تستمر التهديدات المتبادلة بين روسيا والغرب بوتيرة متزايدة فاقت في خطورتها ما سبق الحربين العالميتين الأولى والثانية، خاصة وأن العالم حينها كان خاليا من أسلحة الدمار الشامل التي ترسخت في العقيدة القتالية الردعية لأقوى الجيوش في العالم وعلى رأسها روسيا والولايات المتحدة الامريكية. أما عن الظروف التي عايشها العالم إبان الحربين العالميتين، فقد ارتبطت في عمومها بالنازية والفاشية التي هي محور الصراع وسببه المباشر حينها.
أما الوضع الحالي وبالرغم من رفض الجميع وادانتهم للنازية والفاشية فكراً وممارسة، الا أن العالم يعيش تهديدات متزايدة وبشكل هو اسوء من حيث الممارسة والخطورة من النازية والفاشية خاصة بالنظر لكيفية التعاطي مع الدول الضعيفة بالخصوص تلك التي لا تمتلك قوة رادعة، والسبب المباشر في ذلك هو الأحادية القطبية التي فرضتها الولايات المتحدة ومن معها من دول غربية بعد الحرب الباردة، والتي كانت موجهة ضد الاتحاد السوفياتي أواخر القرن العشرين، حيث انتهت بانتصار واضح للغرب الذي أحلّ لنفسه استغلال الشعوب ونهب ثرواتها بمسميات ومفردات فضفاضة كحقوق الانسان والديموقراطية وحفظ السلام وحماية الاقليات، لتصل لاعتماد برامج تفرض تغير أنظمة الحكم بالقوة العسكرية.
لكن حين دق الغرب الذي تتزعمه واشنطن أبواب موسكو محاولاً تهديد أمنها القومي من حدودها مع كييف، وجد حزماً روسيا عسكرياً في الميدان مما جعل بعض الدول الغربية تظهر للعيان كطرف مباشر في المعارك التي تخاض باسم أوكرانيا، وهذا ما أكده الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، من خلال تحليلٍ وتفسيرٍ واضح للموقع الحقيقي والفعلي للدول غربية تجاه ما يحدث في أوكرانيا، واللافت للنظر في ذلك أن الرئيس بوتين كان مقنعاً برد كفيل بتبيان مدى تورط بعض الدول الغربية في تأجيج الحرب الأوكرانية لدرجة قد تصل لحرب نووية كارثية، حيث قال بأن منظومة الصواريخ بعيدة المدى عالية الدقة التي تتوعد بها بريطانيا لا يمكن أن تستخدمها القوات الأوكرانية لأن المعلومات الاستخباراتية الفضائية وما يتبع ذلك من ادخال للمعلومات لن يتم الا بعمل عدائي مباشر من اصحاب هذه المنظومة أو غيرها، وفي ذلك تدرج غير مسبوق لفرض مواجهة مباشرة بين دول من حلف الناتو وروسيا، فهل تتحمل كل دول الحلف هذه المسؤولية؟ وهل ستستمر السياسة الغربية في خطها الانتحاري؟
في نفس السياق، هل يمكن اعتبار جولة الرئيس بوتين لدول تحسب على المعسكر الشرقي سابقاً تحضيراً ضرورياً لما سيحدث في قادم الأيام؟ أم لإبلاغ حلفاء موسكو التقليديين بحالات الرد الممكن والذي لن يحتاج لاعلان مسبق لان الخيارات المتاحة لم تعد كثيرة والعقيدة الدفاعية قد تتحول في اي لحظة لعقيدة هجومية بحتة؟
مصدر الصورة: المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية
إقرأ أيضاً: هل ستتمكن باريس وبرلين من التغلب على الخلافات حول مساعدة أوكرانيا؟
أ.د عمار إبراهمية
كاتب وباحث – الجزائر