د. عبدالله الأشعل*
الحكام العرب استبدوا بشعوبهم وجاروا على أوطانهم، قمعوا شعوبهم، ووزعوا ثروات الوطن على حملة أعمدة عروشهم، وعقدوا تحالفات مصلحية أظهرت خبرة العقود الماضية أنها كانت ضد الوطن والمواطن.
لقد طالبت الشعوب بالتغيير السلمي في السياسات أو في الأشخاص. لكن تمسك الحكّام بالسلطة وعدم إكتراثهم بمطالب الشعوب والمسارعة إلى قمعهم، كان إعتبارهم للمطالبات بالتغيير السلمي “وقاحة”، وتجاوزاً من الشعوب ضد حكامهم، وإنكاراً لجميلهم.
فلما سد الحكام العرب كل منفذ للتغيير السلمي بأن يُغير أو يَتغير، إنفجر الشعب في ثورات متتابعة، فإنقض عليها الحكام وتحالفاتهم الداخلية والخارجية بالمقابل من أجل “تأبيد” الوضع الراهن أو ما يعرف بالـ status quo.
ولما كان هذا الوضع الراهن يضر بالوطن والمواطن، بات من البُد تغيير السياسات أو تغيير الحاكم. ولما كانت الثورات تشكل خطراً على الأوطان أي “الفوضى” التي لا تقل خطراً عن حراسة الحاكم للوضع الراهن، الذي يتم فيه مصادرة حريات الشعوب وإطلاق يد الحاكم في كل شيء فيتفاقم الفساد ويعطب المجتمع وتتعرض الدولة الفاقدة للإستقلال للزوال بعد أن غير الحاكم وظيفة الحكم من رعاية الوطن والمواطن إلى جلد المواطن والتصرف بشكل شخصي في الوطن إعتماداً على تملك كل أدوات السلطة والمقدرات. وفي ضوء هذه القراءة الواقعية، فكّرت في حلحلة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وذلك من خلال مناقشة عدة قطاعات حاسمة تتحكم في هذه العلاقة.
القطاع الأول، تمسك الحاكم بالسلطة وممارستها بشكل مطلق، وإستخدام الفساد لدعم السلطة المطلقة، فأفسد قطاعات من الشعب إنحازت إلى مصالحها ضد مصالح الوطن، إما جهلاً أو انتهازية. زد على ذلك، أن الحاكم لا يشعر أن حكمه مشروع؛ لذلك، يحرص على التوسع في الإنفاق على الأتباع، ويتوجس خيفة من الكفاءات خاصة الشرفاء من العلماء ورجال الدين، ثم عندما يمكث في السلطة مدة طويلة، وهو الأغلب، يصاب بـ “أمراض السلطة” التي تضاف إلى أمراض جينية فطرية عنده.
بإعتقادي، إن تخفيف تمسك الحاكم بالسلطة، حتى لو كان ذلك بين دوائر صغيرة مثل جماعات المصالح التي تهيمن على المؤسسات وتوازياً مع ذلك، لا بد أن يظهر إتجاه بين المساعدين لرفض منهج الحاكم المتطرف في إضراره بالوطن، ولا بد من تهذيب نفس الحاكم وغرس الأخلاقيات فيه لأن نهم السلطة يزيح كل ستار أخلاقي.
القطاع الثاني، إستسلام الشعب لنزوات الحاكم، إما بالإعلام أو القبضة الأمنية. وليس مطلوباً من الشعب مطلقاً أن يثور على هذا الحاكم، ولكن المطلوب أن يستعيد عقله ويتحدى إعلام الحاكم ويستأنس شراسة الأمن بلا مواجهة أو عداء في إطار الأوساط الاجتماعية.
القطاع الثالث، توعية النخب التي يستعين بها الحاكم في كافة المجالات، والقول “إذا عمل الحاكم لمصلحة الوطن وليس لمصلحة الحاكم وأتباعه، وجب معاونته ودفعه إلى خططه وإعانته عليها لأن ذلك خدمة للوطن من خلال الحاكم المستنير.”
القطاع الرابع، علاقة الحاكم بالخارج، وهذا ما يعتبر من أصعب القطاعات، برأيي، لأن الخارج يعتقد أن مصالحه في تدمير الأوطان والهيمنة على الحاكم، هذا إن لم يتحكم في تنصيبه وضمان إستمرار حكمه.
