حوار: سمر رضوان
ملفات كثيرة تداخلت على خط الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالأردن، وتطلبت تدخلاً عاجلاً من الدول الداعمة له من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد الشعور بخروج الأمور عن نطاقها الاقتصادي، والحديث عن معسكرات معادية لـ “محور واشنطن” والتي قد تسحب الأردن إلى خارج الفلك الأمريكي، وبالتالي مشاريع كبرى قد تصطدم بواقع جديد، ما سرّع ضرورة عقد قمة رباعية في مكة لتلافي حدوث أي من هذه الملفات.
لتحليل هذه الملفات وتداعياتها في العلاقات السياسية، دولياً وإقليمياً، يقول الدكتور عامر سبايلة، المحلل والباحث السياسي الأردني، لمركز “سيتا”:
تشابك الأزمة
إن الأردن، وحسب اعتقادي، أخطأ في قراءة ما يجري من طبيعة التحولات، سواء على المستوى الدولي أم على المستوى الإقليمي، أي طبيعة العلاقات شكلها ونوعها التي تغيرت بشكل تام.
أولاً: اليوم، تتحكم المصالح بالعلاقات ضمن مبدأ “البراغماتية الاقتصادية”، بحيث لم تعد فكرة الأدوار والتحالفات هي التي تؤمن فكرة المساعدة.
ثانياً: كان بارزاً، ومنذ فترة طويلة، أن شكل المساعدات بدأ يتغير، حيث أصبحت ترتبط بفكرة التنمية. كما بدأت الأرقام أيضاً تثير قلق الدول الصديقة والمانحة، لعدم وجود تغيير حقيقي، فهناك مشاكل حقيقية في الأرقام الاقتصادية، يعني أن الأمور تزداد سوء، وبالتالي كان لا بد من دفع الأردن للبحث عن تفكير منهجي لحلول ناجحة تغير نمط التعاطي مع الأزمة الاقتصادية، كالانتقال بالاقتصاد لكي يصبح اقتصاداً منتجاً بدل اعتماده على المساعدات. بالتالي، إن المعطيات، بشكل عام، تشير، بلا شك، إلى تحول في شكل السياسات. لكني اعتقد أن من يُلام فعلياً على ما حدث هو الأردن نفسه، لأنه لم يستبق الوصول إلى هذه النقطة منذ سنوات طويلة.
لقد ساهمت المساعدات التي قدمت بعدم انزلاق الأردن إلى أزمة عميقة، لا يستطيع الخروج منها، فهي بإعتقادي، تعتبر شكلاً وطبيعةً تبين رغبة هذه الدول المانحة في عدم سقوطه، لكن في النهاية لا يمكن لأحد أن ينقذ الأردن إلا الأردن نفسه، فحتى العلاقات بحاجة إلى إعادة صياغة.
الأردن، في سياسته، يحتاج إلى إعادة قراءة المشهد من جديد، بمعنى أن هناك مشكلة حقيقية. أولاً، طريقة التعاطي مع حلفه التاريخي “الإمارات، مصر، السعودية”؛ ثانياً، الواقع الجغرافي في موضوع العلاقة مع كل من العراق وسوريا؛ ثالثاً، التحول على المستوى الدولي لجهة طبيعة وشكل الإدارة الأمريكية إضافة إلى العلاقة مع إسرائيل. هذه المستويات الثلاث تشير إلى أن عمان بحاجة إلى وضع استراتيجية حقيقية لإعادة ترتيب أموره بعيداً عن فكرة المساعدات.
“صفقة القرن” بين عمَّان والقدس
اعتقد أن تضخيم مسألة القدس كان نوع من “البروباغندا”، فهناك من حاول أن يضع الأردن في سياق صراعات المنطقة.ان موضوع القدس لا يعد معياراً بالنسبة الى الدول العربية على الأقل. أما بالنسبة للإدارة الأمريكية، فهو امر محسوم. منذ اليوم الأول كان تصريح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، واضحاً وحضور صهره، جيرهارد كوشنير، خلال مراسيم افتتاح السفارة. واعتقد أن أخطر ما قيل في هذا الشأن هو التصريح الذي أعلنه نائب الرئيس الأمريكي في عمان عندما قال “اتفقنا مع الملك الأردني أن نختلف على القدس.” هذا التصريح، بإعتقادي وكدولة تدور في الفلك الأمريكي، يعتبر تصريحاً “مقلقاً”.
