يستخدم هذا التطبيق.”

وفيما يخص حظر المواقع الاخبارية، علقت مارغريتا سيمونيان، رئيسة تحرير شبكة “روسيا اليوم” ووكالة “سبوتنيك” الروسيتين، في تغريدة لها عبر “تويتر”، بأن حظرهما في الاتحاد الأوروبي لن يؤثّر في نشاطيهما، بحيث اعتادتا العمل في ظروف التضييق من دعاة الحرية.

إقرأ أيضاً: وسائل التواصل الإجتماعي: إستخدامها وتأثيرها في مجالي الأمن والدفاع

بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعية، فإن روسيا لطالما واجهت ازمات مع الغرب حول المحتوى الذي يتم نشره والذي تعتبره موسكو – من وجهة نظرها – انتهاكاً لركائر الامن القومي، حيث لطالما كانت لها مطالب واسعة في هذا الشأن، حيث قالت شركة “غوغل”: ” تلقينا طلبات من روسيا أكثر من بقية انحاء العالم مجتمعة”، مشيرة بإن ثلثها تقع تحت حجة “الأمن القومي”.

أيضاً، صرّحت الهيئة المسؤولة عن تنظيم الاتصالات في روسيا، أن هناك 26 حالة تمييز من “فايسبوك” ضد وسائل إعلام روسية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020، مع تقييد الدخول لقنوات مدعومة من الدولة مثل روسيا اليوم ووكالة الإعلام الروسية؛ بالتالي، إن عزل روسيا بهذه الطريقة لا يعتبر مشكلة كبيرة بالنسبة للسلطة التي عملت على تقييد بعض وسائل التواصل لأسباب سياسية من قبل وتلقت رفضاً من الغرب. هذا وتتهم روسيا منصات العديد من منصات التواصل الاجتماعي، مثل “فايسبوك” و”تويتر”، بفرض رقابة توصف بالمشددة على المحتوى الذي يروج وجهة النظر الروسية أو الأفكار المناوئة للغرب.

من هنا، ترفض موسكو تناول القضية الأوكرانية في وسائل التواصل الاجتماعي من وجهة نظر واحدة غربية، والقطع التام لهذه المنصات هو خيار امثل في ظل توفر بدائل أخرى وقدرة موسكو على توفير منصات مناسبة للمواطنين.

فعلى الرغم من أهمية وسائل التواصل الاجتماعية التي تقدم فرص واعدة للحكومات لاستخدامها في إطار تنمية فرص الأعمال وتعزيز فرص إطلاق مشاريع استثمارية متنوعة ولا سيما في مجال التقنيات الحديثة، إلا أن الأزمة الحالية في أوكرانيا قد اختبرت قِيم شركات التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي التي تضع نفسها في خانة “منابر حرية التعبير الأولى حول العالم؛ وفي المقابل، هي تنتهك حريات الإنسان بطرق عديدة، حيث أعلن “فايسبوك” استثناء الخطاب المناهض “للغزاة الروس” في أوكرانيا من قواعده المتعلّقة بحظر أيّ محتوى على الموقع يدعو إلى العنف والبغض، مشيراً إلى أنّه لن يحذف المنشورات المعادية لجيش روسيا وقادتها.

المراجع:

1. أندريه زاخاروف وكسينيا تشيرمانوفا. وسائل التواصل الاجتماعي: كيف تحاول روسيا فرض الرقابة عليها. بي.بي.سي. 18/12/2021.
2. احمد عرفة. موسكو تحظر فيس بوك وتويتر.. السلطات الروسية تدافع عن القرار. اليوم السابع. 5/3/2022.
3. د م. التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي.. سلاح الغرب ضد روسيا في أوكرانيا. الميادين. 1/3/2022.
4. د م. “فكونتاكتي”.. البديل الروسي لـ “فيسبوك” و”تويتر”. سكاي نيوز. 6/3/2022.
5. د م. قرار “مؤقت”.. فيسبوك يسمح بمنشورات “معادية” للجيش الروسي. التلفزيون العربي. 11/3/2022.

مصدر الصورة: واشنطن بوست.

شروق مستور

طالبة ماجستير علاقات دولية / تخصص دراسات أمنية وإستراتيجية – الجزائر