على عكس ما يُشاع في وسائل الإعلام من حدوث اضطرابات واحتجاجات شعبية في برازيليا (عاصمة البرازيل) قيل إنها وصلت إلى اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، فما حقيقة ما حدث فعلاً؟ ولماذا يُراد تصوير الأحداث بهذا الشكل؟ ولمصلحة من؟

عن هذه الأسئلة وغيرها، يجيب د. أسعد فرنجية، في حوار خاص مع مركز “سيتا“:

تواطؤ داخلي

من الخطأ القول إن ما حدث اشتباكات بين الشرطة البرازيلية والمحتجين، والصحيح القول، إن ما حدث هو تواطؤ من قبل حاكم مقاطعة برازيليا، إيبانييس روش، والذي يتمتع باستقلالية ومسؤولية الأمن تحت عاتقه، وهذا من جهة.

من جهة أخرى، هناك تواطؤ آخر، بأن قام حاكم برازيليا بتعيين وزير الأمن الداخلي، وزير العدل السابق أندرسون توريس، حيث كان هناك تواطؤاً مباشراً معه، بالتالي، لم يكون هناك وجود للشرطة البرازيلية بعدد كبير، رغم أنه كان هناك توجيهات من جميع المؤسسات تقريباً، وخاصة من المخابرات البرازيلية، بمن فيهم وزير العدل، فكان التواطؤ على المستوى السياسي على الشكل التالي:

من حاكم برازيليا إلى وزير داخليته، فالتواصل مع الأجهزة الأمنية، التي من الممكن القول إنها بقيت محايدة، بالتالي، اتهم القاضي الأعلى حاكم برازيليا بالتواطؤ، ونتيجة لذلك تم عزله مباشرة، لمدة 90 يوماً، وهي فترة إجراء تحقيقات شاملة.

النفطة الأساسية كانت التواطؤ ومن ثم التحطيم، وحدث ما رآه العالم أجمع وتدخلت الشرطة وتم اعتقال ما يقارب الـ 400 شخص، وكل ما كان يحدث في البرازيل من حيث التجمعات كانت بأعداد صغيرة إذا ما قورنت بعدد سكان البرازيل عموماً، لكن رغم قلة عددهم لكنهم يعلمون ما يفعلون تماماً بما يتعلق بنشر الفوضى، لكن لم يتجاوز وجودهم أكثر من 24 ساعة حتى تمت السيطرة على الأوضاع، فكانت تحركات الشغب ضمن تسمية “أعمال شغب وفوضى وإرهاب”، لكنها ليست انقلاباً عسكرياً، لأنه لم يحدث أي محاولة لأجل تلك الغاية، فكان الهدف تحصيل مكاسب سياسية من خلال نشر الفوضى لا عسكرية بزعم انقلاب.

الرابحون والخاسرون

النقطة الثانية لهذه الفوضى، في البداية مع الرابحين، أفرز هذا الأمر تعاطف سريع بين رئاسة الجمهورية والتي هي السلطة التنفيذية، بما في ذلك الوزراء، وبين السلطة التشريعية (مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، مع الإشارة إلى أن رئيس مجلس النواب البرازيلي، أرتور ليرا، الذي هو من حزب الرئيس وأوصله بولسونارو للدورة الثانية للانتخابات، الذي استنكر هذه التصرفات رغم أنه محسوب على الحزب الليبرالي، ما يعني أن المجلس التنفيذي ورئاسة الجمهورية تحركت بسرعة وقاموا بنوع من التدخل الفيدرالي لضبط الأمن إلى جانب التدخل في الوضع السياسي والإداري أيضاً، بعد أن استلمت نائب حاكم برازيليا الوضع الإداري والسياسي للمقاطعة، بين الأمن تحول ككتلة واحدة من قبل رئاسة الجمهورية بتعيين شخصية تنفيذية من وزارة العدل تتبع مباشرةً لرئاسة الجمهورية.

النقطة الأخرى المهمة، أن حدث تنسيق وتعاون سريع بين رئاسة الجمهورية والسلطة التنفيذية، حيث استنكر مجلس الشيوخ والنواب بشكل كبير هذه الأحداث، وبنفس الوقت حدث تحرك من جانب القضاء، حيث اتهم المدعي العام مباشرةً حاكم برازيليا بالتقصير والتواطؤ، والذي كما أشرنا تم عزله من منصبه.

تعاطف كبير

إلى جانب التحركات السياسية على المستويين السياسي والأمني، حدث تعاطف وطني كامل، من جميع حكام الولايات والمقاطعات (26 حاكم)، وكانوا جميعهم ضد هذه الأحداث الفوضوية باستثناء حاكم برازيليا، وكانوا كلهم إلى صف الرئيس لولا دا سيلفا، دون إغفال التعاطف الدولي الكبير.

بالنتيجة، إن الديمقراطية البرازيلية استطاعت أن تتحرك بسرعة كبيرة، مع الإشارة إلى أن البرازيل تمر بمرحلة انتقالية، سيحدث فيها تغييرات في الصف الأول، وهذا يشمل الحكام والوزراء ونوابهم ومستشاريهم وغير ذلك، بينما يشمل الصف الثاني، الأجهزة الأمنية، والتي تشمل رؤساء الأجهزة والمدراء وغير ذلك، خاصة الذين سيثبت تواطؤهم.

والأمر المؤكد أنه لم يحدث أي تدخل أمني أو عسكري واسع كما أشيع، من قبل أنصار بولسونارو، ليكون الرابح في هذه الحالة الديمقراطية البرازيلية، ولولا دا سيلفا بسرعة تحركه لضبط الأوضاع، وكذلك مجلس النواب والشيوخ وكل حكام الولايات.

ماذا بعد؟

في المرحلة المقبلة، سيكون هناك تحرك للقضاء بشكل أكبر، ولهذا أهمية كبيرة جداً، لأن النهايات قد تصل بشكل مباشر إلى الرئيس السابق للبرازيل، وهذا سيحدث حتماً، فضلاً عن أن هذا الأمر الذي حدث، لا يندرج ضمن الثقافة البرازيلية التي نعرف، وما يثبت ذلك أن عدد العسكريين في كل البرازيل لا يتجاوز 220 ألف عسكري، بينما شرطة ولاية ساوباولو لوحدها، 130 ألف، بالتالي، الشرطة تفوق العسكر عدداً بشكل كبير جداً، والتي تتبع عامةً حاكم الولاية وليس الفيدرالية، بالتالي التغيير الأكبر سيطال الشرطة بشكل واسع جداً.

مصدر الصورة: رويترز.

إقرأ أيضاً: البرازيل الجديدة في عهد “لولا دا سيلفا”