من هنا، يجب أن نعيد قراءة هذا الملف لناحية إعادة تشكيل مواقف أردنية مجدية بدون إشكالات مستقبلية خصوصاً في ظل عدم وجود البدائل، فعمان لا تستطيع الخروج من محورها التاريخي. إن الإدارة الحالية في واشنطن، بخلاف سابقاتها، تنتهج سياسة واضحة مختلفة، فهي تسير في نهج معين، وعلى محورها أن يتعاطى مع تلك التغيرات. إضافة إلى ذلك، ان طبيعة التحالف مع الولايات المتحدة يختلف عما كان عليه سابقاً، فالإدارة الجديدة لا تبحث إلا عن المصالح.
بما يخص “صفقة القرن”، بإعتقادي هناك العديد من الاسئلة التي يجب علينا طرحها. ما هي صفقة القرن؟ ما هو المطلوب من الأردن؟ في لبنان، وعلى سبيل المثال، توجد مشكلة حقيقية لجهة اللجوء الفلسطيني، إذ يتم الابقاء على اللاجئين ضمن المخيمات، إضافة إلى عدم تجنيسهم، أو تقديم تسهيلات معيشية كافية لهم، وبالتالي يمكن أن يكون هناك ضغوط حقيقية عليه مستقبلاً لجهة تحسين الظروف المعيشية، أو منحهم وثائق سفر، أو تحسين امكان تواجدهم، وانتقالهم من فكرة اللجوء إلى فكرة المواطنة.
بالنسبة للأردن، الموضوع مختلف تماماً عما هو في لبنان سواء لجهة موضوع التجنيس، والذي يؤسس لإسقاط حق العودة، والحدود، والأمن. هذه الثلاثة ملفات، استطاع الإسرائيلي أن يحلها على حساب الأردن. من هنا السؤال: ما هي الضغوط التي قد يمارسها كل من الإسرائيلي والأمريكي على الأردن من أجل السير في “صفقة القرن”؟ صراحة، أنا لا أجد أي ضغوطات في هذا المجال.
العلاقة مع دول الجوار
بالنسبة إلى العلاقة مع المملكة العربية السعودية، أرى أنها يجب أن تكون ضمن توازنات جديدة، مع إيجاد أرضية تفاهمات مع الولايات المتحدة بعيداً عن فكرة الاعتقاد بأن الأردن يدور في المحور الأمريكي، وبالتالي سيبقى مستفيداً من هذا التجديد.
على الأردن اليوم انتهاج سياسة اقليمية تغييرية لجهة الانقلاب على سياساته السابقة في هذا المجال. غير أننا، وللأسف، نرى أن الذين يتسيدون وزارة الخارجية اليوم، هم أصحاب مواقف معادية لسوريا والعراق، عملوا في السنوات الماضية ضمن هذه الرؤيا. وبالتالي عندما نفكر في إعادة فتح الحدود وإعادة صياغة العلاقة المشتركة وترتيبها، نحن بحاجة على تغيير نهج وشخوص ورؤيا تأخذ بعين الاعتبار أن حالة العزلة التي تعرض لها الأردن تتعمق، ويمكن حقيقة أن تزيد من مشاكله مستقبلاً بطريقة يصعب التعامل معها.
نحن مطالبون بالتحرك تجاه فتح الحدود، وهذا الأمر يعتبر شيء خطير في الوقت الحاضر، فمن خلاله يمكن ملاحظة وجود مشكلة في فهم ما نريده فعلياً. في اعتقادي، إن السياسة الإقليمية الأردنية يجب أن تعيد الجغرافيا كأولوية، وهذا يتطلب تغيير في النهج والشخوص وفي شكل الإدارة، كي ينقذ اقتصاده بالدرجة الأولى.
من خلال هذه السياسة، يستطيع الأردن فتح الحدود أولاً، ثم تحويله إلى نقطة تساعد الانطلاق في إعادة إعمار سوريا والعراق ثانياً، وهذا يتطلب علاقات سياسية مع الطرفين تسمح له وتخوله أن يكون قادراً ان يصبح “محطة” لوجيستية في عملية إعادة إعمار البلدين.
مصدر الصورة: أوكرانيا برس.