جمانة الأعور*

إن الإرتباط القوي بین سوریا وفلسطین جعلها محط أنظار الدول الداعمة لإسرائیل، بالرغم من أن العدید من الدول العربیة فكت ارتباطها، للأسف، بالقضایا القومیة المشتركة لا سیما المسألة المركزیة، أي فلسطین.

إن الصراع الیوم على سوریا هو صراع بسبب فلسطین فهو صراع من أجل ضمان وجود إسرائیل، وهذا طبعاً یستلزم اضعاف دمشق وانشغالها بمشاكلها الداخلیة. الصراع في المنطقة هو صراع بين مشروعین على وجودنا كهویة وحق مصیر، وهو لیس مجرد صراع على حدود الدولة الیهودیة، التي ترسمها موازین القوى والتسویات السیاسیة. بالتالي، هناك صراع وجود ومصیر بین:

– أم أن تكون “إسرائیل الكبرى” من النیل الى الفرات، وهو شعار مرفوع فوق الكنیست ومرهون بقوتها؛

– أو أن تكون الدول المناهضة للمشروع الأمریكي – الصهیوني، وهذا أیضاً مرهون بقوة دول الممانعة وقدرتها على التغلب على إنقساماتها الذاتیة.

إن الحروب التى خاضتها سوریا، والتي تخوضها الیوم، لیس المقصود منها سوریا بقدر ما هو مقصود الحفاظ على أمن إسرائیل ومصالها؛ بالتالي، إن مصالح الولایات المتحدة التي تعتبر أن وجود هذا الكيان في المنطقة هو حمایة لمصالحها وهذا طبعاً یتطلب تعطیل النهضة واستنزاف المنطقة بحروب أهلیة وفتن مستمرة، وهي مخططات صهیونیة – غربیة – عربية كالتي شهدناها في العراق وسوریا ولبنان. فكل الجهود منصبة لمنع أي تقارب في المشرق العربي، والعمل الدؤوب متواصل مادیاً ولوجستیاً على إغراقه في حروب داخلیة لتفكیكه وشرذمته، والسبب وجود مشروعین متناقضین.

منذ توقیع اتفاقیة “كامب دیفید”، بین إسرائیل ومصر في العام 1979، انحصر الصراع العربي – الإسرائیلي بین سوریا وقوى المقاومة في فلسطین ولبنان، بعد خروج منظمة التحریر الفلسطینیة من الصراع، والذهاب إلى إتفاقیة “أوسلو” العام 1993، وخروج الأردن أیضاً، بإتفاقية “وادي عربة” العام 1994، و تطبیع العلاقات مع إسرائیل بموجب تلك الإتفاقية.

اليوم، یتخذ الصراع العربي – الإسرائیلي أبعاد جدیدة خصوصاً مع كثرة الدراسات التي تتوقع نهایة الحقبة الأمریكیة، والتي تتحدث عن تورط واشنطن في حروب في العراق وأفغنستان، بالإضافة إلى أزماتها المالیة المتفاقمة، وصعود قوى المقاومة، في كل من إیران ولبنان وفلسطین، وانتعاش روسیا من جدید، وبروز القوى الآسویة، كالصین والهند، كقوى دولیة جدیدة تنافس الولایات المتحدة اقتصادیاً وعسكریاً، فهي بدایة النهایة للآحادیة القطبیة، هذا من ناحية.

من ناحیة أخرى، فقدت إسرائیل هیبتها وأهمیتها بعد تخاذلها أمام المقاومة وتوازن قوى الرعب، فهذه البیئة مرهونة بقدرة “سوریا الممناعة” على الصمود في وجه تلك القوى التي حاولت، وما زالت تحاول، تفكیك العالم العربي من أجل تعزیز دور إسرائیل، الذي بدأ یتراجع.

ما هو مطلوب الیوم إعادة بناء البیت العربي على أُسس حضاریة، وتكتله فيما بينه، وإستعادة كل من سوریا والعراق لدورهما العروبي ضد المشروع الأمریكي – الصهیوني.

*كاتبة لبنانية

مصدر الصورة: صدى البلد.

موضوع ذا صلة: هل تصلح “المبادرة العربية للسلام” بديلاً عن “صفقة القرن”؟