لتحقيق ذلك، لا بد من العمل على عدة جبهات؛ الجبهة الأولى، تتعلق بالخارج. الجبهة الثانية، تتعلق بإستعداد الحاكم وحاجته الماسة إلى الخارج الذي يستمد منه شرعية حكمه وتأمينه دون أن يتلاعب الخارج بالحاكم من خلال النفاذ إلى عناصر داخلية ترغمه على سلوك معين لصالح الخارج، وهي نقطة حساسة يخشاها الحاكم رغم أنه يرى بنفسه تجارب وخبرات يستعين الخارج فيها بالحكام. فعندما تنتهي مهمتهم، يتخلص ذاك الخارج منهم بطرق مختلفة ولقد حدث ذلك في معظم الدول وخاصة العربية منها. فمنذ رحيل الإستعمار، يرى الخارج بأنه هو من حرر الوطن وأنشأ الدولة الوطنية فصارت ملكاً للحاكم وليس للشعب؛ لهذا، يحارب الخارج أية ممارسة ديمقراطية عربية، حيث يستعين بإسرائيل لإحباط أية فكرة بناءة للديمقراطية والتنمية.
علاج هذا الإشكال يتم بخطوات كبيرة لا بد منها، نخص منها خمسة أساسية:
الخطوة الأولى، ضرورة وضع خطة تحقق مصالح العرب وأوروبا دون حاجة إلى التآمر على العرب أو إستخدام الحكام العرب في مخطط يحقق مصالح الحكام والغرب ضد الأوطان.
الخطوة الثانية، ضرورة تشكيل مجلس عربي – أوروبي مشترك يضم مجموعة من الشخصيات المستنيرة لمناقشة خطة المصالح العليا للأوطان وكيفية الإلتزام بها، وأن تنتخب حكومات أوروبا على هذا الأساس وتقيِّم على هذا المعيار بحيث تكون الحياة والإستقرار والإزدهار للجميع وحل جميع المشاكل العالقة بين العرب المسلمين وأوروبا.
الخطوة الثالثة، تنشيط دور الجاليات العربية والإسلامية في الغرب بحيث تتخلى عن سلبيتها وتنخرط في عملية بناء الجسور الجديدة.
الخطوة الرابعة، التواصل مع شرائح الشعوب العربية والأوروبية، والعمل مع المؤسسات الديمقراطية، وعقد مؤتمر سنوي للمراجعة وفق تقرير اللجنة المشتركة للرصد في الجانبين.
الخطوة الخامسة، ضرورة دراسة خريطة المصالح العربية – الأوروبية وركائزها، ودور التواطؤ بين حكام العرب والحكومات الأوروبية ضد الشعوب العربية.
الخطوة السادسة، ضرورة إنهاء الحكم الأسري والحزبي والعسكري على مراحل، وتطعيم المكون المدني بكل القطاعات حتى يستحوذ على كل مرافق الدولة كي يتم الإلتزام بالقانون الصحيح.
الخطوة السابعة، إعداد برامج نفسية وثقافية لكي تتغير نظرة الحكام ووسائل حكمهم إلى شعوبهم، وتغيير نظرة الشعوب إلى حكامها.
الخطوة الثامنة، ضرورة تشكيل مجلس من المتخصصين لمساعدة الحاكم وترشيد قراراته، ووضع برامج لمدة 5 سنوات يتم فيها تخلي الحاكم عن الإمتيازات غير القانونية، وتجريد المنصب من الإمتيازات حتى يكون خدمة عامة وليس وسيلة للنهب أو التربح.
الخطوة التاسعة، إصلاح المؤسسات بحيث تصبح مؤسسات الدولة، وليس الحاكم، هي الأساس في الحكم، وأن توضع أمامها مصالح الوطن لكي تتعاون على تحقيقها.
الخطوة العاشرة، وهي المرحلة الأخيرة حيث يتحول المكون المدني إلى مكون أساسي، ويتراجع المكون العسكري إلى المعسكرات على الحدود، كما يتراجع المكون الديني إلى دور العبادة مسلمين ومسيحيين، بحيث يتم الإعتماد على الكفاءة وحدها بصرف النظر عن إنتساب المتقدم إلى أي مكون بعد مرور عشر سنوات من التحصين.
*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.
مصدر الصور: الحرة – أرشيف سيتا.
موضوع ذا صلة: هل تعلمت الشعوب العربية الدرس؟