بعد أن تأكد للغرب ثبات روسيا على أرض المعركة المحتدم وطيسها والمشتعلة نيرانها في أوكرانيا التي انخرطت في مشاريع الاستفزاز الغربي ضد روسيا بشكل فتح الباب على مصراعيه نحو تسارع وتيرة الصراع الدولي المنذر بالإنهيار الوشيك للسلم والامن العالميين.
عوض مراجعة حلف الناتو لسياسته ولأساليبه العدائية التي صارت مرفوضة من مختلف القوى العالمية وحتى من داخل الحلف نفسه، لدرجة ان أوروبا الحليف التقليدي للولايات المتحدة الامريكية أصبحت تواجه تحولات داخلية قد تتباين وتيرتها من دولة لأخرى لكنها تشترك في رغبة شعوب اوروبا ونخبها الفاعلة في تبني توجهات تحفظ لأوروبا ولدولها الاستقرار والأمن بعيدا عن دوامة الغطرسة الغربية المتمركزة في أوروبا على حسابها وضد مصالح شعوبها التي سبق وأن ذاقت معاناة وويلات الحروب خاصة العالمية منها،
من هنا وجب طرح سؤال جوهري عن سبب محاولة البعض تناسي دور روسيا في الدفاع عن أوروبا والعالم إبان الحرب العالمية الثانية؟ ولماذا يريد البعض توريط اوروبا في نزاع مع ذاتها ومع جغرافيتها التي لن تلغيها الأحلاف ولن تبعدها المصالح (وإن اختلفت فيها دولها) عن ضرورة ايجاد تقاطعات لا مفر منها لأجل الاستمرار في عالم تحفه مخاطر الحروب المدفوعة من بعيد او الموجهة بمبدأ التدمير الذاتي لأوروبا والتفكيك السلبي لمجتمعاتها ولاقتصادها الذي كان قويا وأضحى متراجعاً أمام اوضاع لا يمكن التكهن بعواقبه.
وآخر التحذيرات التي تحتاج لانتباه الأوروبيين هي تصريحات وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الذي قال بأن روسيا تصنف هجمات الجيش الأوكراني على محطة زابوروجي للطاقة النووية بأنها إرهاب نووي، فهل سيستفيق الأوروبيون أم أن أوراقهم ليست بأيديهم؟
خاصة وأن إمداد اوكرانيا بتقنيات وأسلحة عسكرية هجومية معناه أن المعركة أكدت للعالم حقيقة المخاوف الروسية التي عبرت عنها في مرات عديدة وعلى رأسها مخاطر الزحف الغربي بحلفه على مرمى حجر من الحدود الروسية وما تبع ذلك من خرق أوكراني واضح لاتفاقية مينسك.
كل هذه المخاطر كانت غير معروفة للعالم فيما مضى لكن أصبحت جلية اليوم بالرغم من التعتيم الإعلامي المنحاز ضد روسيا بالمحاولات المفضوحة لبعض المحللين المحسوبين بتصريحاتهم الإعلامية لصالح القوى الغربية، كل ذلك كشفته وفضحته التصريحات المتضاربة الصادرة عن بعض المسؤولين السياسيين وحتى القادة العسكريين لدول من حلف الناتو، بما يبين بشكل قاطع لا يقبل أدنى تشكيك بخصوص مسببات هذه الحرب التي لم تكن أبداً بقرارات من الداخل الأوكراني قدر ما هي موجهة من خارجه.
لتصل مخاطر تهديد الأمن والسلم العالميين إلى ما هي عليه من علنية توريد الأسلحة الغربية الهجومية الموجهة لضرب الداخل الروسي لفرض استفزازات خطيرة ضد أمن روسيا وضد مقدراتها الاستراتيجية، فماذا يريد الغرب من روسيا التي يعلم جيداً بأنها أقوى من أي وقت مضى وهي مستعدة لردع أعدائها المتحايلين باسم التحضر المخالف للطبيعة البشرية بدعمهم للمثلية وبابتزازهم الخبيث للدول بمسميات الحرية الدينية المزعومة عبثاً بقوائم تصنيفها عجيب ومعاييرها معدة مسبقاً وفق منهجية من يخالفنا فهو عدونا ومن يساندنا فهو تحت رحمتنا.
فهل توجد غطرسة وهمجية أكبر من هذه؟ إذاً العالم اليوم أمام خيارين إما مساندة حقه في التوازن الضروري الذي يكفل الاستقرار أو البقاء في وضعية المتفرج ليستمر الضغط على روسيا بمفردها التي تدافع عن العالم كما فعلت في الحرب العالمية الثانية حين قدمت تضحيات كبيرة ساهمت في تقديم ملحمة كفاح مشرف لأجل الحرية وضد النازية، التي عادت للأسف من البوابة الأوكرانية وبرعاية غربية، فهل تحالف الغرب مع عدوه المزعوم ضد حلفائه الأوروبيين، خاصة وأن النازية هي عدو للإنسانية وأول من حاربها الشعوب الأوروبية؟
مصدر الصورة: BBC.
إقرأ أيضاً: الحرب في أوكرانيا واحتمالات التصعيد: قراءة تحليلية لمقال جون ميرشايمر
د. عمار إبراهيمية
كاتب وباحث – الجزائر