د. أنطوان شاربنتييه*

تعتبر الدورة الثانية للإنتخابات البلدية في فرنسا أول عملية سياسية إنتخابية أوروبية بعد الحجر الصحي الذي دام حوالي ثلاثة أشهر بسبب تفشي فيروس “كورونا”. فتحت شعار مزاولة الحياة الديمقراطية، أصرت الدولة الفرنسية على إجراء الدورة الأولى للإنتخابات، 15 مارس/آذار 2020، رغم بداية تفشي الجائحة، ما سبب انزعاجاً كبيراً في الأوساط الشعبية، حيث شعر المواطنون الفرنسيون أن المصالح السياسية والحزبية لها الأولية وليس الشأن العام وصحة المواطن.

أتت الدورة الثانية كرد مباشر من قبل الرأي العام الفرنسي لإدارة الرئيس إيمانويل ماكرون ولأداء حكومته السيئ بعض الشيء لأزمة “كورونا”، إذ ما زلنا نرى ونسمع، منذ إعلان الحجر الصحي وحتى اليوم، خطاباً رسمياً فرنسياً مليئاً بالتناقضات والمناورات السياسية، وفي بعض الأحيان بالكذب. أبرز الأمثلة على ذلك مسألة الكمامات التي أكدت الحكومة الفرنسية على كفاية مخزونها لتعود وتقول، في أول أسابيع الحجر، بعدم وجود أي مخزون، ناهيك عن المعدات الطبية التي كانت تنقص الطواقم الطبية لا سيما في أقسام العناية الفائقة بسبب السياسات التقشفية السابقة للأزمة والتي أضعفت النظام الصحي الفرنسي بشكل عام إلى حد فقدان الإمكانيات اللازمة لمواجهة هذا النوع من الأوبئة.

أتت هذه الدورة بعد إنشقاق كتلة لا بأس بها من نواب حزب الرئيس ماكرون، “الجمهورية إلى الأمام”، ما أفقده أكثريته البرلمانية. حجة النواب المنشقين الأساسية كانت تصرفات الرئيس الفرنسي التي شبهوها بـ “التصرف الملكي”، الأمر الذي ينتقص ويتناقض مع الكثير من المعايير الديموقراطية، خاصة بالنسبة لبلد كفرنسا، حيث أن النظام البرلماني هو أحد أسس وركيزة الحياة السياسية. أضف إلى ذلك، الصراع الخفي المزمن القائم بين الرئيس ماكرون ورئيس وزرائه إدوار فيليب، والذي أدى إلى إستقالة الحكومة، اليوم 3 يوليو/تموز 2020.

هذا الصراع القديم – الجديد أججته جائحة “كورونا” حيث أكثرت من تعقيداته وعمت أسس الخلاف خصوصاً وأن العديد من مراكز الدراسات والإحصائيات ذكرت بأن أداء الرئيس كان سيئاً في مقابل أداء واقعي مقبول لرئيس الوزراء حيث أنه كان مقنعاً للرأي العام بشكل أكثر. كل هذه النقاط أدت إلى إضعاف الرئيس ماكرون سياسياً وشعبياً؛ فعلى الرغم من حصول أدائه على بعض النقاط الإحصائية، إلا أنه لم يتقدم على رئيس وزرائه بسبب حسن أداء الأخير، كما أشرنا.

بالعودة إلى الإنتخابات ورغم الإجراءات الصحية والتباعد الإجتماعي، جرت الدورة الثانية، التي كانت مقررة في 22 مارس/آذار 2020، واضعة الرئيس ماكرون وحزبه في مأزق سياسي قد يكون مكلفاً مستقبلاً خصوصاً أن الإنتخابات الرئاسية باتت على الأبواب، إذ لم يحصد الحزب أي موقع ذي قوة في المدن الكبرى، كباريس ولييل ومرسيليا وستراسبورغ وبوردوا وليون، التي نجح فيها كل من حزب الخضر والإشتراكيين.

ختاماً، يبدو بأن نتائج هذه الإنتخابات سيكون لها نتائج سياسية سلبية خاصة على النص الثاني من ولاية الرئيس، حيث سيحاول هذا الأخير جاهداً تحسين الأمور لصالحه في وقت يجد فيه صعوبة كبيرة بإقناع الفرنسيين، حيث أن الأكثرية الشعبية لم تعد إلى جانبه كما كانت عند إنتخابه رئيساً. أيضاً، إن عودة الإحتجاجات والتظاهرات إلى الشارع، سواء من قبل “السترات الصفراء” أو الطواقم الطبية أو القوى الأمنية أو أساتذة الجامعات و المدارس، باتت واردة لا سيما وأن هناك إجماع على معارضة سياسة الرئيس خصوصاً لجهة ما يسميه الرئيس ماكرون “الإصلاحات السياسية للبلاد”.

*كاتب ومحلل فرنسي – لبناني

مصدر الصورة: ياهو.

موضوع ذا صلة: فرنسا بين إحتجاجات “السترات الصفراء” وحمَّى الحرب الأهلية